السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الهادي مزراري: الانتخابات التركية.. الدروس والعبر

عبد الهادي مزراري: الانتخابات التركية.. الدروس والعبر عبد الهادي مزراري
من السهل أن تكسب معركة يكون فيها الخصم ضعيفا، ولكن النصر  يكون عظيما كلما كان الخصم أو الخصوم أقوياء". وجدتها العبارة الأنسب وأنا أتابع الانتخابات الرئاسية في تركيا، فمنذ أكثر من عام ونيف وخصوم أردوغان يعدون العدة لإساقطه.
لم يتعلق الأمر بمعارضيه في الداخل، وإلا كان الأمر عاديا، ولكن توسعت خارطة خصوم أردوغان لتشمل دولا كبرى بأسرها، لم يعد ساستها يقبلون وجوده في الساحتين الإقليمية والدولية.
قبل التطرق للأسباب التي جعلت خصومه يحاولون التصدي له من الخارج، وهي كثيرة، لا بد أن نعرج على مسيرة الرجل الطويلة في بعض السطور القصيرة.
من مواليد 26 فبراير 1954، انعطف نحو الحياة السياسية في وقت مبكر عندما كانت تركيا ترزح تحت نظام ديكتاتوري بقبعة عسكرية وقفاز علماني يستمد مبادئه من القبر الذي يرقد فيه مصطفى كمال الملقب بأب تركيا "أتا تورك".
بالنسبة لرجب طيب أردوغان، لم يكن يقبل بأن يكون ذاك الأتا تورك أباه، فهو يعرف من يكون والده.
لو سأله أحدهم في السبعينيات من القرن الماضي عندما كان عمره في العشرينات، وطلب منه إن كان يريد أن يكون رئيسا لتركيا، لكان جوابه "أن تخرج تركيا أولا من التخلف والضلال". فهو لم يؤمن يوما بأن بلاده يبدأ تاريخها مع مصطفى كمال، وإنما جذورها التاريخية في هويتها الإسلامية طوال قرون من الزمن، عندما كانت إمبراطورية تمتد على ثلاث قارات (آسيا أوروبا إفريقيا).
بدأ مهمة تغيير الواقع قبل ثلاثة عقود، وبالضبط عندما انتخب رئيسا لبلدية إسطنبول عام 1994، وانطلاقا من قناعاته ذات التوجه الإسلامي، عمل على بناء مجتمع سياسي محلي قدم من خلاله صورة مغايرة للأتارك الذين سئموا الخطابات السياسية العلمانية الملبدة بدخان البارود.
حشد تأييدا قويا رغم صعوبة المشهد العرقي والقومي والإثني في تركيا. وتمكن في عام 2001 من تأسيس حزب العدالة والتنمية الذي من خلاله حصد انتصارات سياسية على التوالي، وكان نائبا لرئيس الوزراء 2003، ثم رئيسا للوزراء 2007، و2011، ورئيسا لتركيا في 2017، والأن رئيسأ مرة أخرى في 2023.
هذه السنوات ليست مجرد أرقام في حياة اردوغان، وإنما هي محطات تطور فيها الرجل وتطورت معه تركيا، من البلد الذي يرزح تحت التخلف والفقر والتبعية إلى دولة برقم معادلة صعب على الصعيد الإقليمي.
نجح أردوغان في نقل تركيا من بلد القادورات إلى بلد القدرات، جهز البلاد ببنيات تحتية متطورة مستشفات، طرق سيارة، جسور، مدن حديثة، مطارات. وأدخل وطنه في نادي الدول المصنعة، كما جهز الجيش التركي في البر والبحر والجو بأسلحة مصنعة محليا أصبحت فخر الصادرات التركية نحو جيوش العالم الأخرى وحققت انتصارات في حروب مسلحة.
في القوة التي كسبتها تركيا في ظل حكم أردوغان، توجد أهم الأسباب التي جعلت خصومه من الخارج يتطلعون لإسقاطه في هذه الانتخابات. حبث اصبحت تركيا تثير قلقا متزايدا للدول خاصة في الغرب.
نجد في المقدمة فرنسا التي فقدت نفودها الاقتصادي في عدد من الدول الإفريقية لصالح الشراكة مع تركيا. كذلك ألمانيا بسبب الدور الطلائعي، الذي أصبح في متناول أنقرة على مستوى التحكم في سوق الطاقة والحبوب والمواد المعدنية منذ اندلاع الحرب الروسبة في أوكرانيا.
فضلا عن ذلك، حسن التموقع في الصراع بين موسكو والعواصم الغربية، حيث حافظت تركيا على علاقات جيدة مع روسيا، وتمكنت من القيام بدور الرابط الآلي في هذه الأزمة التي استفاد منها الاتراك إقليميا ودوليا.
كما عرضت تركيا نفسها للمواجهة من خلال عزمها توسيع حقل الاستكشافات من النفط والغاز في حوض البحر الابيض المتوسط، ودخلت في خلافات مع اليونان التي يقف من خلفها الاتحاد الاوروبي برمته.
لم تسلم تركيا، كذلك بمواقفها المستقلة عن جعل أردوغان في ميدان الرماية حتى من طرف الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعرضت العلاقات بين الجانبين لسلسلة من الأزمات دفعت فيها العملة التركية ثمنا باهضا وصل إلى حد خنق الاقتصاد التركي.
في المقابل، نجحت السياسة الخارجية التركية في لعب دور محوري على الصعيد الإقليمي، وكانت لها الكلمة المسموعة في عدد من النزاعات والخلافات في الحرب بين اذريبجان وارمينا، وفي العلاقات مع إيران ودول الخليج وليبيا، فضلا عن إعادة التطبيع مع السعودية ومصر وسوريا.
كل الخوف الغربي من أن تعود تركيا إلى عهدها القديم، خاصة أن خصوم أردوغان في الغرب يدركون أن الرجل يقود الآلة التنموية في بلاده ويدبر علاقاتها الإقليمية بروح لا تخلو من التاريخ والدين، وهذا عامل كاف لجعله هدفا يجب إسقاطه.
بعد اليأس من المحاولة الانقلابية في غشت 2016، وبعدما تأكد الخصوم في الداخل والخارج أن أردوغان أحكم قبضته على الأمن والاستخبارات، لم يبق من طريق سالك سوى معركة الانتخابات، التي راهنوا كثيرا عليها وشكلوا تحالفا من عدة تيارات يمينية ويسارية وعلمانية وعرقية ومثلية ووضعوها في حقيبة منافسه كمال كيليجدار أوغلو، لكن أنصار أردوغان الذين آمنوا بإصلاحاته وإنجازاته صوتوا لصالحه فانتصر.
وهو يلقي خطاب النصر قال "باي باي كمال"، أكيد لم يكن يقصد كمال كيليجدار وإنما قصد كمال اتا تورك، لقد مرت 100 عام على سقوط إسطنبول.