حين خص الملك محمد السادس(ولأول مرة في التاريخ الدستوري للبلاد)، مدينة الدار البيضاء بخطاب حاد في الدخول البرلماني لعام 2013، ساد الاعتقاد أن نصف مسؤولي البلاد في الحكومة والمؤسسات العمومية المعنية وثلثي مسيري الشأن العام بالبيضاء، سيقالون من مهامهم. وساد الاعتقاد أن نظاما جديدا للحكامة سيتم تقعيده لتدبير الدارالبيضاء بشكل يسمح باتخاذ القرارات بسرعة وتنفيذها في الآجالات المألوفة عالميا، لردم الفجوات وتدارك التأخر في إنجاز العديد من المرافق والخدمات، لكن "سبع أيام ديال الباكور" انتهت فور مغادرة الملك للبرلمان، وسقطت العاصمة الاقتصادية رهينة بيد اللوبيات والمافيات و"أصحاب الهمزة" و"الملهوطين" الباحثين عن مص الثروة ولو على حساب حقوق الساكنة وجمالية المدينة.
للأسف لم يتحقق أي شئ من هاته الانتظارات، بل على العكس من ذلك زادت وضعية المدينة تأزما، وتفاقمت أعطابها، واختلط الحابل بالنابل في قمرة قيادتها، لدرجة أن المرء لم يعد يعرف من يحكم في الدار البيضاء: هل الوالي، أو العمدة، أو رؤساء المقاطعات، أو رئيس الجهة، أو عمال عمالات المقاطعات، أو "الملايرية" الكبار في البلاد، أو مدير "ليدك"، أو مدراء شركة التنمية، أو مدير الوكالة الحضرية، أو مدير أكاديمية التعليم، أو المدراء المركزيين بالوزارات، أو مدراء المؤسسات العمومية المتدخلة في الدار البيضاء، أو سماسرة الانتخابات وشناقة الأحزاب ؟!
فاتخاذ قرار بسيط لتجويد عيش سكان مدينة الدار البيضاء يتطلب المرور من "صراط مستقيم"، وتتبع تنفيذ أوراش الدارالبيضاء يخضع لشعار " يدي ويد القابلة"، مما يؤدي إلى ولادة عسيرة أو قتل الجنين. أما محاولة إدخال تهوية على تدبير المرافق العمومية المحلية بالبيضاء فيتطلب الاعتكاف في مغارة هنيبعل لعدة عقود عسى أن يتم ذلك. وإخراج الالتزامات المسطرة في وثائق التعمير والاتفاقيات المبرمة أمام ملك البلاد في الآجال المحددة، فيخضع لتقاذف الاتهامات مع تنصل كل جهة من تعهداتها برمي المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك. وديون المدينة تتفاقم بشكل ينذر بالوصول لعتبة كارثية ورهن مستقبل الأجيال القادمة. والفوضى أضحت العقيدة الرسمية بالدارالبيضاء، بالنظر إلى أن كل من أراد أن يفعل شيئا يقوم بذلك في تحلل تام من كل انضباط للقوانين والقرارات التنظيمية، بحكم أن الدار البيضاء أصبحت مثل "الفاتيكان وسط الطاليان"، أي أن تشريعات المغرب وقرارات السلطة التنظيمية لا تسري على الدار البيضاء.
والأنكى من ذلك أن الكل يتفرج، إن لم نقل متواطئ "يأكلون الكرمومة ويرضعون البزولة" و"ينهشون لحم بيضاوة"، علما أن الدار البيضاء تمثل لوحدها ثلث الناتج الداخلي الخام للمغرب( أي هي القلب الذي يضخ الدم في كافة أطراف التراب الوطني).
وبدل أن تكون العاصمة الاقتصادية على رأس الأولوية وطنيا، وتكون في مقدمة الأجندة العمومية حماية "للأمن القومي للمغرب" لكي لا يتم تبديد هذه القوة المتمثلة في ثلث الناتج الوطني الخام، نجد المسؤولين يخونون القسم الذي أدوه أمام الله وأمام الملك وأمام الشعب، ويبيعون الدار البيضاء في مزاد رخيص "للشناقة".
لكن ما العمل والشأن العام يتحكم فيه مسؤولون لا يخافون من الله أصلا، فأحرى أن يخافون من القانون ومن غضبة الملك ومن لعنة الشعب.
حسبنا الله ونعم الوكيل !