عندما اصبح الغرب عاريا امام باقي العالم في تعاطيه مع القضية الفلسطينية المستمرة مند اكثر من سبعة عقود، واستمرار الكيل بمكيالين في التعامل معها في كل المناسبات والمحافل الدولية، وما لذلك من تأثير على السلم والتعاون في منطقة الشرق الأوسط وجنوب المتوسط .المعركة الطويلة التي تمت بمجس الامن بالأمم المتحدة والعجز ان اتخاذ قرار بسبب الفيتو الأميركي بمساندة بريطانية المانية بينت الانحياز المطلق لإسرائيل، واختفى فجأة خطاب الدفاع عن الحقوق وقصف المدنيين وهو الخطاب الطي رددته اوربا والغرب حول المدنيين الاوكرانيين عندما كانوا يتعرضون للقصف الروسي ، في حين سقط منهم بضعة الاف في غزة بواسطة القصف العشوائي لطيران الإسرائيلي الذي ادعى انه يستهدف البنية التحتية العسكرية لحماس. وكأنه يتحدث عن جيش نظامي له قواعد عسكرية ثابتة. في هذه الحرب التي سوف يتعدى عدد الضحايا المدنيين على الأقل عشرة الاف جلهم من الأطفال والنساء ابرزت هذه المواجهة الوجه الوحشي واللاإنساني والقاتم للغرب الذي رمي بقيمه الإنسانية الى المزبلة ليساند حكومة احتلال عنصرية واستيطانية وهي الحكومة الوحيدة في العالم التي تمارس الاستيطان والطرد التعسفي لسكان الأصليين حتى اليوم دون ان يتحرك العالم الا إذا استثنينا بعض الادانات المحتشمة هنا وهناك. ويتم قصف المدنيين والمدارس والمستشفيات ويتم قطع الماء والكهرباء والأدوية على المدنيين وحتى وسائل التواصل دون ان يتحرك ضمير الغرب امام هذه الإبادة الجماعية بعد حصار لغزة دام 17 سنة. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غيتيريس المعروف بديبلوماسيته وصداقته مع بعض الاوساط الإسرائيلية، لم يتحمل الصمت امام هذه الإبادة ضد المدنيين و حاول إيقاظ ضمير العالم ضد ما يرتكب ضد المدنيين، في خطابه امام معبر رفح المصري في 20 من أكتوبر الماضي و تهاجمه إسرائيل وكانه ارتبط ذنبا او ادعى شيئا لم يحدث ويقاطعه اعلام الغرب ويمر على خطابه بسرعة فائقة. وهو ما يعكس عجز هذه المنظمة الأممية التي أصبحت مجرد دمية في يد الدول الكبرى تدين من تشاء وتغض الطرف عن مجرمي الحرب. ويتعرض امينها لحملة لمجرد استنكاره لجرائم الحرب والتنكر للقانون الدولي.
الجولة الجديدة القديمة من المواجهات بين قوات الاحتلال والفلسطينيين والتي بدأت يوم 7 أكتوبر الأخير والعدد الكبير من القتلى والأسرى الذي خلفته في الجانب الإسرائيلي يتم الانتقام لهم اليوم من طرف قوات الاحتلال برمي الألاف من الاطنان من القنابل عبر الجو بالإضافة الى قطع الماء والكهرباء والأدوية وقصف المستشفيات والمخابز وكل ما يرمز للحياة في غزة وهو ما تعتبره الأمم المتحدة بجرائم الحرب وهي القوانين التي يتم تجاهلها ويدافع اغلب قادته على الحق في الرد والقتل ضد الفلسطينيين. بل يتم تبريرها على اعتبار ان حركة حماس هي من بدأت المواجهة، في حين، مند صول هذه الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ هذا الكيان يتم الاعتداء بشكل يومي على سكان القدس والضفة الغربية ويتم قمع جميع التظاهرات السلمية وهو ما خلف عشرات الضحايا دون يتحرك العالم بل ان سياسة الاستيطان مازالت مستمرة ويتم استغلال الحرب على غزة من اجل تكثيفها ويتم طرد الفلسطينيين من أراضيهم خاصة البدو بل ان المستوطنين يقومون بالاعتداء يوميا على السكان بحماية جيشهم الذي اصبح متخصصا مند عقود في ممارسة كل اشكال التنكيل والعنصرية ضد الفلسطينيين ويمارس عليهم الضغط يوميا من اجل دفعهم الى مغادرة أراضيهم التي يستولي عليها المستوطنون.
الفلسطينيون يواجهون جبهتين، جبهة العدوان الإسرائيلي الاستيطاني وجبهة الاعلام الغربي الذي تغديه اسرائيل بالدعاية والذي يكتفي في اغلب الأحيان بروايتها من خلال ربورطاجات رسمية وجلب التضامن وتحويل الضحية الى جلاد.
هذه السياسة التي تقوم بها إسرائيل تجد لها الدعم والمساندة من كل الغرب مع بعض الاستثناءات التي شكلتها على الخصوص كل من النرويج وأيرلندا وبعض الوزراء الاسبان الذين طالبوا بوقف هذه المذبحة.
بعض الأصوات القليلة بالغرب تنبهت الى هذا الاندحار الأخلاقي وعارضت بقوة هذا الدعم المطلق لقوات الاحتلال، حزب معارض وحيد من فرنسا وهو "فرنسا الابية "وزعيمها جون لوك ميلانشون الذي كان عليه مواجهة كل حكومة بلاده واحزابها اليمينة المعارضة واليمين المتطرف التي وقفت في صف واجد لدعم قوات الاحتلال وحقها في الانتقام من السكان المدنيين من اجل الرد على منظمة حماس وتحميلها مسؤولية هذه الماسات. وزير خارجية فرنسا في عهدة شيراك كان اقوى الأصوات التي واجهت سياسة الكيل بمكيالين في اعلام بلده. ما يقوم به الغرب هو "اغتيال المستقبل "يقول دومنيك دوفيلبان. هذا القول يلخص ما ينتظر العالم جراء هذه الحرب.
طبعا هذا الانقسام ما بين الغرب وباقي العالم تستفيد منه روسيا التي كانت تحت الحصار بسبب حربها على أوكرانيا كما تستفيد منه الصين وهي دول تواجه الغرب وقيمه مند عدة عقود، وسياسة الكيل بمكيالين التي ينهجها الغرب وعلى راسه اميركيا ستدفع باقي العالم الى تشكل تحالف بين بلدانه ضد الكتلة التي تقودها واشنطن. وهو ما أصبح يطلق عليه اليوم الغرب وباقي العالم اللذان لم يعودا يقتسمان نفس القيم والنظرة الى العالم.