الجمعة 26 إبريل 2024
منبر أنفاس

البراق شادي عبد السلام: معارضة "العشران " ..

البراق شادي عبد السلام: معارضة "العشران " .. البراق شادي عبد السلام
ديزي دروس مغني الراب المغربي أصدر "طراك" و فيديو كليب غنائي بعنوان " مع العشران " به الكثير من الصور الفنية و خلق جدلا سياسيا في ظل نقاش عمومي محدود على الهامش حول الغلاء و إرتفاع أثمنة العديد من المواد القاعدية في قفة المغاربة، أغنية تربعت على عرش الطوندونس المغربي وإحتلت مراتب متقدمة في دول أخرى وصنفت في المرتبة السابعة عالميا كأكثر الاغاني إستماعا في 48  ساعة التي عقبت إصدارها، الطراك الأخير خلق جدلا كبيرا أكبر من الجدل المفترض أن تخلقه مخرجات المجلس الوطني لحزب للتجمع الوطني للأحرار وخطاب السيد رئيس الحكومة و كان وقعه أشد  من عشرات الصور التي نشرتها وسائل الإعلام لخرجات بعض الوزراء والمسؤولين في زيارات تفقدية للأسواق في ظل حالة غلاء الأسعار التي رغم كل التفسيرات العلمية أو الغير علمية التي قدمها المسؤولون ظلت مطالب المواطنين تنحصر في شيئ واحد: نقص الأسعار ومراقبة السوق مما يظهر فشل الفاعل السياسي في خلق قنوات تواصل مضمونة سواء مع الكتلة الناخبة أومع باقي المواطنين، فشل  الفريق الحكومي في خلق الحدث بإنجازات و قرارات ينتظرها المغاربة قبيل رمضان للإطمئنان على قدرتهم الشرائية هو ما عبد الطريق أمام " طراك " بسيط ليكون الحدث الذي عبر عن مطالب المغاربة أمام موجات الغلاء العاتية .
 
بعيدا عن الخطاب العدمي حقيقة هذه الحكومة كانت لها العديد من المبادرات القوية في سبيل تحقيق برنامجها فرغم قوتها (التغطية الصحية - الدعم المباشر لمهنيي النقل - قوانين مهيكلة لقطاع الصحة)  مرت مرور الكرام  بسبب ضعف السياسة التواصلية وعجز  المناضلين الحزبيين من برلمانيين و مستشارين عن التفاعل السياسي مع المواطنين المغاربة بإنتظار الحفلات الإنتخابية والأعراس التنظيمية و اللقاءات المدغمرة !! .
 
إحتفاء جزء كبير من النخبة المغربية بهذا "الطراك " وإعتباره إنجازا نضاليا في وجه الحكومة و رسالة موجهة إلى رئيسها بشكل مباشر دليل على الخواء الفكري والفراغ السياسي الذي تتخبط فيها صالونات الرباط و الدار البيضاء السياسية و فشلها المنهجي في  التواصل الدائم مع قواعدها التنظيمية بغية خلق حركية سياسية  قادرة على إمتصاص غضب المواطنين وإمتعاضهم من سياساتها و برامجها التي أفقرت جيوب المغاربة بسبب عجزها المرحلي عن مواجهة تقلبات السوق الدولية وشجع المضاربين والشناقة في السوق الداخلية مع تواتر مشاكل سياسية متتالية أصبحت تشكك في مصداقية الفعل السياسي ككل .
 
