الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

سعيد منتسب: الأشجار حية ترزق

سعيد منتسب: الأشجار حية ترزق سعيد منتسب
يمكن لإزرا أن يفعل ما يشاء لأن وجوده لم يعد مريحا. تاريخه لا ينطلي على أحد، وقوته بطريقة ما مجرد قطعة مستعارة من أمريكا. يجدر به في هذه الحالة أن يلقي بنفسه في حرب يعرف جيدا أنها ليست حربا، وأن يطلق العنان لطائراته بحثا عن بداية أخرى جيدة لأساطيره.
 
الأشجار في فلسطين حية ترزق. ما زال الفلسطينيون يستيقظون كل صباح. يشربون القهوة ويقرؤون الجرائد . ويبحثون عن ربط ممكن بالحياة. لا أحد منهم يبلغ عن الوجع الذي يلقي بأغصانه على رؤوسهم. هم الوجع نفسه. يتابعون بكل أوجه الشبه القائمة القصف المنهمر على منازلهم وحقولهم وشياههم ليلا، دون أن تنخفض حرارة لقائهم بالأرض. 
 
ليسوا تائهين كما يظن بايدن، ولا وجلين كما يتخيل سوناك، ولا قتلة كما يرغب ماكرون. ليسوا قنابل تخترق الجدران، وليسوا مرتزقة ينشرون عضلاتهم الرخيصة في المزادات. ليسوا رهن إشارة من يدفع أكثر، وليسوا مجرد جداول ولوائح ومستوطنين.
 
إزرا يعرف أن الكارثة سترفع رأسها باتجاهه، ولهذا لا يعتبر الإجرام مشكلة. يشتغل على قدم وساق، ناقما ومكشرا وحالما ومختبئا ووقحا، من أجل أن يملك قطعة قلب مستحيلة. يعمل دون حرج بمخزون عسكري يبحث عن فرصة عمل، ليصنع هو حقيقته المرعبة.
 
بايدن لا  يريد سماع أي شيء عن الهدنة الإنسانية ما دامت الأشجار تمسك بزمام الأرض. يتحدث عن الحرب كمشروع عائلي، وعن القتل كضرورة للتسويق التجاري.
 
 الفلسطينيون يقتلون بعضهم ببرود لتزجية الوقت. لا وجود لأي مقنبلات، ولا لأي اختناق مروري يهم الأدوية والمياه والمواد الغذائية والوقود والأنترنت. الفلسطينيون يدمرون المنازل والملاجئ والمستشفيات، وينزلون جماعة إلى القبور، لأنهم يحبون ذلك. هذا هو امتيازهم عن معظم الناس. كل ما سيقع هو أن العالم سيهز كتفيه بشكل خفيف ويمضي.
 
يقول بايدن إنه من الممكن أن يكون هناك المزيد من الصور وأشرطة الفيديو المشدودة إلى الفظاعة. لا تصدقوا ما ترون أكثر مما ينبغي. إزرا بحاجة إلى شيء من الوقت ليؤكد لكم رعب الاقتراب من الأشجار. لا تقطعوا الأمل فينا أو فيه. علينا أن نقوم بشيء ما، وها نحن نقوم به على أحسن وجه. نخوض في الجوار الصعب بالرصاص والقنابل والجرافات. لا تعتقدوا اننا نسند ذقوننا إلى أذرعنا لنفعل ذلك. نحن نؤدي الثمن بجدية كبيرة. لكن رجاء، لا تصدقوا الدم الذي يتصبب على الجدران، وفوق الأسرة. أنظروا قليلا خلف تلك الصور. ذاك دم لا إرادي، يسفك لأنه يتدبر أمره جيدا للجلوس تحت القصف..