"القوة هي الصواب"، هذا هو الدرس الذي يمكن استخراجه من التحركات التي وقّع عليها الملك محمد السادس في السنة الرابعة والعشرين من تربعه على عرش المغرب. ومعنى القوة هنا، هو إثبات أن الحفرة التي دأب على توسيعها «كابرانات» الجزائر يمكن ردمها بامتلاك الديناميكية اللازمة لذلك، وأيضا بامتلاك قوة دفع براغماتية لا مكان فيها للمقامرة بالقضية الوطنية، فضلا عن الإيمان بأن القراءة الجيدة للواقع الجيوسياسي، على المستوى الإقليمي والدولي، تتيح الحصول على أفضل النتائج، دون خوف من أي انطلاق مفاجئ لصفّارات الإنذار.
لقد عمل الملك محمد السادس، خلال هذه المرحلة، على تركيز تدابير السلامة للقضية الوطنية، خاصة أن الجزائر عبّرت بكل وضوح عن ضيق صدرها بالانتصارات الديبلوماسية المغربية بخصوص ملف الصحراء، وبخصوص الحضور القوي والفارق على المستوى الإفريقي، وفي كل الواجهات الدولية.
كما استطاع المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، أن يحقق اختراقات مهمة على مستوى القارة الإفريقية، إلى الحد أن 30 دولة إفريقية «بنين، بوركينا فاسو، بوروندي، الرأس الاخضر، جزر القمر، الكونغو، كوت ديفوار، جيبوتي، أريتيريا، الغابون، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، ليبيريا، ليبيا، جمهورية إفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ساوتومي، السنيغال، السيشل، سيراليون، الصومال، السودان، سوازيلاند، الطوغو، زامبيا، ليسوتو، مدعشقر»، صادقت، في مستهل فبراير 2023، على مقترح يدعو إلى طرد البوليساريو وإلغاء عضويتها من الإتحاد الأفريقي، نظرا لعدم قانونية عضوية هذا الكيان. وهو رقم مرعب للعسكر الجزائري الذي أدرك أنه لا يسبح في «محيط إفريقي هادئ»، كما كان عليه الأمر في السابق، قبل أن يستعيد المغرب مقعده في الاتحاد الإفريقي، خاصة أن النظام الجزائري يدرك أن جبهة البوليساريو تعيش، في الآونة الأخيرة، على عمليات نقل دم لن تستمر إلى الأبد، ذلك أن المغرب يواصل مراكمة اعترافات القوى الدولية الكبرى بوجاهة مقترح الحكم الذاتي كأساس لتسوية نزاع الصحراء «الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، إسبانيا، بلجيكا، بريطانيا...إلخ».
وقد شكل التحاق إسرائيل بالدول المساندة للطرح المغربي «مغربية الصحراء ودراسة إمكانية فتح قنصلية في الداخلة» ضربة موجعة للفكرة الجزائرية القائلة باستعمال الغاز من أجل استمالة مواقف المترددين، مثلما وقع مع «فرنسا الماكرونية» التي تعتبر «الاقتصاد هو السلاح الأكبر»، مما سيشجع لا محالة الرباط على التمسك باشتراطاتها السابقة «الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم» لتطبيع العلاقات مع باريس، ومع جميع العواصم التي تفضل الإقامة في «المنطقة الرمادية».
وبطبيعة الحال، إن وراء هذا الاعتراف الإسرائيلي عمل دؤوب للملك محمد السادس، من أجل الدفع بالشركاء إلى اتخاذ موقف واضح من مغربية الصحراء، على غرار ما فعلته سابقا الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وألمانيا، عكس ما أقدمت عليه «فرنسا الماكرونية» التي تعاملت دائما مع المطالب المغربية بمنطق «الاستعلاء» و«إثارة الأزمات» و«رمي الجمار على المغرب»، مثل تلك المؤامرة التي «دبرها» نواب حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البرلمان الأوروبي، فضلا عن «الابتزاز» بالتوجه إلى الجزائر، صانعة البوليساريو وحاميتها.
ليس هذا فحسب، فقد عمل الملك على تقوية شراكاته الاستراتيجية وتنويعها، ومن أبرز تلك الشراكات، الشراكة العسكرية مع واشنطن التي تمتد إلى 2030. حيث مهد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الطريق لهذه الشراكة، إذ تعتبر «مناورات الأسد الإفريقي» إحدى أهم سماتها، وهذا ما اتضح جليا خلال 2023، حيث عاشت الجيوش المشاركة سلسلة من التداريب الحربية البرية والجوية. كما وافقت وزارة الخارجية الأميركية، في أبريل 2023، على بيع أنظمة «هيمارس» الدفاعية الصاروخية للمغرب، مع 40 من أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش و36 من أنظمة إطلاق صواريخ متعددة موجهة و36 رأسا حربيا بديلا لأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة الموجهة (GMLRS) وتسع مركبات متعددة الأغراض وعالية القدرة على التنقل (HMMWV)، في صفقة تصل قيمتها إلى 524.2 مليون دولار، مما سيساعد على تحسين قدرة المملكة على التعامل مع التهديدات الحالية والمستقبلية، في ظل تقلبات جيوسياسية بارزة، وعلى رأسها التحالف بين الجماعات الانفصالية والجماعات الإرهابية بدول الساحل جنوب الصحراء.
