الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

من أجل يقظة ثقافية.. لقحوا الشباب بأغاني تَامَغْرَبِيتْ التي جمدت في رفوف الأرشيف

من أجل يقظة ثقافية.. لقحوا الشباب بأغاني تَامَغْرَبِيتْ التي جمدت في رفوف الأرشيف لوحات فنية توثق للفن والتراث المغربي من عمل الفنان حسن الزرهوني

يرى أغلب الدارسين والباحثين إلى جانب شيخات وشيوخ العيطة العبدية بأن نص عيطة "خَرْبُوشَةْ" يعتبر من أجمل وأرقى ما أنتجت العيطة الحصباوية (العبدية) ، على اعتبار أن النص/ الملحمة المستمد من تراثنا الأصيل والعريق، يحكي في سياقه التاريخي، قصة امرأة (ضمير قبيلة أَوْلَادْ زَايْدْ) امرأة جريئة ومتمردة، أبت الظّلم، وانتفضت ضد القمع والاستبداد نهاية القرن التاسع عشر، وهي "الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزّيْدِيَةْ" التي انتصرت لقبيلتها بأولاد زيد، ووقفت ندا للند، في وجه القائد عيسى بن عمر البحتري، في زمان كان يصعب على المرأة أن تصرخ وتواجه وتتمرد على سلطة الرجل/ الزوج فبالأحرى أن تنتفض بسلاح "فن القول" ضد القائد عيسى بن عمر لاستنهاض ههم الرجال.

 

جزء من عيطة "خَرْبُوشَةْ":

 

"خَرْبُوشَةْ زَرْوَالَةْ وَالَكْرَيْدَةْ وَالْحَمْرَا

أَنْتَ غَدَرْتِ ألَغْدَرْ عَيْبْ عْلَى رَبِّي

الزْمَانْ يْلُوحْ أَهْيَاوِينْ

أَمْـﯕْوَانِي الَفْرَاقْ صْعِيبْ أَسِيدِي

مْوَالْفَاكْ أَقَيْدِي عَلَّامِي

أَنْتَ الْعَلَّامْ مْوَالْفَاكْ أَقَايْدِي

الْفَاسْ وْحَلْ فِي الرَّاسْ

وَيْلِي حَرُّو فَايْتْ عَلِيَّا

رَاهْ فَعْلَكْ مَا يَسْوَاشْ

وَ لَمْعَاشِي سِيدِي سْعِيدْ مُولْ الزِّيتُونَةْ

وَ لَغْلِيمِي سِيدِي أَحْمَدْ الْعَطْفَةْ يَا بَنْ عُبَّادْ

خْرَجْتْ بْلَادِي خْرَجْتْ حْجُوبَةْ

رَاهْ جْوَالِي مَكْتُوبَةْ

وَيَا نِيحَةْ وَيَا نِيحَةْ

الجُّولَةْ وَ التّْلَاوِيحَةْ

و الجُّولَةْ قَاسْحَةْ عْلِيكْ

الَعْبَادِي صَّايْلَةْ عْلِيكْ زَّايْدَةْ وَالِدِيكْ

عْلَى دِيكْ الْحَصْبَةْ زِينَةْ السْمِيَةْ

رَاهْ الْعَيْطَةْ ثَمْرِيَةْ

أَمِّيمْتِي عْلَى دُوكْ النَّخْلَاتْ لَمْجَرْدَاتْ

أَمِّيمْتِي عْلَى اسْيَادِي لَمْعَاشَاتْ"

السؤال الذي ينتصب في زمن تراجع الإبداع على مستوى كتابة النصوص الغنائية سواء العصرية أو الشعبية التي تمتح من واقعنا الاجتماعي الحالي، لماذا لا يعمل المبدعون المغاربة على صناعة نصوص مستلهمة من فن العيطة؟ هل يعجز الكتاب من شعراء وزجالين عن ذلك أم أن هناك أجهزة رسمية تعطل وتفرمل مثل هذا الإبداع ولا تشجع الأعمال الجادة ذات الصلة؟ ألا تستحق نصوص العيطة عملية تجديد على مستوى إعادة الكتابة (استلهام واقتباس) والتلحين والغناء؟

 

لقد سبق أن استلهم الكاتب والفنان المبدع محمد الباتولي، خلال بداية الثمانينات، نصا غنائيا جميلا من قصة "عَيْطَةْ خَرْبُوشَةْ"، أبدع فيه أجمل الصور الشعرية التي تنبض بأحاسيس إنسانية ومواقف بطولية دونتها صفحات التاريخ (أيام السيبة) ضد الظلم و القهر والاستبداد مقابل الانتصار لكل ما هو جميل في الحياة.

