بدا الرجل على غير عادته غَاضبا مُكفَهرا مُضطَجِراً مُرتبكا بنظرات مِلؤُها الذَّأْذاءةُ كأن الأَمرَ ذَمَأَ عليه فهو المُعلم السَّابق الأَنيق الطَّيب الوَدود المُثقف الخَلوق صَاحب الوِزرَة البَيضاء النَّاصعة الذي كاد أن يكون وزيرا ؛ والمُحامي المتدرب الَفصيح صَاحب الكلام الرَّصين و السِّياسي المُفَوَّه المَرمُوق والبَرلماني الذي لا يُشَق له غُبار المَحمول إلى لائحة الشباب سابقا على الأكتاف عَريساً ، والذي يَعرف جيدا من أين يُؤكل الكَتف بثَمَن بخْس في سُوق حْد لَعْرب غير بعيد على الصخيرات ، بدا لنا في خمسة و عشرين دقيقة من وقت ندوته الصحفية داخل بناية لاماب كأنه لازال ذلك الفتى السياسي الذي يعيش بعيدا عن صالونات الرباط و أروقتها النضالية وزمنها السياسي الذي جعل من الديمقراطية التشاركية و الحق في الوصول للمعلومة كمنهج للعمل، في هذه الندوة بدا الوزير و كأنه ينتمي لبنية سياسية بالية وضعها الخطاب الملكي ل 9 مارس بوضوح خارج السياق .
في لحظات عصيبة كالتي يعيشها جزء من المغاربة المكتوين بنار الغلاء وإرتفاع الأسعار و في ظل عجز الحكومة (حسب تصريحه) على معرفة مكان تواجد المضاربين و المتاجرين بآلام المغاربة وأزماتهم و بالتالي عجزها عن تقديم حلول آنية و ملموسة وتنزيل إجراءاتها القويمة و مع إرتفاع الأسعار و إختفاء قفة جود في ظروف غامضة و بداية حرارة صيفية في نهاية شهر البرد القارس و عوض أن يظهر لنا السيد الناطق الرسمي بخلفيته الخضراء البهية وبوجه بشوش و بنظرات مُـطَمْئِـنَة لِيُبَشرنا مُتَّكئا على الأرقام و الإحصائيات و الدليل القاطع بأن الحكومة عملت و تعمل و ستعمل على إطفاء نيران الغلاء و أن الجيل الأخضر من الخضروات و الفواكه قادم و الإكتفاء الذاتي القومي من الزراعات السيادية مسألة وقت وأن المهرجان الدولي للفلاحة بمكناس قادم هو الآخر بآلاف المستثمرين و الفاعلين في الصناعات الغذائية و الفلاحية ، لكن السيد الوزير المحترم فضل العكس فظهر السيد الناطق الرسمي بإسم حكومة المملكة المغربية متجهما غضوبا بعصبية غريبة ونرفزة واضحة بعدما تكاثرت عليه لَمْطَارق و أصبح في لحظة ضعف غير مفهومة عاجزا عن الإجابة على أسئلة الصحافة التي حاصرته من كل حدب و صوب فالصحفيون هناك ينقلون تساؤلاتنا نحن المواطنين و الناخبين البسطاء الذي صدقوا برنامج مئة يوم مئة مدينة ووعود الحكومة بأننا (نستاهلو أحسن) مجتمعيا و بأن الأسعار ( حسب تصريحه قبل أسابيع ) ستعرف عودة تدريجية إلى حالتها الطبيعية مع بداية العواشر .
السيد الوزير بدت عليه أعراض القلق الوجودي من شيئ ما و بدا مرتبكا و بنرفزة واضحة رفض الإجابة على الأسئلة و فضل إستخدام سطوته ليفرض على نفسه مضطرا السؤال المناسب لأجندته و فضل أن يجيب على سؤال التعديل الحكومي رغم أن مايهمني كمواطن لا إنتماء حزبي لي هو إنخفاض الأسعار و توفر الجودة فالمنتوج و لا يهمني أن يكون الوزير فلان أو فرتلان فكلاهما بالنسبة لي سيان ، فإذا كان السيد الوزير بتعويضاته السمينة و أوانيه الفضية يبدو في حالة قلق فهل تساءل الوزير كيف تكون تعابير وجه المواطن البسيط أمام موجة الغلاء ، ليتحول وجه السيد الوزير و تعبيراته إلى عنوان لعجز الحكومة على وضع حد لهذا النزيف في جيوبنا ، على مايبدو أن السيد الناطق الرسمي بإسم حكومة الكفاءات فشل في بناء علاقة ثقة بينه وبين الصحفيين المداومين على حضور ندوته الأسبوعية التي من الواجب أن تكون لحظة صفاء و توافق و إنصات متبادل لأسئلة ستشكل الإجابات الدقيقة و الصادقة لها بلسما لنا نحن المواطنون و الناخبون في مواجه لهيب الحرائق التي أشعلتها الأسعار في جيوبنا و نستطيع أن ندرك بفرح و بإطمئنان أن حكومتنا بخير و أن الوضع في الأسواق مطمئن و أن إجراءات الوزارات القطاعية المعنية هي فعالة و ناجعة و قادرة على إحتواء الوضع و تذييل الصعاب و أن الصور التي تناقلتها وسائل التواصل الإجتماعي قبل أسابيع لعمليات مراقبة الأسواق و المنتجات ليست موسمية .
