الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

البراق شادي عبد السلام: مكافحة الشغب الرياضي إختيار مجتمعي ..

البراق شادي عبد السلام: مكافحة الشغب الرياضي إختيار مجتمعي .. البراق شادي عبد السلام
الشغب الرياضي والعنف في داخل الملاعب الرياضية وخارجها أصبح ظاهرة مرتبطة بكرة القدم و واقعا مجتمعيا من المفروض على جميع  المتدخلين وأصحاب المصلحة التعامل معه كنتيجة مباشرة لتفشي ظواهر مجتمعية أخرى مرتبطة به بشكل مباشر أو غير مباشر  في ظل غياب ضوابط و أعراف تؤطر الفعل الفرجوي الإحتفالي وتحصنه من الإنزلاقات والتطرف وليس بالضرورة التعامل مع ظاهرة العنف كنتيجة من نتائج مباراة كرة قدم وتحويله لحتمية كروية فقط، فقد تحول إلى ظاهرة عابرة للحدود  تعاني منها أغلب المنافسات الكروية والرياضية وتشهدها أغلب الملاعب الرياضية وتؤرق بال أعتى الأجهزة الامنية لتداعياتها الخطيرة على السلم المجتمعي والأمن العمومي، إذ أن الملاحظ في منافسات كرة القدم العالمية بالسنوات العشرة الأخيرة سجلت إنتشار وتفشي ظاهرة العنف وأعمال الشغب والإنفلاتات الأمنية التي حولت ملاعب كرة القدم إلى حلبات مفتوحة للمناوشات والمواجهات المسلحة الخطيرة بين جمعيات أنصار النوادي وحتى بين الفرق في بعض الأحيان داخل الملعب أو خارجه قد تؤدي إلى نتائج  وخيمة تنتهي في غالب الأحيان بخسائر بشرية و مادية و تدمير وتخريب البنيات التحتية الرياضية والممتلكات العامة والخاصة والمساس بالأمن العمومي  والنظام العام.

ظاهرة الشغب والعنف الرياضي في الملاعب الرياضية يجب التعامل معها وفق مقاربة مجتمعية شاملة يشكل  الجانب الأمني والقانوني عمودها الفقري تستهدف التنزيل الحقيقي والمستعجل لكل مقتضيات القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة والنصوص التنظيمية المرتبطة به وكذا الإلتزام بالخطوط التوجيهية العريضة التي وضعتها الرسالة الملكية السامية الموجهة للمناظرة الوطنية للرياضة 2008  بإعتبارها خارطة الطريق الوحيدة  للنهوض بالقطاع الرياضي في المغرب،  فمن الناحية الزجرية لا مناص من التفعيل الصارم للعقوبات الواردة في نص القانون 09.09 المتعلق بتتميم مجموعة القانون الجنائي في العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها وبشكل خاص ومستعجل تفعيل البند المتعلق بإحداث لجان محلية لمكافحة العنف في الملاعب و الذي ستكون له نتائج إيجابية مباشرة وناجعة في ردع كل من سولت له نفسه التعدي على الأمن العمومي للمغاربة و ذلك بإشراك الفاعل المحلي بشكل أكثر وتحميله المسؤولية إلى جانب مؤسسات الدولة وباقي الفاعلين لكي لا يلعب دور المتفرج والمنتقد فقط وهو المستفيد من العائد الإقتصادي و أموال الدعم من دافعي الضرائب.

المتتبع لتاريخ العنف الرياضي المرتبط بالأحداث الرياضية المؤلمة التي عرفتها ملاعب كرة القدم يجد أنها تطورت بشكل ملحوظ و أصبحت ظاهرة عالمية تعيشها مختلف الملاعب العالمية في مختلف دول المعمور ولم تعد مقتصرة على قارة معينة أو دوري بصفته أو مباريات  في إطار مسابقات خاصة، بل أصبحت في بعض الأحيان نمطا يتخذه البعض البؤساء كطريقة لتشجيع ودعم فريقه أو ناديه كنوع من إبراز القوة التي قد تؤثر على قرارات الحكام أو تموقع الفريق.

هذه الممارسات للأسف أصبحت تشكل خطرا على حياة المشجعين والمناصرين السلميين وكل شخص يتحلى بالأخلاق الرياضية الرفيعة، فطريقة التعبير عن الغضب أو الفرح او الإحتفال الغير المتحكم فيه و التي تغيب عنها ضوابط معينة قد تؤدي لسلوكات همجية تتطور إلى أحداث دموية نتيجتها تكون خسائر في الأرواح تؤثر على الشكل الرياضي الترفيهي للمنافسات ويؤثر على مردوديتها الإقتصادية.

