الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

إشراقات التعاون العسكري والأمني بين المغرب وإفريقيا

إشراقات التعاون العسكري والأمني بين المغرب وإفريقيا دماء الجنود المغاربة ضمن قوات حفظ السلام الأممية، روت عدة بلدان إفريقية
 سعى المغرب، منذ تأسيس القوات المسلحة الملكية، إلى تعزيز مؤسسات التكوين العسكري والتأهيل الدفاع الاحترافي، وتسخير أكاديمياته العسكرية من أجل استقطاب الطلبة الأفارقة، وتمكينهم من المعرفة العسكرية اللازمة، على المستويين الأكاديمي والميداني. 
وإذا كانت القارة الإفريقية تضم، حتى الآن، 118 كلية عسكرية، حيث أنشأت ست دول كليات حرب (ساحل العاج، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال)، وأنشأت أربع دول كليات للقيادة والأركان (بوروندي، ومالاوي، والنيجر، والسنغال)، وثلاثة أنشأت أكاديميات عسكرية (الجابون، وموريتانيا، والصومال)، فإن المغرب ما زال وجهة مفضلة للطلبة العسكريين الأفارقة، بل إن عسكريين مغاربة توجهوا إلى عدد من هذه البلدان لمواكبة إحداث أكاديمياتهم العسكرية الخاصة، لما يتمتعون به من قدرات وخبرات، وأيضا نظرا للسمعة الطيبة التي تتمتع بها الأكاديميات المغربية، وعلى رأسها أكاديمية مكناس. فق دأبت الأكاديميات على استقبال أفواج من الشباب الأفارقة الذين اختاروا بلادنا من أجل رسم مسار عسكري ينتهي بهم إلى مراكز قيادية في جيوش بلدانهم، حيث تخرج من المغرب، وعلى مدار أكثر من 60 سنة، حوالي 3800 ضابط، من أبرزهم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ورئيس أركان القوات المسلحة السينغالية أوغستين تينان،  وقائد الحرس الرئاسي بدولة الكوت ديفوار فوفانا لوسيني، والرئيس السابق للنيجر سالو جيبو، ورئيس المجلس العسكري الغيني موسى داديس كمارا، والرئيس الأسبق لجمهورية بوركينافاصو توماس سانكارا.
ويتلقى هؤلاء الطلبة الأفارقة (ضباط القوات البرية) تكوينا مدته 4 سنوات بالأكاديمية الملكية العسكرية بمدينة مكناس، حيث يمتزج التكوين العسكري بالتكوين الأكاديمي في إحدى التخصصات (العلوم والتقنيات، العلوم القانونية، الأدب الإنجليزي).
ويختتم التكوين الأكاديمي بحصول الضابط على شهادة الإجازة (البكالوريوس)، فضلا عن "رتبة ملازم"، وذلك بعد اجتيازه لاختبارات نظرية وميدانية في الاستراتيجيات والتخطيط وأساليب القيادة..
ولا يقتصر الحضور العسكري المغربي في إفريقيا على استقبال الطلبة الذين يختارون المغرب وجهة للتكوين، بل تجاوز ذلك إلى الحضور المباشر من خلال العمليات الخارجية في حفظ السلام أو عمليات الخارجية المشتركة أخرى.
فعلى مستوى قوات حفظ السلام الأممية، يصل عدد الجنود المغاربة الذين يشاركون في مهام الأمم المتحدة ضمن "القبعات الزرق" إلى أكثر من 1600 جندي، وهو ما يضعهم في المركز 14 بين التشكيلات العسكرية العالمية، والرتبة الثانية في منطقة "مينا" (شمال أفريقيا والشرق الأوسط). ويتركز الحضور المغربي (نصف عدد الجنود المغاربة العاملين في القوات الأممية) في الكونغو، فضلا عن خمس بعثات بدول إفريقية أخرى، إضافة إلى القاعدة اللوجستية للاتحاد الإفريقي بالكاميرون، حيث يراهن المغرب على تحويل السلام إلى قاعدة أساسية في العلاقات بين الدول الأفريقية، خاصة أن الكتيبة المغربية لا تقتصر على المجال الأمني أو العسكري، بل تتجاوز ذلك إلى تقديم المساعدات الإنسانية والطبية للسكان (أكثر من 600 ألف خدمة طبية).
وإذا كانت القارة الإفريقية، وخاصة دول جنوب الصحراء قد تحولت مع بداية الألفية الثالثة إلى محضنة شاسعة للإرهابيين والجماعات الجهادية، فإن المغرب قد أطلق،  بشراكة ناجحة مع القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم)، مناورات "الأسد الإفريقي"  بغاية تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة والساحل والصحراء، وذلك في ظل تصاعد خطر النزاعات المسلحة، فضلا مخاطر الحركات المتطرفة التي تنشط في دول جنوب الصحراء، وخاصة في مالي أو إفريقيا الوسطى أو نيجيريا، مما يعني أن مناورات "الأسد الإفريقي" ذات أهمية قصوى في احتواء التمدد الإرهابي في إفريقيا، وهو ما يعمل علية المغرب من خلال الانخراط في دينامية عسكرية كبرى وفعالة من أجل إسكات البنادق وتعزيز قدرات الجيوش الإفريقية وتحسين قابليتها للتشغيل البيني، من خلال إشراكها في المناورات.
