الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: السعودية..الترفيه بين ثقافي وسياسي

إدريس الأندلسي: السعودية..الترفيه بين ثقافي وسياسي إدريس الأندلسي
من الطرب إلى جمال الصورة ثم إلى سمو الثقافة حملت كل الجسور تعبيرات فنية من حرام إلى مستحب ومقبول فغير محرم وعنوان لاختيار كان إلى أمس قريب تحكمه "هيئات الـ" نهي عن المنكر". تم تكليف المستشار تركي آل الشيخ بمجال كبير يتجاوز تأثيره كل القطاعات. الترفيه على الشعب السعودي أصبح سياسة عمومية تمت مرافقتها بانفتاح ثقافي وفكري وكسر لكل الأقفال التي أحكم إغلاقها في عهد مضى. الأصداء تشير أن شباب السعودية انتظر منذ زمن طويل لحظة الترفيه في بلده بدل السفر بعيدا.
الغناء الطربي والسينما وكل أنواع التعبير أصبحت حاضرة بقوة الإرادة السياسية في المملكة العربية السعودية. الأمر أكبر من مجرد تظاهرات فنية تفتح الأبواب على الأزياء العالمية العصرية جدا وأشكال التعبير الغربية وكل آلياتها المنفتحة كثيرا.
الأمر كما قال أحد المدعوين، للحفل الكبير ليوم السبت، "يعبر عن تغيير كبير". كثيرات هن الجميلات والأنيقات من بيروت والقاهرة ومن بلاد أوروبا اللواتي أثتن هذا الحفل. ظهرت بعضهن بصدور منتفخة تجاوزت مقاييس الفساتين.
وكانت الكاميرات تبين حرية المخرج في الاختيار. خلال فترة استقبال نجوم حفل الرياض الكبير كانت أسئلة "الصحافيات والصحافيين" للنجوم والنجمات تتركز على اختيار من يصفف الشعر ومن يتقن فن الماكياج ومن يقوم بتصميم الأزياء الشفافة. لغة الصحافيات خفيفة ظريفة ويصاحبها ظهور فنانين من مصر ولبنان وقليلا من شخصيات المغرب الكبير. إطلالة حكيمي أضفت نكهة رياضية أعطتها الصحافيات لمسة إعجاب بالكرة المستديرة كفن ملهم لعاشقين كثر أعجبهم تكريم "مرضي أمه" وصاحب السرعة الفائقة خلال الهجوم المرتد. الأسئلة غابت عنها أعماق الثقافة وظهرت مقاييس أخرى للتميز خارج التعبير الفني الثقافي ذو الانتماء إلى عهد الخلق والإبداع. رحم الله يوسف وهبي ونجيب الريحاني ومبدعين في زمن قيل أنه جميل. وتمنياتنا أن يشمل الترفيه تعبيرات ثقافية أخرى وعميقة ومن المؤكد أن المستحيل ممكن في ظل ديناميكية القرار حاليا.
تابعت الحدث الفني على "م ب س 5". ويظهر أن الاحتفال الذي انطلق قبل الحفل ركز على تقديم نجوم ونجمات بطريقة مهنية. عشرات الكاميرات والمقدمات تفاعلن مع وصول من تم وصفهن بالنجمات. التركيز على مجاملات نجوم ونجمات يظهر أنه جزء من خط تحريري. الجميل هو أن الصحافيات والفنانين يرددن بعض الأدعية لنجاح فيلم أو مسلسل أو أغنية مع التركيز على لون فستان وجمال خاتم وسوار وعقود تزين "صدور الغيد". المهم هو أن تكون الإطلالة جميلة.
الصور جميلة وتدفع بكل من عايش فترات تاريخ منطقة الخليج وخصوصا في المملكة العربية السعودية إلى الكثير من الاندهاش. الأمر يحتاج إلى الكثير من التفكير السياسي. منذ 2011 تغيرت العلاقات ودخل الموضوع الثقافي وحتى الإيديولوجي في سجل الاختيارات التي تصنع مقاييس الرضا المرتبط بتغيير مناهج التربية والتعليم لحجم ودك حصون الحركات الإسلاموية. بسرعة مدهشة تراجعت هيمنة الوهابية في المملكة العربية السعودية واختفى أولئك الذين كانوا يثيرون الرعب في شوارع جدة والرياض حين يرفع الآذان للصلاة.