 

يعتبر نص قطعة "خَرْبُوشَةْ" حسب أهل الكتابة والفن والإبداع، من أجمل وأرقى القطع الغنائية التي متحت من أوراق الظاهرة القايدية، والتي صاغها الفنان والكاتب محمد الباتولي بحس أدبي راق مزج فيه بين الواقع والخيال والأسطورة، نص غنائي بسبك جميل، قام بتلحينه الفنان سعيد الإمام، والذي أدته بصوتها الرخيم الفنانة المقتدرة حياة الإدريسي أطال الله في عمرها. لكن الغريب في الأمر أن هذه الأغنية التراثية الجميلة تم طمسها وإقباراها، بل لا يعرفها معظم الناس وخصوصا شباب الجيل الحالي، مما يتعين معه إطلاقها مجددا من أجل مقارنة الإبداع في جنس الكتابة الشعرية الغنائية.

 

من نص "خربوشة" الذي أبدعه الكاتب والفنان محمد الباتولي:

 

"أَيَّامْ السِّيبَةْ وُغَابَرْ السّْنِينْ / نَرْوِي حْكَايَةْ مَا رْوَاهَا مْدَادْ

حْكَايَةْ غْزَالْ تَفْتَنْ بِالزِّينْ / سُبْحَانْ مَنْ صَوَّرْهَا خَالَقْ لَعْبَادْ

سَالَفْ دْالَهْبَالْ يَشْبَهْ الِّليلْ / سِيفْ مَسْلُولْ فِيدْ جَلَّادْ

عْشَقْهَا رَاجَلْ كَانْ لِيهْ بَالْ / فَالْحَوْزْ كَانْ قَايَدْ الْقِيَّادْ

 

قْسَمْ بِالْقَسَمْ وُالْيَمِينْ / تْكُونْ لُو خْلِيلَةْ مَا تْرُدْ كْلَامْ

مْشَى الرَّقَّاصْ رْجَعْ فِالْحِينْ / خَرْبُوشَةْ يَا الْقَايَدْ رَفْضَتْ الَحْكَامْ

عْطَى أَمْرُو وُعْلِيهْ مَا تَّلَاوْ / خَرْجُوا الَمْخَازْنِيَةْ جْرَاوْ

 

جَابُوا خَرْبُوشَةْ وُجَاوْ / رْمَاوْهَا مَسْكِينَةْ بِينْ يِدِّيهْ

وِيلُو الشِّيخَةْ مَا رْضَاتْ بِيهْ / بْغَاهَا تْمُوتْ قُدَّامْ عَيِنِيهْ

 

بْنَاوْ الْحَوْشْ وُصَلْبُوهَا / عَطْشَتْ جَاعَتْ بْلَا قْيَاسْ

بْقَاتْ فِالنَّاسْ مَا قَرْبُوهَا / سَطْوَةْ الْقَايَدْ خَوْفَتْ النَّاسْ

رْسَلْ عْوَانُو جَاوْ يْنَصْحُوهَا / حَلْفَتْ هِيَ مَا تَحْنِي الرَّاسْ

رَاضْيَةْ بِالْمُوتْ غِيرْ خَلِّيوْهَا / وُسَعْدَاتْ اَلِّلي مَاتْ عَلْ الإِخَلَاصْ

 

صْفَارْ الُّلونْ وُالْعودْ يْبَانْ / وُنَاحْ الَغْرَابْ لِلسْمَا وُنْدَبْ

دَخْلَاتْهَا الْمُوتْ وُبْقَاتْ فِلْعَسَّاسْ / شْفَقْ مَنْ حَالْهَا عْطَاهَا تَشْرُبْ

وُبْصَوْتْ ضْعِيفْ خَافْ مَنْ النَّاسْ/ وُالرُّوحْ طَالْعَةْ تْلَاقِي الرَّبْ

قَالَتْ لُو نْوَصِّيكْ بالله يَا عَسَّاسْ/ ﯕُولْ الْقَايَدْ بَزَّافْ عْلِيكْ الْحُبْ"

 

لا علاقة لـ "خَرْبُوشَةْ" التي غنت سكينة فصحي بـ "خَرْبُوشَةْ" الأصلية:

 

