الاثنين 20 مايو 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: تحريض وكراهية ميشال ويلبيك ضد مسلمي فرنسا أمام القضاء

 
 
يوسف لهلالي: تحريض وكراهية ميشال ويلبيك ضد مسلمي فرنسا أمام القضاء يوسف لهلالي
رفعت الأسبوع الماضي دعوى قضائية ضد الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك بتهمة "التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف"، حسب اتحاد مساجد فرنسا الذي يترأسه محمد موسوي وهو من أصول مغربية. ورفعت الدعوى ضد الكاتب المعروف بالعنصرية ومعادات الإسلام والمسلمين. وأيضا ضد مدير مجلة "فرون بوبيلير" (الجبهة الشعبية) ستيفان سيمون وضد مؤسس المجلة الفيلسوف ميشال أونفراي، وترافع في هذا الملف لصالح اتحاد مساجد فرنسا المحامية نجوى الحايت بمحكمة نانتير.
وخلفية هذه الشكوى هي التصريحات المعادية للإسلام وللمسلمين والتي قام بها الكاتب، وهي تصريحات مباشرة تعبر عن راي يحرض ضد المسلمين بفرنسا وضد ديانتهم. وذلك في تقليد دأب عليه ميشيل ويلبيك في رواياته التي يستعمل فيها الإسلام والمسلمين بشكل جد سلبي. ولقت اعماله تجاوبا ونجاحا كبيرا لدى الراي العام الفرنسي والاوربي في أجواء العمليات التفجيرات التي شهدتها اوروبا في السنوات الأخيرة.
لكن التصريحات الأخيرة لم تكن رواية ولا عمل ابداعي بل تصريحات عنصرية مباشرة عبر فيها ويلبيك عن كل كراهيته وخوفه من وجود مواطنين فرنسيين من أصول مسلمة بفرنسا. وهذا الموضوع، الإسلام والمسلمين الذي يشكل الأصل التجاري المفضل والناجح الذي تمكن به هذا الكاتب ان يمر من كاتب نكرة وغير معروف في السوق الادبي بفرنسا الى كاتب ناجخ وجريء. وفي تصريحه وكعادته خلط وبشكل مقصود بين الإسلام والاسلاموية، وبين كل المسلمين وبين المنظمات الإرهابية وذلك عن قصد. في مقابلة مطولة مع أونفراي ونشرت في مجلة "فرون بوبيلير.
وفي ذات المقابلة عبر هذا الكاتب المعادي للمسلمين، الى ان هؤلاء المسلمين يهددون أمن الفرنسيين غير المسلمين.
وصرح ميشال ويلبيك في نفس المقابلة وباسم كل الفرنسيين، لا أحد يعرف من أعطاه هذا الحق، عن «رغبة الفرنسيين الأصليين، كما يقال، ليست في أن يندمج المسلمون، بل أن يتوقفوا عن سرقتهم ومهاجمتهم. وإلا فهناك حل آخر، أن يغادروا".
هذا النوع من التصريحات، لم يعد يدلي بها حتى قادة اليمين المتطرف الفرنسي الكلاسيكي مثل التجمع الوطني وزعيمته مارين لوبين، باستثناء السياسي من أصول جزائرية، ايريك زمور الذي اختار مسارا أكثر ردايكالية من لوبين.
وأضاف ميشيل ويلبيك، في نوع من التحريض والدعوة الى العنف ضد مسلمي فرنسا من خلال القول انه يتوقع وقوع "باتاكلان معاكس" في حق مسلمين، في إشارة إلى الهجمات الجهادية في 13 نوفمبر 2015 وهي الأسوأ في تاريخ فرنسا وخلفت 130 قتيلا وأكثر من 350 جريحا واستهدفت خصوصا مسرح باتاكلان في باريس.
لا أحد يعرف سر هذه التوقعات من كاتب معروف بكراهيته للمسلمين، فهذا التوقع هو ربما دعوة منه بشكل غير مباشر الى الانتقام من المسلمين وطلبه من المتطرفين ان يقوموا بانتقام ضد المسلمين، والقيان بعملية إرهابية مثل التي راح ضحيتها عشرات الأبرياء بباريس.
لا احد ينسى ان مرتكب مذبحة مجزرة كرايتس تشيرتش ضد مسجد بنيوزيلاندا، السفاح الأسترالي برينتون تارانت لم يتردد في الكتابة عن تأثره بنظرية الاستبدال الكبير للفرنسي رونو كامي دون ان يحدث للكاتب أي شيء، ولو مجرد استدعاء بسيط من طرف القضاء رغم ان عدد الضحايا المسلمين تجاوز 49 ضحية.