لقد أولى الملك محمد السادس، خلال هذه الفترة، اهتماما كبيرا لتحسين قدرات الجيش وتنظيم هياكله وصفوفه، لمواجهة التهديدات الحالية واكتشافها وتعزيز مراقبة حدوده. كما كان تعيين الفريق محمد بريظ، مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية بتاريخ 22 أبريل 2023، خلفا للجنرال الفاروق بلخير، علامة فارقة في المشهد العسكري المغربي الذي تجددت دماؤه في السنوات الأخيرة بشكل مضطرد.
في سياق آخر، حضرت «إمارة المؤمنين» بقوة، خلال هذه الفترة، إذ واصل الملك استخدامها لتكريس الوحدة المذهبية للمغاربة «ترؤس العديد من المناسبات الدينية، الدروس الحسنية، الرسائل الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوات العلمية.. إلخ»، فضلا عن الدفاع عن الوحدة الترابية في المحافل الدولية، وخاصة في إفريقيا التي تعيش نزاعا شرسا بين الإسلام السني والتيارات الشيعية والوهابية. كما حضرت إمارة المؤمنين في الحوار بين الديانات الثلاث، وأيضا في الحوار السني- السني من خلال مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، «ندوة "ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي"/ 8مراكش يوليوز 2023). إضافة إلى حضورها البارز بعدترخيص الحكومة السويدية لإحراق القرآن في ستوكهولم.
بيد أن المغرب سجل، على مستوى آخر، تميزا ساحقا، ويتعلق الأمر بالمستوى الرياضي، بل إن الملك محمد السادس استحق، في الـ 14 من شهر مارس 2023، الفوز بجائزة «التميز الرياضي» برسم سنة 2022، وهي الجائزة التي منحها له الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، نظرا للمجهودات الاستثنائية التي قام بها في سبيل تطوير قطاع الرياضة عامة، وكرة القدم خاصة في المغرب وإفريقيا، بل أيضا لنجاحه الكبير، الذي فاجأ العديد من الدول، بما فيها فرنسا، في إلحاق المغرب، وعلى أعلى مستوى، بملف «الترشيح الثلاثي المشترك» مع الجارتين إسبانيا والبرتغال، لتنظيم كأس العالم 2030.
لقد سجل الملك تميزه خلال هذه السنة بتعبئة كل الإمكانات اللازمة من أجل تكوين الأبطال في مختلف الأصناف الرياضية، ومواكبتهم وتشجيعهم على التميز والنجاح، والسهر على تشييد البنيات التحتية وتوفير التجهيزات الرياضية ذات المعايير العالمية، مما أدى بالرياضة الوطنية إلى تحقيق سلسلة من النجاحات الباهرة، وخاصة خلال سنة 2022 حين أبهر المنتخب المغربي العالم بمستواه العالي، في مونديال قطر، وذلك ببلوغه المربع الذهبي واحتلاله الرتبة الرابعة عالميا.
وإذا كان العديد من المراقبين يعتبر أن هذه السنة هي سنة التميز الرياضي المغربي، فإن الملك محمد السادس، واصل ترؤسه لمجالس الوزراء التي انعقدة خلال هذه الفترة (5 مجالس حكومية)، وذلك حفاظا على السير العادي لنظام الدولة، وإيضا للدفع بالإطار التشريعي الدستوري إلى مداه، وتوجيه العمل الحكومي نحو ما يخدم القضايا الوطنية على مختلف الواجهات والأصعدة.
ولم يفت الملك بوصفه رئيس الدولة، خلال هذه الفترة، الاهتمام بمختلف الفئات الشعبية، وظل وفيا لرؤيته الإنسانية والأخلاقية، حيث قام بالعفو عن 8493 سجينا خلال الأعياد والمناسبات الدينية، كما واصل بعث برقيات التعزية إلى عائلات رجالات الدولة الذين قدموا خدمات جليلة لبلادهم في مختلف القطاعات، الفنية والسياسية والرياضية والإعلامية، وإلى الملوك والرؤساء. وشارك الملك أبناء بلده أفراحهم وانجازاتهم بإرساله لبرقيات التهنئة، وأيضا من خلال الاتصال الهاتفي المباشر.
لقد كانت المرحلة بين بين "يوليوز 2022" و"يوليوز 2023"، سنة كبيرة من النجاحات على جميع الأصعدة، كرسها الحضور القوي للمؤسسة الملكية في الواجهة الديبلوماسية، وأيضا على المستوى الرياضي والسياسي والديني، بل حتى على مستوى إمارة المؤمنين التي لعبت دورا محوريا في الحوار بين الأديان، وفي نشر الإسلام السني المالكي، وفي دحر الزحف الشيعي على مجموعة من البلدان الإفريقية، ويبقى النصر الأكبر هو التقدم الواضح على مستوى تسوية نزاع الصحراء بالتحاق مجموعة من الدول بمقترح الحكم الذاتي كأساس وحيد لتسوية نزاع الصحراء.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"