إذا أسقطنا منتزه القطب المالي البالغة مساحته 18 هكتارا ( Anfa park)، نجد أن كل منتزهات وفضاءات الترفيه الكبرى بالدار البيضاء أنجزت في عهد الاستعمار. مما يبرز حقيقة صادمة تتمثل في أن المغرب "المستقل" لم يغرس ولو "شجرة واحدة" أو يهئ منتزها واحدا !
خذوا نموذج حديقة الجامعة العربية أو مردوخ أو لارميطاج أو فيلودروم أو فلسطين أو حديقة الحيوانات عين السبع...فكلها فضاءات تم إحداثها بين العشرينات والثلاتينيات من القرن العشربن، علما أن سكان الدار البيضاء، في تلك الحقبة الاستعمارية كان يصل بالكاد 350.000 ألف نسمة. ومع ذلك تمت تهيئة المنتزهات الشاسعة بشكل يراعي توزيع أبرز التكتلات العمرانية آنذاك ( لما استقل المغرب كانت الدار البيضاء تأوي حوالي 620 ألف نسمة !).
ليس هذا وحسب، بل إن الشوارع البهية والزاهية بالدارالبيضاء المؤثثة اليوم بالنخيل الباسق وبالأشجار الجميلة، تعود لعهد الاستعمار. أذكر في هذا السياق كأمثلة شوارع: مولاي يوسف، عمر الريفي، الخطابي، هوفوييت بوانيي، الراشيدي، ليدو، فيكتور هيغو، الفكيكي، الجيش الملكي، تم شارع السكتاني قبل أن يتعرض هذا الأخير لأبشع عملية اغتيال الأشجار في ربيع 2023 في إطار صفقة الزفت والتزفيت !).
اليوم والدار البيضاء تتمطط جنوبا وغربا ، شمالا وشرقا، وتعرف انتفاخا ديمغرافيا رهيبا حيث يحشر فيها الملايين من الناس في مساحة ضيقة جدا تقارب 20.000 هكتار( حسب الإحصاء الأخير لمندوبية التخطيط يصل سكان بلدية البيضاء إلى 3.330.000 نسمة)، وبدل أن تكون هذه الدينامية الحضرية معززة بحدائق ومنتزهات ترفيهية في كل مقاطعة من المقاطعات 16 بالمدينة، لتلبية الحق في الترفيه والحق في المساحات الخضراء، ويساهم في تهذيب ذوق المواطن وإضفاء جمالية على المدينة نجد "الشيح والريح" و"الويل الأكحل"، بشكل يولد الانطباع لدى المواطن بأن الاستعمار كان "رحيما" بالمجال الحضري للبيضاء أكثر من الذين دبروا الشأن العام منذ الاستقلال إلى اليوم، تعلق الأمر بالحكومات والبرلمانات المتعاقبة أو بالمجالس الجماعية والجهوية، أو بالإدارات الترابية وإدارات التعمير والوكالة الحضرية !
الصحوة (أو تأنيب الضمير)، التي انتابت السلطات العمومية مؤخرا، المتجلية في تبني خطة مع رصد موارد مالية مهمة لصيانة الحدائق والمنتزهات الموروثة عن المستعمر وإعادة فتحها في وجه المواطنين، تعد خطوة محمودة ومشكورة.
لكن الأجمل هو أن يتم تبني "مخطط مارشال أخضر" بغلاف مالي يقارب 1 أو 1،5 مليار درهم ( مابين 100 و150 مليار سنتيم) ترعاه مؤسسة "محمد السادس لحماية البيئة"( التي تترأسها الأميرة للاحسناء)، لتكون هذه المؤسسة، المشهود لها بالمصداقية وطنيا ودوليا، بمثابة الضمانة والراعية لتنفيذ هذا الورش الأخضر الضخم، خوفا من أن تعبث به يد العابثين بالإدارة وبالجماعة، بمثل ما تم العبث بميزانيات التسيير والاستثمار على مر السنين.
المونطاج المالي ليس بعبعا مخيفا، إذ بقدر ما توفق العقل العام للدولة وأبدع مونطاجا ماليا مهما لتأمين تمويل مخطط تنمية البيضاء للفترة 2015\2021، بغلاف 33،3 مليار درهم( مما مكن من تدارك الخصاص في التنقل بإنجاز ثلاثة خطوط إضافية للترامواي وخطين للباصواي، وأنفاقا وقناطر وتعبيد شوارع كبرى إلخ...)، بإمكان نفس العقل العام للدولة، أن يفلح في إيجاد مونطاج مالي جديد ( بإدماج عدة شركاء مؤسساتيين وإلزام كبار المنعشين أيضا، الذين راكموا ثروات جد فاحشة بسبب استفادتهم من "الهمزات العقارية" خلال 20 سنة وما يزيد)، لتمويل 16 منتزها كبيرا بالبيضاء، بمعدل منتزه واحد لكل مقاطعة في أفق 4 أو خمس سنوات على أبعد تقدير.
وإذا توفرت الإرادة و"الكبدة"، نقترح على صناع القرار البدء بالمناطق التي ليس فيها مشكل العقار وهي:
1. منتزه قناة واد بوسكورة بحي النسيم.
2. مدخل طريق الرباط القديمة ( مقطع مصنع التيد/ مصنع بيرلي).
3. مدخل طريق سادفيل( مقطع حي الأمل/ حي الشباب).
4. مدخل طريق مديونة( مقطع سباتة/ دار التوزاني).
5. مدخل طريق أزمور( مقطع درب الزفت/ الحي الحسني).
6. مدخل طريق السبيت ( مقطع التشارك/ دورة بورنازيل).
7. مدخل طريق زناتة ( مقطع شاطئ النحلة/ حانة لوسيانيك).
8. المركب الإداري لعمالة عين السبع ( بعد تحريره من احتلال العمالة).
9. المركب الإداري لعمالة بنمسيك ( بعد تحريره من احتلال العمالة).
10. مدخل المدينة الجديدة سيدي عثمان ( مقطع شارع جودار/ البطوار الجديد عند تقاطع شارع 10 مارس الممتد).
11. مزيلة ميريكان القديمة بسيدي مومن( مقطع درب الدومة/ البركة).
12. الأرض العارية المحررة اليوم بعد ترحيل كاريان سنطرال، للتنفيس عن سكان ديور الأمان والحي المحمدي ودرب السعد ودرب مولاي الشريف.
ولصناع القرار من حكماء وعقلاء البلد واسع النظر !