فقد أصبحت ظاهرة الشغب الرياضي تشكل مبحثا هاما لمراكز التفكير ومراصد التحليل وومختبرات الدراسات وخبراء التحليل وتأخذ حيزا هاما في إهتمامات مختلف دول العالم  وسياساتها المستقبلية،خاصة وأن هذه الظاهرة مرتبطة بمختلف العلوم التي تشكل منطلقا لتحليل آثارها ومسبباتها وتقديم الحلول الناجعة والأساليب القمينة لمحاصرتها وضبطها والحد من إنتشارها والقضاء عليها بشكل نهائي كعلم الإجتماع وعلم النفس وعلم الإجرام والعلوم القانونية بشكل عام ومباحث تحليل الصراع وتدبير الأزمات.

أغلب هذه الدراسات خلصت إلى مجموعة من  الآليات والميكانيزمات والأساليب الحديثة والعديد من المقاربات سواء المقاربة الأمنية أو المقاربات الإجتماعية المتعددة الأطراف لمعالجة هذه الظاهرة من خلال إستحضار الفواعل المؤثرة في تناميها و إنسجام مسبباتها و ذلك بإتخاذ مسارين متقاطعين في آن واحد:

-أولا: تنمية الوعي و الرياضي  للجمهور من خلال تظافر جهود المؤسسات العلمية والتعليمية والتربوية والإعلامية بالإضافة إلى إنخراط  الأندية الرياضية و باقي مكونات المجتمع المدني في هذه المجهودات للحد من إنتشار عنف الملاعب بإعتباره يؤثر بشكل كبير على المشاريع و البرامج المسطرة للنهوض بكرة القدم والرياضة بشكل عام.

-ثانيا: التنسيق بين مختلف المؤسسات المتدخلة في تدبير هذا القطاع وإدارة الأحداث الرياضية بتشبيك جهود مؤسسات إنفاذ القانون، وتفعيل وتحصين دور القضاء، بإشراف سياسي كامل للوزارة الوصية على القطاع ودعم السلطات الترابية لأداء أكثر فعالية لدورها وتحميل جزء هام من المسؤولية للأندية الرياضية بإعتبارها فاعلا أساسيا في الموضوع، و تأطير تربوي و أكاديمي أكثر للألترات وجمعيات الأنصار وتطوير آداء الإعلام الرياضي ليكون اكثر مهنية وإحترافية بعيدا عن لغة الإسترزاق و ترقية طريقة إشتغال الصفحات الرياضية على مواقع التواصل الإجتماعي وإحتضانها، كل هذه الجهود ستكون بهدف واحد قد يؤدي بشكل تلقائي إلى إحتواء هذه الظاهرة والحد من إنتشارها وإعادة البريق لمنافسات كرة القدم كمكان للفرجة و الأعراف الرياضية النبيلة.