لقد راكم المغرب خبرة كبيرة في المجال العسكري، وله قدرات وخبرة متنوعة في مجال التكوين العسكري، وهو ما أهله إلى إبرام شراكات في مجال التكوين والتأهيل العسكر، وأيضا من خلال الاستجابة الفورية لطلبات المساعدة عسكرية والتنسيق الاستخباراتي. 
ولا يتوقف هذا التعاون عند التكوين العسكري، حيث يستقبل المغرب سنويا متدربين أفارقة لمتابعة تدريبات داخل مؤسسات القوات المسلحة الملكية،  بل يمتد التعاون إلى توفير التكوين لفائدة قوات الشرطة (الإدارة الأمنية والاستخبارات)،  خاصة أن المغرب أصبح رقما صعبا، على المستوى الدولي، في مجال ملاحقة الإرهابيين وتفكيك خلاياهم وإبطال مخططاتهم الإجرامية، مما استحق معه أن يستقيل، في ماي 2022، مسؤولي 85 دولة، فضلا عن مسؤولي منظمات دولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الحلف الأطلسي، تجمع الساحل والصحراء) للمشاركة في أكبر تجمع عالمي مناهض للإرهاب، خاصة في إفريقيا التي حولت أراضي دول الساحل وجنوب الصحراء إلى محاضن طبيعية للإرهبيين، حيث تضم "القارة الإفريقية 6000 مقاتل إرهابي ينتمون إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، 3500 مقاتل منهم يوجدون في غرب إفريقيا".
لقد طور المغرب جهازا أمنيا يتميز بالصلابة والسرعة والنجاعة، من خلال إبرام شراكات متعددة مع الدول الإفريقية المعنية بالإرهاب. حيث تستضيف الرباط، حاليا، المكتب الإقليمي لمراكز الامتياز المعنية بتقليص المخاطر النووية والإشعاعية والبيولوجية والكيميائية لدول الساحل الأطلسي الإفريقي، المسؤول عن تنسيق عمل 9 دول في المنطقة للتعامل مع خطر انتشار أسلحة الدمار الشامل. كما عملت الإدارة الأمنية المغرببة على إطلاق سلسلة دورات تكوينية في مجال مكافحة الإرهاب،  ينظمها مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، ويشرف على تأطيرها خبراء دوليون،  وتستهدف تعزيز قدرات مجموعة من الدول الإفريقية في مكافحة الإرهاب،  مثل  البنين، وبوركينافاسو، وتشاد، ومالي، ونيجيريا، والسنغال.
ويعتبر مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، الذي يوجد مقره بالرباط، الأول من نوعه في افريقيا، حيث يطمح لأن يكون قطبا للتكوين والتدبير وإعادة التأهيل، وبناء القدرات والمساهمة في حفظ السلم والأمن، على المستوى الإفريقي والعالمي. كما يعمل على تطوير وتنفيذ البرامج المعتمدة ،التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تطوير وتعزيز القدرات والمهارات في مجال مكافحة الإرهاب، لاسيما في ما يتعلق بأمن الحدود وإدارتها والتحقيقات والمتابعات وإدارة السجون وفك الارتباط وإعادة التأهيل والإدماج.
إلى جانب كل ذلك، أنشأ المغرب مجموعة التركيز الخاصة بإفريقيا Africa Focus Group بقيادة مشتركة بين المغرب والنيجر وإيطاليا وأميركا، وذلك لإجراء تقييمات مستمرة للتهديدات الإرهابية، وبناء القدرات المدنية للمساعدة في مكافحة الإرهاب، وتنسيق هذه الجهود مع المبادرات القائمة في الميدان.
فمن الواضح، إذن، أن الجهاز الأمني المغربي منشغل بالسلم داخل إفريقيا التي تعاني من جملة ممن التهديدات الإرهابية، في الساحل ودول جنوب الصحراء، وأيضا في صحراء ليبيا والجزائر، مما فرض عليه بناء شراكات من أجل تبادل التقييمات حول التهديدات الإرهابية في إفريقيا؛ والتنسيق والتعاون بشأن دعم القدرات وبحث الطرق الأكثر فعالية وكفاءة في مكافحة داعش والتنظيمات الأخرى، وخاصة على مستوى تبادل المعلومات وإدارة الحدود بشكل استباقي؛ وتطوير مداخل للردع، ثم الوقاية من التطرف العنيف وتفكيك خطاباته.