الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: تقارير المجلس الأعلى للحسابات ومناعة الفساد

صافي الدين البدالي: تقارير المجلس الأعلى للحسابات ومناعة الفساد صافي الدين البدالي
أصدر هذه الأيام المجلس الأعلى للحسابات عدة مجلدات تدون المخالفات المالية والإدارية التي عرفتها مجموعة من المؤسسات العمومية وشبه العمومية والجماعات الترابية وبعض المكاتب الوطنية والقطاعات الاجتماعية التي استهدفها افتحاص قضاة المجلس الأعلى للحسابات عبر المجالس الجهوية لهذا المجلس.
ويلاحظ أن هناك مجهودات كبيرة تم بذلها من أجل إعداد هذه التقارير والتي تتضمن عددا هائلا من الملاحظات حول ما تم تسجيله من خروقات، ومن اختلالات على مستوى التسيير الإداري والتدبير المالي كيفما كانت خطورة تلك الخروقات أوتلك الاختلالات على المؤسسات والقطاعات المستهدفة بالافتحاص، وكيفما كانت شبهة تبديد المال العام أو شبهة اختلاسه وكيفما كان التلاعب في الصفقات وفي اتباع طرق غير قانونية في صرف ميزانية القطاع.
هي ملاحظات لا تجد طريقها الى القضاء مباشرة بل يتم الاكتفاء بالتوصيات لمرتكبي الجرائم المالية، وهي التوصيات التي لا تلزم إلا صاحبها الذي قد يعتد بها أوقد لا يعتد بها في غياب المساءلة والمحاسبة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
هنا تكمن عملية الإنتقاء في المتابعة من طرف السلطات التنفيذية وتصفية الحسابات السياسية. ونفس الشيء بالنسبة للمخالفات والاختلالات الإدارية والتي تضرب في العمق مبدأ تخليق الحياة العامة التي ينص عليها دستور المملكة لسنة 2011 في فصوله من الفصول 12، 13، 14، 15، و139 حيث خصص لكل الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين آليات من أجل المساهمة في عملية تخليق الحياة العامة. وتبقى تقارير المجلس الأعلى للحسابات تتراكم من قبلها تقارير اللجنة الوطنية للحسابات التي تم احداثها سنة 1960 والتي كان من اختصاصها التأكد من قانونية وشرعية العمليات المضمنة في الحسابات وفي هذا السياق؛ ومنذ إحداث المجلس الأعلى للحسابات سنة 1979 بموجب القانون رقم 79-12،حيث كان مكلفا بتأمين المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية، وهو يسعى الى تعرية واقع قانونية عمليات مداخيل ومصاريف الأجهزة والتي هي من مهامه، أي التأكد من قانونية عمليات مداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لرقابته ومعاقبة عند الاقتضاء كل تقصير احترام القواعد المنظمة لتلك العمليات. في 1996
تم الارتقاء به إلى مستوى مؤسسة دستورية، ونص الباب العاشر منه بأن المجلس الأعلى للحسابات يتولى ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية، لكن ومنذ إحداثه وتقاريره تظل دون فعل ردعي ودون آثار إيجابية على أرض الواقع، لأن مظاهر الفساد ونهب المال العام والفساد الإداري ظلت تتسع وتمتد لتشمل عدة مؤسسات وقطاعات ومكاتب وطنية وصناديق وطنية، حتى أن الرأي العام الوطني أصبح يقلل من جدوى تقارير المجلس الأعلى للحسابات ما دام الفساد يستمر في الانتعاش والتوسع.
إن الاقتصار على عرض التقارير أمام البرلمان أو أمام الرأي العام عبر وسائل الإعلام الرسمية لا يمنع الفساد من تحدي الدولة و المجتمع لأن له أهله الذين لا يعيشون إلا به من أجل الاغتناء غير المشروع، والذين لهم يد في المؤسسات التشريعية والتنفيذية للدولة..