إشهار مجموعة الضحى الذي مررته القناة الثانية في بداية شهر رمضان الجاري يطرح ثلاث ملاحظات صادمة لا ينبغي المرور عليها دون أن تأخذ حظها من التحليل والنظر꞉
1- الملاحظة الأولى، أن هناك تحايلا خطيرا يتعارض مع القواعد المهنية، إذ تم صياغة الإشهار في قالب برنامج ترفيهي بنفس مكوناته (المنشط والضيوف) والإيحاء للمشاهد بأن الأمر يتعلق ببرنامج "رشيد شو" وهو في الحقيقة ليس إلا إشهار الضحى الذي تحايل على البرنامج، وفي ذلك قمة الاستهتار بحقوق المشاهد، وضرب للأسس المهنية، وإخلال بالمقتضيات المتعلقة بمواصفات الإشهار التي تشترط التمييز الواضح وعدم الخلط بين بين الأمرين.
2- الملاحظة الثانية، وتتعلق بإهانة المرأة وتوصيفها بكونها "عقوبة" وعبء ثقيل، وتصويرها كسلعة يراد التخلص منها، هذا ناهيك عن الاستعانة بممثل مشهور لترسيخ هذا التصور المشين الذي يحط من كرامة المرأة ويسيء إلى صورتها.
3- الملاحظة الثالثة، وتتمثل بالاستهزاء بأحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالزواج، إذ ورد في نص الإشهار بالحرف الحديث عن تزويج أربع بنات "أخوات" لرجل واحد، وهو ما يمكن أن يندرج ضمن السخرية بالثوابت الدينية التي يلتزم متعهدو الاتصال السمعي البصري في القانون المنظم وكذا دفاتر التحملات بعدم المس بها في أي مادة من المواد أو وصلة من الوصلات الإشهارية. ناهيك عن اعتبار المرأة سلعة تعرض بالجملة وبالتقسيط، وعبء ينبغي التخلص منه.
المفارقة الكبيرة أن هذه الوصلة الصريحة في إهانة المرأة، والتي لا تقبل أي تأويل، إلى الآن لم تثر الجمعيات الحقوقية والناشطات النسائيات للاحتجاج على هذا الفعل الشنيع، كما أنها لم تؤنب ضمير مسؤولي هذه القناة لتقديم أي اعتذار للمرأة المغربية على هذه الإهانة التي مستها.
قبل أيام مضت، تدخل رئيس الحكومة، وقال كلاما طالب فيه بإعطاء المرأة ربة البيت ما تستحق من العناية بحكم الأدوار التربوية التي تقوم بها، وقامت قائمة بعض الجمعيات الحقوقية والنسائية لمجرد أنهم تأولوا كلامه على أساس أنه دعوة للمرأة إلى الرجوع إلى البيت وترك مقرات العمل، مع ما بين تصريح رئيس الحكومة وبين تأويلات هؤلاء الناشطين من مسافة ضوئية، ومع ذلك نظمت الاحتجاجات ووصلت فيها إلى البرلمان، وشارك فيها بعض المسؤولين عن القناة الثانية الذين صرحوا للرأي العام بأن قضية المرأة هي خط أحمر.
الآن لقد أقدمت القناة الثانية على دهس هذا الخط الأحمر، والوصلة هنا صريحة في الإهانة، لا تحتمل تأويلا يمكن أن يلتمس فيه العذر بفهم من الأفهام، لكن المشكلة أن أحدا إلى الآن لم تحركه الغيرة على المرأة وكرامتها للاحتجاج أو إبداء الاعتراض على القناة الثانية، مما يترك المجال للاستنتاج بأن عدم وجود رد فعل مماثل أو أكثر قوة مما كان على تصريح رئيس الحكومة، يمثل دليلا على أن التعامل مع كرامة المرأة وصورتها لا يأخذ طبيعته المبدئية وإنما تتدخل السياسية وتوظف هذه الورقة في الاتجاه الذي يخدم البعض دون الآخر.
النزاهة والتجرد والحيادية في نصرة قضايا المرأة والدفاع عن كرامتها، يقتضي من الهيئة العليا للسمعي البصري أن تبث في الموضوع من جوانبه المتعددة، والتي تتعلق أولا بالحفاظ على حقوق المستهلك والتمييز بين الإشهار وبين البرامج، ومعاقبة أي محاولة للخلط بينهما بطريق التحايل، وتتعلق ثانية بالمس بكرامة المرأة، والتعرض للثوابت الدينية، كما تتطلب من الجمعيات الحقوقية والنسائية أن تثبت مبدئيتها ومصداقيتها وتنزهها عن التوظيف السياسي في التعامل مع صورة المرأة.
أما بالنسبة للقناة الثانية، فإن ترميم جزء من مصداقيتها المتآكلة يقتضي أن تقدم اعتذارا إلى المرأة والشعب المغربي على هذه الإهانة الحاطة بكرامة المرأة وأحكام الدين، وأن تعتذر أيضا للمشاهد بسبب سوء النية والخلط المتحايل بين برنامج ترفيهي وبين وصلات إشهارية.
بلال التليدي، عن يومية "التجديد" بتاريخ 4 يوليوز2014
(ملحوظة꞉ العنوان من اقتراح هيئة التحرير)