بعد إنتخابات 8 شتتبر التي شكلت لحظة فارقة في التاريخ المغربي المعاصر عندما قام المغاربة بإسقاط تجربة الحزب الإسلاموي و أراجيفه و أكاذيبه بكل ديمقراطية و مدنية إلى غير رجعة ، فإِصْطَفَتْ الأغلبية من بين كبار متكلميها و جهابذة منظريها و أصدق مريديها سياسيا شابا لامعا ليتولى وظيفة الناطق الرسمي بإسم الحكومة التي عول عليها المغاربة وكسبت ثقتهم بسبب وعودها الكثيرة و العديدة لتنزيل مضامين الدولة الإجتماعية الحامية ؛السيد الوزير اليوم يتصدر المشهد السياسي و الإعلامي في مهمة من أهم و أعقد المهام السياسية في الحكومة ، حيث كان من المفروض أن يعمل على توضيح سياسات الحكومة والرد على أسئلة وإستفسارات الصحافة و تقديم المعلومات الرسمية والإعلانات والتصريحات الصادرة عن الحكومة، حيث يجب أن تعكس تصريحاته (الهادئة) و(البليغة) آراء الحكومة في المواضيع المختلفة بشكل واضح ودقيق ومنطقي و ذلك من خلال التفاعل الإيحابي مع أسئلة الصحافة ، الناطق الرسمي قطعا عليه التمتع بمهارات تحليلية وإستراتيجية قوية متسلحا بميكانيزمات التواصل الجيدة والقدرة على التفاعل مع وسائل الإعلام المختلفة ، للأسف هذا ما لم نلاحظه طوال عمر هذه الحكومة ربما السيد الناطق الرسمي يواجه بعض الصعوبات في تنفيذ مهامه بنجاح ما سيؤدي به عاجلا أم آجلا إلى فشل ذريع في تحقيق أهداف مهمته الدستورية ، ما ألاحظه أن الناطق الرسمي للحكومة يفتقر لمهارات التواصل اللازمة أو ربما لا يتمتع بالشخصية المناسبة لهذا الدورالإستراتيجي والمهم في الحياة السياسية ، خاصة إن إستمر في هذا المنوال التصادمي فقد يفقد مصداقيته في عين الرأي العام بسبب مشاداته المجانية مع الصحافة و الإعلام، فطبيعي أن يلجأ الصحفي إلى حشرك في الزاوية فهو الآخر يبحث على الخبر و بطبيعة الإنسان داخله يبحث عن مجد مهني أو شخصي و دورك هو تطويع هذا الطموح و كبح جماحه لخدمة المعلومة و قدسيتها في المقام الأول .
في ظل هذه الظروف الإجتماعية و الإقتصادية التي يطبعها اللايقين و حالة من الشك في مجموعة من المسارات التي وضعها البرنامج الحكومي كأهداف له فإن منصب الناطق الرسمي في هذه الحكومة بحاجة إلى " بروفيل " متمكن من أدواته الوظيفية و قادر على إستخدامها ببراعة لمواجهة مجموعة من الموجات العاتية ذات التردد العالي سواء من طرف الأعلام و الصحافة أو المعارضة أو مروجي الفكر العدمي و التيئيسي و تجار الأزمات فكل طرف لديه أسلوبه في ممارسة السياسة وأخطرها سياسة وضع " المطبات " بتبخيس المنجزات و تضليل الحقائق و نشر الأكاذيب و تدليس الوقائع لذا فالمنطق و الطبيعي في هذه المواقف هو أن تتسلح الحكومة بسلاح الحقيقة و تمارس مؤسسة الناطق الرسمي دورها كبارشوك سياسي قادر على إمتصاص الصدمات الإعلامية و تفكيك الأسئلة الصحفية المفخخة وتحويل أي مناسبة للإنتقاص من العمل الحكومي إلى فرصة لتسجيل أهداف سياسية و إظهار العمل النوعي الذي تقوم به الحكومة في جميع القطاعات .