نلاحظ وجود فراغ كبير على مستوى النقاش العمومي وهوة تتمدد كل اليوم بين الكتلة الناخبة التي تجاوزت ملايين الأصوات وراهنت على إسقاط حكومة العدالة والتنمية وتغييرها بأحزاب رفعت شعارات نستاهلو أحسن ونزيدو لقدام وحان وقت الإنصاف والأغلبية الحكومية الصامتة التي توهم المغاربة بأنها تعيش في إنسجام تام وتوافق دائم لتنزيل البرامج الحكومية المختلفة لكن هي في حقيقة الأمر تقف عاجزة عن إنتاج خطاب سياسي يجيب على تساؤلات المغاربة ليلعب دوره في التسويق السياسي لقراراتها ويعبر على تطلعات الشعب المغربي في العيش الكريم، عديدة هي  المواقف التي عاشها المشهد السياسي مؤخرا وأثارت لغطا كبيرا  أثر على شعبية الحكومة وأثار إستياء المغاربة تم تدبيرها قطاعيا بشكل إنفرادي كما بدا لنا ولم نرى أثرا للأغلبية الحكومية المنسجمة ولم نشاهد حكومة تتحمل مسؤوليتها السياسية وتصدرا بلاغات في سياسات تواصلية ممنهجة لتوضيح الأمر بشكل مسؤول مثلا في قضية التلاعب بتذاكر المونديال ومباراة المحاماة وشبهة تضارب المصالح وغلاء الأسعار وملف الأساتذة المتعاقدين ونقط التلاميذ المعلقة .
 
للأسف هذه الملفات تم تدبيرها قطاعيا بشكل فردي دون إظهاره كعمل جماعي لحكومة المملكة المغربية مما يضعف تأثيره السياسي والإجتماعي في غياب أي سلوك تواصلي يحترم المغاربة كمواطنين يكفل لهم الدستور الحق في الوصول إلى المعلومة مثلا في ملف مباراة المحاماة لم نر التضامن الحكومي المطلوب و ترك الوزير عبد اللطيف وهبي وحيدا في مواجهة الإنتقادات كأنه وزير عدل في حكومة أخرى غير الحكومة المغربية، لا أحد من الأغلبية وزراء وبرلمانيين ومناضلين حزبيين كانت له الجرأة أو  القدرة على التعليق أو التفاعل بالإيجاب والسلب مع حدث هو في نهاية المطاف يهم الحكومة الحالية و أغلبيتها .
 
قد يقول أحدهم أن الندوة الأسبوعية للسيد الناطق الرسمي بإسم الحكومة قد تكون بها الكثير من الأجوبة للعديد من الأسئلة!! لكن للأسف تحولت هذه الندوة إلى حصة مملة من التمطيط ومحاولة لعب دور الأستاذية والتعملق الخطابي بشكل بارد وهجين في وقت ننتظر أجوبة لأسئلة حارقة تهم المغاربة ،فمنصة الناطق الرسم مرت منها بروفيلات قوية مخضرمة كانت تضمن عملية تواصل كبير بين المغاربة و قرارات حكومتهم ، اليوم أنظر إلى تلك المنصة كجزء من العطب ومن الأسباب المباشرة لهذا الهروب الجماعي  إلى أغاني الراب لإيصال أصواتنا.
 
واليوم عندما يقوم فنان يلتزم بنمط موسيقي مغاير لما هو مألوف مجتمعيا هو فن الراب غير أنه يعبر عن الذوق الموسيقي لعشرات الملايين من الشباب المغاربة ويعالج قضايا سياسية وإقتصادية و إجتماعية بإصدار " طراك " وفيديو كليب به الكثير من الإبداع والرسائل والأسئلة التي يطرحها المغربي البسيط وتشكل مبحثا فكريا روتينيا لدى فئة الشباب مغاربة يتم طرح السؤال العدمي الجاهز لكل زمان و مكان: أين النخبة؟ أين السياسيين ؟! أين هو دور الإعلام؟ أين هي الطبقة المثقفة؟ لماذا يتم تهريب هذا النقاش من الصالونات السياسية المكيفة إلى ساحات اليوتوب؟ فأصحاب ربطات العنق الأنيقة هم من عليهم طرح هذه المواضيع وهم المخول لهم بحكم الأعراف أن يتدبروا هذا النقاش، حتى عندما يتفاعل مثقف أو إعلامي أو صحفي أو متابع أو مواطن مع هذا 
" الطراك " على إعتبار الرسائل السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية التي عالجها بكثير من الجرأة المفقودة عن بعض الأقلام الجافة المرتجفة يتم التهجم عليه وإتهامه بالركمجة على الشعبوية .
 