وكثير من زوار جدة من غير المسلمين جربوا همجية عصابات الأمر بالمعروف. كانوا يحملون العصي واعتدوا حتى عائلات ديبلوماسيين وبعض زوار هذه المدينة دافعوا عن نفسهم بطريقة حربية وبطولية أمام همجية بدائية. ويظل سؤال دوام هذا الوضع مشروعا بكل المقاييس في ظل انتكاسات عرفتها دول من المنطقة.
المملكة العربية السعودية عاشت عقودا من التقييد على الحريات الشخصية المرتبطة باختيار نمط عيش وتعبير. وأدى هذا الوضع إلى ظهور سلوكيات لمواجهة شرطة دينية أنهكت المواطنين ورفعت درجة رفضها ثقافيا واجتماعيا. من حق المواطن أن يعيش حياته دون وصاية على حركاته وسكناته وحتى على أحلامه.
سألت بعض المقيمين بالسعودية عن التحولات الحالية فأكدوا لي أن غالبية الأسر السعودية بدأت تحب العيش في البلاد بدل السفر إلى الخارج للإفلات من رقابة على الفكر والسلوك والهندام. أما الحريات السياسية فذاك موضوع آخر يخضع لعوامل أخرى في كافة بلدان المنطقة العربية.
أعرف كثيرا من مثقفي ومواطني المملكة العربية السعودية وأعرف أن مستوى التفكير لديهم عال ومنفتح. كثير منهم يناصر المنهج الجديد الذي أرسى دعائمه ولي العهد محمد بن سلمان. هذا المنهج متعدد الأبعاد. وستظهر نتائجه قريبا على الصعيد الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي. حفل كبير للتميز في التمثيل والإخراج والغناء بالرياض لا يمكن أن تتم قراءته خارج التحولات التي يعرفها البلد الأكبر في الخليج. المهم هو أن ينصب التحليل على ربط الثقافي بالسياسي وبالعلاقات الدولية في تعقيداتها وطبيعة مصالح القوى العظمى وخصوصا حين يتعلق الأمر بالقدرة على اتخاذ القرار الوطني.
ما إجمالي الحرية في وطن حر وما أجمل التعبير عن الاختلاف بدون مساحيق التجميل ولا عبارات بلاغية ولكن بفعل في تغيير الواقع. التعبير الحر لا يمكن أن يحضر دون صحافة حرة. التعبير الحر، أي الذي يمتلك أدوات النقد، هو ذلك الذي يجتهد لتحصين الوطن عبر تغيير نظرة المواطن إلى واقعه. الحرية ليست شعارا ولكنها أسلوب في الحياة. كثيرا من الظواهر السلبية تتخفى خلف انعدام الحرية ويتمنى أصحابها أن يظل الأمر على ما هو عليه. الحرية تتطلب جرعة كبيرة من المسؤولية حتى تصبح سلوكا ومثالا يتبعه الكثيرون. مشكلتنا في ضعف قدرتنا على مواجهتنا للنفاق الذي طالت سيطرته على الأفعال والعقول وحان الوقت لمواجهته بكل الوسائل. الحرية تطلب من الجميع أن لا يحتفلوا بها عبر مهرجانات ولكن أن يدخلوها إلى المحاكم والمدارس والوزارات والمستشفيات والأسر والأسواق. لكل هذا وجب الاحتفال في كافة العواصم بكثير من الوعي بأهمية التغيير وبإصرار على تصعيد المواطن إلى درجة فاعل. مرحبا بكل مشروع يرفه عن مواطن يكاد يخفي حقده على وطن لا يهديه في أعياده إلى تمنيات بزيادة قدرته على الصبر. الترفيه من حق الجميع كما هي حقوق الإنسان في كافة المجالات.