أكد القدوري نورالدين، عضو مجلس إدارة الجمعية المغربية للعلوم الاقتصادية، والمحلل بمعهد الجيوسياسية التطبيقية بباريس، أن فلسفة صندوق المقاصة تهدف إلى حماية القدرة الشرائية للمواطنين عبر دعم استقرار أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية من جهة، ودعم محدد لبعض القطاعات الاقتصادية (الصناعة التقليدية، الفلاحة...) من جهة أخرى، مشيرا في تصريح لجريدة "الوطن الآن" إلى أن هذا الصندوق الذي تأسس خلال الحرب العالمية الثانية، ستنخفض موارده بعد إنشاء الضريبة على الاستهلاك الداخلية سنة 1974، مما سيجعله عبئا على ميزانية الدولة، خصوصا بعد ارتفاع تكاليف انتاج المواد الأساسية، والنمو الديمغرافي، والنزوح القروي نحو المدن، مما سيؤدي الى ارتفاع الطلب الداخلي.
وزاد العضو الشرفي بمنتدى الباحثين لوزارة الاقتصاد والمالية بالمغرب قائلا:" خلال أزمة الديون للعالم الثالث في الثمانينات، كان هذا الصندوق موضوع اصلاح في إطار برنامج التقويم الهيكلي الذي قدمته المنظمات المالية الدولية، ولاسيما صندوق النقد الدولي من أجل إرساء سوق ليبرالي حر. في خضم هذه الإصلاحات الليبرالية، شرعت الدولة الى تحرير تدريجي لبعض المواد الغذائية، التي رفضتها النقابات آنذاك، لتتحول الى احتجاجات "ثورة الكميرة"".
وأضاف أنه خلال الأزمة المالية لسنة 2008، التجأ المغرب إلى طلب خط ائتماني من المنظمات المالية، فكان لابد، في إطار الشراكة التعاقدية من ادراج مجموعة من الإصلاحات تهم المالية العامة، منها خفض الكتلة الأجرية التي أفضت الى اعتماد الصيغة التعاقدية في التوظيف، إصلاح صندوق المقاصة، تحرير جزئي للعملة...، مستدركا أن هذه الإصلاحات الأخيرة لصندوق المقاصة، تندرج ضمن نقاش علمي اختلف فيه الاقتصاديون، يتمثل في فعالية ونجاعة تقديم دعم للمواد الأساسية، أو دعم مباشر للمواطن. وبالنسبة للمغرب، أشار القدوري نور الدين أن المغرب، حسم هذا النقاش باعتماد مشروع الحماية الاجتماعية، حيث اختار دعم مباشر للعائلات المعوزة، خصوصا بعدما تبين أن 30 %من الميزانية المخصصة لدعم المواد الغذائية، وغاز البوتان، استفادت منه 20% من الأسر التي لديها أعلى مستوى معيشي، مقابل 13% للأكثر حرمانا، حسب المندوبية السامية للتخطيط.
ويبقى هذا الإصلاح، حسب المتحدث ذاته، تحديا كبيرا يجب مواجهته، باعتبار أن هذا الاصلاح سينعكس على القدرة الشرائية للمواطنين، وضمنيا على الطلب الداخلي من جهة، وكذا على ميزانية الدولة من أجل توفير الموارد المالية لتمويل السياسة الاجتماعية من جهة أخرى، خصوصا أن الاقتصاد الوطني يعيش تضخم هيكلي، تمت معالجته بوسائل التضخم المرحلي، وهذا يحيلنا إلى ضرورة إرساء الدولة الاستراتيجية، مع ضمان سوق حر بمفهومه الاقتصادي.