بل انه بعد مجزرة كرايتس تشيرتش ضد المسلمين صرح منظر العنصرية بفرنسا رونو كامي ان من قام بهذا العمل هو مختل ولا علاقة له بأفكاره، رغم ان منفذ العملية ترك رسالة يتحدث فيها عن نظرية الاستبدال وتأثره بها.
وأمام هذه الفضيحة، والدعوة الغير المباشرة الى الإرهاب ضد المسلمين بفرنسا، اقر ميشيل ويلبيك ان بعض الفقرات في المقابلة تتسم ب «الغموض"، وهو غموض مكشوف، لان الكاتب، في السابق كان يقول نفس الكلام لكن من خلال شخصيات روائية، وهو ما كان يوفر له حماية قانونية، باسم الابداع. لكن هذه المرة، كل تصريحاته التحريضية على الكراهية وحتى على الانتقام لم يقلها على لسان شخصيات في روايته بل في مقابلة صحفية، عبر فيها بشكل مباشر عن كل الحقد والكراهية ضد المسلمين وتعمد الخلط بين الأغلبية المسلمة والعناصر التي قامت بأعمال إرهابية.
امام هذه الورطة، وهذه التصريحات العنصرية التي تدعو الى الكراهية بشكل صريح ومباشر تحدث عن نسخة معدلة جديدة من تصريحاته الأولية التي ينتظر أن تنشر في كتاب.
هذه التعديلات الطفيفة اعتبرها مسجد باريس وهو مؤسسة تمولها الجزائر، كافية لعدم تقديم الشكوى التي تحدث عنها سابقا، ضد ميشيل ويلبيك واعتبر ان التعديلات التي وعد بها الكاتب هي كافية لإزالة صبغة التحريض والكراهية عن تصريحاته.
وهو الامر الذي لا يتفق معه اتحاد مساجد فرنسا، وحسب رئيسه محمد موسوي فإن "مسلمي فرنسا لا يفهمون أن ويلبيك يدرك من ناحية أن الفقرات المعنية غامضة ومن ناحية أخرى لا يتخذ أي إجراء لوقف نشرها".
وأضاف محمد موسوي أن "اقتراحه باستبدالها في شكل كتاب مقبل لا يضع حدا لنشرها ولا يحمي المسلمين من تداعياتها". بمعنى ان التعديلات التي وعد بها الكاتب هي فقط لتجنب المثول امام القضاء، في حين ان النص الأصلي الذي صدر بمجلة فرون بوبيلير تم نشره وإذاعته وهو الذي يتضمن التحريض على الكراهية ضد المسلمين بفرنسا.
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية هو الاخر الذي أجرى يوم الأحد 8 يناير جلسة عامة والذي يتولى موسوي رئاسته المشتركة المؤقتة، عزمه على رفع شكوى ضد ميشال ويلبيك.
تبقى تصريحات هذا الكاتب التي تحرض على الكراهية والعنف ضد المسلمين بفرنسا تعكس تجدر خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين ليس فقط في الأوساط الشعبية كما كان في السابق وفي أوساط اليمين المتطرف بل ان عددا من الكتاب والمثقفين دخلوا أيضا هذه الموجة والتي أصبحت جد مربحة على مستوى المبيعات، حيث ان التطرق لهذه المواضيع وإعلان كراهية المسلمين تمكنك من تحقيق مبيعات خيالية وهو ما تحققه كتب ميشيل ويلبيك وكتب أريك زمور.
فرنسا وطبقتها السياسية وذاكرتها الجماعية لها مشكل تاريخي مع الإسلام والسكان المنحدرين من هذه البلدان والمهاجرين اليوم الذين أصبح جزء كبير منهم فرنسيا، ولفهم ما يحدث اليوم بفرنسا في تعاملها مع الإسلام بصفة عامة يجب العودة الى كتابة العديد من المؤرخين الفرنسيين مثل بسكال بلانشارد لفهم هذه الاشكالية، التي يقول انه " لا بد من العودة بالفرنسيين الى مرحلة الحرب الصليبية وتكون مخيالهم الجمعي وكذلك الى الحرب الكولونيالية بالبلدان ذات الثقافة او الديانة الإسلامية ."