في ظل إستقالة المثقف الطوعية عن طرح الأسئلة الحقيقية المزعجة و غرق بعض أشباه المعارضين في صراعات شخصية أو هرمونية وضياع آخرين في طريق اللاعودة داخل رحلة مجنونة لمطاردة أحلام وهمية دونكيشوتية قد تصل إلى الخيانة وإبتذال آخرين لنقاش شعبوي بسيط مطاردين لملايين الأدسنس ومداخيل الإشهارات وطغيان خطاب البوليميك و"شدلي نقطع ليك مع المسؤول " ومحاولة تفريغ مكبوتات سياسيوية و إنتخابوية ضيقة بإستخدام آلام وآمال المواطنين المغاربة والركون للخطاب العدمي التيئيسي في ظل عجز الأغلبية الحكومية ومنظريها عن إنتاج خطاب سياسي يلامس المغاربة وتساؤلاتهم ، فطبيعي أن نستقبل الكليب بالكثير من الفرح وطبيعي أن يؤسس الكليب لنمط جديد من التعبير عنوانه " معارضة العشران " لكن قد يكون غير متحكم في نتائجه وتداعياته وإتجاهاته و ولائاته ويسهل إختراقه وتوجيهه خمة لأجندات معينة .
 
وهنا نطرح السؤال أين هي الأصوات والتدوينات والمقالات والملفات الصحفية التي كانت تنتقد بنكيران والعثماني بشكل دائم، عندما كانت تطرح الإشكاليات السياسية والإجتماعية ويتم بحث الحلول بشكل جماعي في ظل نقاش صحي تضمنه الضوابط الدستورية في كل زمان ومكان ؟ اليوم توقف جزء كبير منا عن الكلام والإستفهام وعن إثارة الأسئلة، عدد منا يكتوي بغلاء الأسعار وعدد منا لا يتفق مع آداء بعض الوزراء والعديد منا لا يتفق مع الحكومة وأغلبيتها؟ عدد منا لديه ملاحظات عن سير بعض المرافق والمجالس المنتخبة !؟ لماذا هذا الصمت المريب ؟! لماذا الصحفي صامت ؟ لماذا الإعلامي ساكت؟ لماذا الأقلام جافة؟ لماذا المثقف إستقال عن دوره في تنوير الرأي العام ؟ أين هم صناع الرأي والمحللون والمنظرون في كل شيئ و أي شيئ ؟!
وهنا لا أتكلم على فئة إعلام الفراقشية و مصففي الاخبار الإلكترونية ومصوري التدشينات والأقلام الجافة المرتحفة وأصحاب الاصوات المبحوحة و الأغبياء والبؤساء ففاقد الشيئ لا يعطيه وجودهم كعدمهم لا فرق !!!.
 
في ظل هذا الفراغ لا يمكن أن تترك الساحة لمروجي الخطاب الشعبوي وتجار الأزمات والحالمون بالتموقع والمتنطعون برؤوسهم وأقلامهم البالية، يجب أن يتحمل الفاعل السياسي والحزبي مسؤوليته، شبيبات الأحزاب الأغلبية مدعوة للدفاع عن سياسات الحكومة و تفسيرها " بالخوشيبات " للشباب لأن هذا هو دورها الأساسي و لهذا هي وجدت يجب أن تشكل الجسر الآمن بين الشباب والفاعل السياسي وتكون قناة حوارية مستدامة مع الفاعل الحزبي والمواطنين، فالسياسة لا يمكن إختزالها في صور جماعية تذكارية أو صور سيلفي مع الزعيم وحضور ندوات ولقاءات وبوفيهات لقضاء مصالح شخصية ذاتية، السياسة هي "تقطاع السباط " مع ولاد الشعب في كل زمان ومكان وليس  مجرد حفل إنتخابي ينتهي بفتح صناديق الإقتراع و ظهور النتائج و الغرق في ريع المجالس " مع العشران "!!