قبل أيام وجه الأمين العام لحزب التقدم و الإشتراكية السيد نبيل بن عبد الله بولايته الرابعة و ديوانه السياسي المنتقى بعناية فائقة رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الحكومة إستعرض فيها العديد من مواقف الحزب أزاء العديد من الملفات التي تشهد نقاشا سياسيا بين الحكومة و باقي الفرقاء السياسيين ، هذه الرسالة من ناحية الشكل هي أسلوب حضاري جميل من الحوار السياسي الهادئ المطلوب في هذه المرحلة بين مختلف الأطراف للبحث عن حلول للإشكالات و التحديات التي تؤرق بال المواطن المغربي ، و بدل أن نجد تفاعلا سياسيا مسؤولا من الطرف الآخر حيث يكون هناك ردة فعل تخلق نوعا من الدينامية في حالة الجمود التي تطبع المشهد السياسي بسبب حالة الصمت الإستراتيجي الذي ترتكن له الحكومة منذ توليها تدبير الشأن اليومي للمغاربة ، و بدل أن يشاهد المغاربة سجالا سياسيا هادئا بين طرفين نقيضين يختلفان في طريقة تدبير الشأن العام في إطار الإختلاف في وجهات النظر الخلاقة والمبدعة و في غياب حكماء و كبار و وجهاء و مثقفي حزب الأحرار إنبثقت من العدم كائنات سياسية قزمية هلامية بدون تكوين سياسي و بدون فهم دقيق لمتطلبات المرحلة لتمارس دور (البهلوان) في منتديات العاصمة و تختزل الممارسة السياسية في " المعاطية " و البوليميك السياسي الفارغ في إستنساخ بئيس و رديئ لتجربة سابقة عاشها المغاربة مع حزب العدالة و التنمية و كتائبه الإلكترونية عندما تمت شيطنة كل شيئ و أي شيئ يقدم رأيه في آداء الحكومة ليتم حشره مع التماسيح و العفاريت ؟!
اليوم الأحرار يسيرون على نفس المنوال تقريبا فمع هؤلاء المتنطعون سياسيا لمواجهة رسالة سياسية عادية دارجة في العرف السياسي و الممارية السياسية الحقة قاموا بإستدعاء خطاب عنيف من العبارات المسيئة لتاريخ الحزب و للناخبين الذين يثقون في الحزب و للمواطنين المغاربة دافعي الضرائب الذي صوتوا على الحزب طواعية ، في الوقت الذي كنا ننتظر جوابا شافيا مانعا صاعقا للرسالة بالحجج و اابراهين و بتعملق سياسي ظهر لنا مجموعة من السياسين المصابين بأمراض سياسية طفولية ليلوثوا المشهد أكثر بتدوينات مركزة من الغباء و الهراء ، فلايعقل أن يستمتع برلماني ب 35 ألف درهم من جيوبنا ليخرج في تدوينة غبية مستنجدا بالرسوم المتحركة و خطاب غارق في العبط المركب و الجهل السياسي البنيوي !! لا يمكن لك أيها البرلماني أن تواجه المغربي المكتوي بالغلاء و التضخم ببوليميك رأسماله حنا ماشي حكومة باطاطا و ماطيشا و نتوما معارضة باطاطا و ماطيشا و أنت أيها تغرق في التعويضات السمينة الممولة من ضرائبه و تغرق الفايسبوك بصورك الإستعراضية أثناء آداءك لمهمتك الإنتدابية و تسميها تواصلا ؛ التواصل الحقيقي هو الإستماع إلى هموم الشارع و تطورات الموقف و البحث على حلول و الإرتقاء بالخطاب السياسي إلى أعلى مستوى فأنت أيها البرلماني ممثل للأمة المغربية العريقة المجيدة بتاريخها الأصيل و هذا للأسف ما لم يستطع إستيعابه هؤلاء بسبب التضخم السياسي و إنتفاخ الأنا المفرط .
هذا الأزمة الشبه سياسية هي اليوم فرصة أمام السياسي كيفما كان تموقعه لإظهار قدراته و مواهبه في إبتداع حلول آنية و فعالة و الحفاظ على شعبيته و حشد دعم شعبي أكثر يشكل له السند أثناء مواجهة الأزمات و تدبير مخاطرها في أن تؤدي إلى أعراض جانبية كتقليص شعبيته و فقدان الثقة في الحكومة والمؤسسات السياسية فتجاوز هذه الأزمة يتطلب إتخاذ منهج تواصلي مستدام و فاعل و ناضج مع الجماهير و تقديم تفسيرات واضحة وشفافة للمواقف والقرارات التي يتخذها السياسي التي تساعده على تعزيز الثقة و دعمه و مساندته على تقديم الحلول و تجاوز المشكلات .
اليوم نحن في لحظة فارقة و أمامنا طريق واحد و وحيد هو توحيد الجبهة الداخلية كما أكد على ذلك توجيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب الدورة الخريفية أمام البرلمان و ذلك لن يتم إلا بالعمل على الإرتقاء بالخطاب السياسي المؤسساتي لإسيتعاب الفراغات و الآراء الشعبوية و تعبئة المجهودات في إطار واحد لخدمة هدف واحد هو النهوض بأوضاع الشعب المغربي و توفير الكرامة و العيش الكريم لأبناءه