تسخير الجزائر لكل إمكانياتها المالية وعائداتها النفطية للتشويش على المغرب في ملف الوحدة الترابية لم يأت عبثا، بل يندرج هذا التسخير في توظيف الجزائر كواجهة يتحكم فيها غربيون (الدولة العميقة بفرنسا بالأساس) ضمن استراتيجية تأزيم الأوضاع ورفع درجات التوتر بالصحراء إغلاقا لكل مساع أممية لتذويب الملف وطيه نهائيا.
وإذا استحضرنا معظم النزاعات الدولية في كل مناطق التوتر في العالم سنجد أن نفس الاستراتيجية يتم تبنيها دائما بنفس التخطيط من طرف الدول الغربية وأذرعها الجمعوية والإعلامية. وأقرب مثال بهذا الخصوص ما جرى بجنوب السودان، إذ تابعنا كيف كان ذلك الإقليم منذ سنوات في بؤرة الضوء، بدءا من الحديث عن إقصائه من مخططات التنموية التي تقرها الخرطوم، ومرورا بالحديث عن تهميش المسيحيين، وانتهاء بتأكيد خروقات الدولة السودانية وحربها الشرسة على حقوق الإنسان. وهو ما استمر الدعاية له إلى حين أن انتصرت فكرة الانفصال، ومضى السودان بشماله وجنوبه إلى الغرق في آثار التقسيم الوخيمة، دون أن توضع الحلول الموضوعية لنهضة السودان بكل أقاليمه. بل إن العقل الانقسامي الدولي لا يزال يفكر في بتر أجزاء أخرى من ذلك البلد، بما فيها التهديد بتقسيم الجنوب ذاته. نفس السيناريو يهيؤه ذلك العقل لمناطق أخرى من المعمور كما في ناكورني كارا باخ، أو في سوريا واليمن وليبيا...
ولإنجاح هذه الاستراتيجية يعتمد العقل الانقسامي على كل الأذرع الممكنة في هذا الاتجاه، بدءا من توظيف الإعلام الدولي الذي يهب إلى تسليط الضوء بكثافة على منطقة ما والنفخ في حالات معزولة أو اختلاقها حتى، أو انخراطا في مشروع التجييش المصوب نحونا، أو بسبب انسياق أعمى مع فكرة تقرير المصير. كما يعتمد هذا العقل على الأجهزة والفرق النيابية المهيأة لهذا الدور داخل محافل الأمم المتحدة وداخل أروقة البرلمانات المحلية بكل دولة أوربية ثم داخل البرلمان الأوربي نفسه التي هي) أي الفرق والمجموعات النيابية ( جاهزة لدعم الانفصال، ولتمزيق الدول و«بهدلة» مقومات السيادة الوطنية).
ويتوازى هذا العمل مع اقتناص عساكر الجزائر وقادة البوليساريو لكل هذه الفرص، حيث يواصلون تحركهم في أوربا تحديدا من أجل خدمة مخطط التقسيم والترويج لأطروحة يكونون هم مجرد أداة لا تخدم المصالح الحقيقية للصحراويين المحتجزين بمخيمات تندوف الكامنة أساسا في فتح المجال للعودة إلى وطنهم المغرب للعيش بكرامة ، ولكن فقط خدمة لأطروحة الفوضى الخلاقة بما يلائم مصالح القوى الغربية الذي تعولم الصراعات الإقليمية، وتجعلها الأنوية المركزية لإعادة امتلاك العالم والتحكم في خيراته واستعباد شعوبه.