فالمشاهد الأسطورية التي شاهدنها في مختلف المدن المغربية بعد كل إنتصار للجماهير الشعبية المغربية بالملايين وأمواج المد البشري التي خرجت بشكل تلقائي لتعبر عن فرحتها بإنجازات أسود الأطلس إبان مونديال قطر هي الصورة الحقيقية للإنسان المغربي المؤمن بقيم تمغربيت الوسطية الجميلة الأنيقة الضاربة جذورها في عمق التاريخ الحضاري فالشعب المغربي عبر التاريخ الممتد لثلاثة و ثلاثين قرنا لم يكن يوما همجيا يحمل معاول الهدم والتدمير بل كان ولازال شعبا طيب الأعراق يحمل رسالة التنوير والإيمان والبناء والتاريخ الإنساني به الكثير من الشواهد والآثار الدالة  على رقي ونبل وعلو كعب مكانة الإنسان المنتمي إلى هذه البقعة المقدسة من الخارطة العالمية؛ لذا فمقاطع الفيديو التي وثقت أفعال وتصرفات المجرمين والبلطجية والحياحة المتقمصين لدور الجماهير الرياضية يخربون الممتلكات العامة والخاصة ويقومون بالسرقة و قطع الطريق وتخريب الممتلكات والإعتداء على المواطنين هي مشاهد لا علاقة لها لا من قريب أو بعيد بتقاليد وأعراف الشعب المغربي العظيم؛ اليوم المملكة المغربية الشريفة تمتلك فرصة ذهبية و لحظة تاريخية متميزة للنهوض بالرياضة المغربية تتمثل في العناية المولوية السامية الدائمة  بالرياضة وبشكل خاص كرة القدم كرياضة جماهيرية كما أن توفر إرادة سياسية مسؤولة ومندمجة لدى الفاعل المؤسساتي على مستوى الوزارة الوصية فقطاع الرياضة اليوم تحت الإشراف المباشر للسيد شكيب بنموسى رئيس لجنة صياغة النموذج التنموي سابقا و بالتالي فهو يمتلك رؤية متجددة ومبتكرة لتطوير القطاع الرياضي وتفعيل دور الشباب في المجتمع وفي هذا السياق بإمكانك صديقي القارئ مراجعة المشروع  الرائد والمرجعي الذي تضمنه تقرير النموذج التنموي الجديد  برنامج (كاب - شباب) الذي يهدف لتعزيز قدرات وفرص تنمية الشباب المغربي من خلال إطلاق برنامج وطني يغطي الاحتياجات الثقافية والفنية والرياضية وكذا متطلبات الإدماج  السوسيو-إقتصادي ومساعدة الشباب في وضعية هشاشة و الذي لا زلنا ننتظر تنزيله على أرض الواقع  في أقرب الآجال،  كما أن تواجد السيد فوزي لقجع  كشخصية كروية محترمة بوزن عالمي على رأس الجامعة الملكية لكرة القدم والذي أظهر إرادة قوية لتنزيل الرؤية الملكية المتبصرة للنهوض بكرة القدم ورغبة صلبة للمضي قدما في مسار التغيير المنشود بدهاليز الجامعة الملكية لكرة القدم و إمتداداتها الوطنية خاصة بعد مواقفه الصارمة والصادقة ردا على فضيحة تذاكر مباريات المنتخب المغربي كما أن الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي في مونديال قطر 2022 يعطي أملا كبيرا وإرادة قوية للجميع في ترسيخ أوتاد المدرسة الكروية المغربية ببعدها القاري والعالمي.
 
في مقابل هذه الصفحات المشرقة والواعدة للمسار الرياضي المغربي بأبعاده الترفيهية والفرجوية والتنموية نجد ممارسات و أفعال إجرامية مشينة يقودها مجموعة من المارقين سواء بشكل نخبوي  عن طريق بيع تذاكر الجماهير المغربية في السوق السوداء بقطر وإستفزازها أو عن طريق أعمال شغب وبلطجة عرفتها شوارع تطوان والمحمدية يوم الثامن من يناير 2023، لكن الأكيد أن التجربة الكروية المغربية الرائدة كباقي إنجازات المغرب في ميادين أخرى ستكون مستهدفة من طرف خفافيش الظلام وتجار الازمات ومروجي الفكر التيئيسي والعدمي وأصحاب العواطف الخبيثة من أجل الإضرار بصورة المغرب كبلد للتسامح والأمن الآمان بغية التأثير على كل تطور محتمل للقوة الناعمة الصاعدة التي تشكلها كرة القدم المغربية لترويج أمثل لصورة المغرب سياحيا و دوليا وبالتالي فمكافحة الشغب الرياضي أصبح ضرورة مجتمعية آنية ومستعجلة لإنقاذ التجربة الكروية المغربية وسمعتها الدولية المتصاعدة والتي آثارت إعحاب مختلف الفاعلين الرياضيبن وخاصة الصناديق الإستثمارية الرياضية الكبرى  لذا فالخطاب الشعبوي المتهالك ومحاولة اللعب على وتر الأزمة الإقتصادية وغلاء الأسعار في تدوينات مسمومة لتفسير  ما وقع وما قد يقع لا قدر الله من تخريب وتدمير لممتلكات الدولة والمواطنين على أنه رد فعل على  الكبت التراكمي الذي يخلفه عمل مؤسسات إنفاذ القانون اليومية لمواجهة الجريمة بكل أنواعها لتثبيت قواعد الأمن الجماعي هي تبريرات واهية لجرائم إرتكبها شرذمة من المجرمين والبلطجية لا علاقة لهم بالرياضة أو الرياضيين مكانهم الطبيعي بعد الجرائم التي إرتكبوها إن ثبت تورطهم هو تطبيق المساطر القانونية الكفيلة بردعهم  وفق مقاربة مجتمعية شاملة ومندمجة .