من المعلوم أن الفنانة سكينة فحصي قد أدت بدورها في السنوات الأخيرة، قطعة غنائية جديدة تحمل اسم "خَرْبُوشَةْ"، والتي كُتِبَ نصّها الغنائي من أجل جينيريك فيلم يحمل نفس العنوان، بعد توثيقها سابقا بصوت الشيخة خَدِيجَةْ مَرْكُومْ، حيث قام بتلحينها الشيخ بُوشْعَيْبْ الجْدِيدِي وفق تصريحه الأخير، إلا أن هذا النص الجديد يعتبر في نظر المهتمين بحقل الكتابة والفن والإبداع في مجال الغناء بأنه نظم جديد لا علاقة له بـ "عَيْطَةْ خَرْبُوشَةْ" الأصلية التي تؤرخ لصراع قبيلة أولاد زيد مع القائد عيسى بن عمر البحتري:

 

كلمات قطعة "خربوشة" التي غنتها سكينة فحصي:

 

"وَ خَّايْتْ عْلِيكْ آ لِيَّامْ

وَ لِيَّامْ آ لِيَّامْ، أَيَّامْ الْقَهْرَةْ وَالظْلَامْ

وَ فِينَكْ آ عْوِيسَةْ؟ فِينْ الشَّانْ وَالْمَرْشَانْ؟

شْحَالْ غَيَّرْتِي مَنْ عْبَادْ؟

شْحَالْ صَفِّيتِي مَنْ سْيَادْ؟

بْلَا شَفْقَةْ وُبْلَا تَخْمَامْ

 

حْرَگتِي الْغَلَّةْ وُسْبِيتِي لَكْسِيبَةْ

وُصْگتِي النْسَا كِيفْ النْعَامْ 

يَتَّمْتِي الصَّبْيَانْ بِالْعُرَّامْ

وَيْلِي

 

كِي الشِّيخْ، كِي الْعَبْدْ، كِي الَمْقَدَّمْ

گاعْ مَنَّكْ طَالْبِينْ التَسْلِيمْ

وَ فِينَكْ آ عْوِيسَةْ؟ فِينْ الشَّانْ وَالْمَرْشَانْ؟

وَايْلِي

 

تْعَدِّيتِي وُخَسَّرْتِي لَخْوَاطَرْ

ظَنِّيتِي الَقْيَادَةْ لِلدْوَامْ

وَالجِّيَدْ مَا بْقَا لُو شَانْ

وَ الرَّعْوَانِي زِيَّدْتِيهْ الْگدَّامْ

سِيرْ آ عِيسَةْ بَنْ عُمَرْ

يَا وَكَّالْ الجِّيفَةْ

يَا قَتَّالْ خُوتُوا يَا مْحَلَّلْ لَحْرَامْ

وَايْلِي

 

وَ لَبَاسْ وَ لَبَاسْ وَ لَبَاسْ

هَاكْ الدَّقْ بْلَا قُرْطَاسْ

آ السَّعْدِيَةْ طَلْبِي بُوكْ عْلِيَّ

إِلَا اوْتِيتْ يْسَامَحْ لِيَّ

 

وَاخَّا قْتَلْنِي وَاخَّا خَلَّانِي

مَا نْدُوزْ بْلَادِي رَانِي زَيْدِيَّةْ

 

عْلَى كَلْمَةْ خْرَجْتْ لَبْلَادْ

وُاخْرَجْتْ لَحْكَامْ

لَا سْلَامَةْ لِيكْ ألِيَّامْ

هَذَا وَعْدِي وَأَنَا نْصَرْفُو حَتَّى يَعْفُو سِيدِي

 

هَا هُوَ يَا سِيدِي أحْمَدْ

هَا هُوَ يَا حَرْشْ لَعْيُونْ

هَا هُوَ يَا سِيدِي إدْرِيسْ

هَا هُوَ يَا ذْهَبْ لَكْوِيسْ

هَا هُوَ يَا سِيدِي أحْمَدْ لَهْوَى يَا ذَاكْ الشْرِيفْ

نْسَالَكْ بِالَمْعَاشِي سِيدِي سْعِيدْ مُولْ الزِّيتُونَةْ

وَ الرَّتْنَانِي سِيدِي حْسِينْ جَا بِينْ الْوِيدَانْ

وَ لَغْلِيمِي سِيدِي أحْمَدْ الْعَطْفَةْ يَا بَنْ عُبَّادْ

و الْقَدْمِيرِي سِيدِي عْمُرْ مُولَى حَمْرِيَّةْ

وَ التِّيجَانِي سِيدِي أحْمَدْ مُولْ الْوَظٍيفَةْ"

 

افسحوا المجال لأهل الكتابة والفن والإبداع

 

ما أحوجنا اليوم لبرامج ثقافية تراثية تمتح من ينبوع تامغربيت، تجعل من مواضيع نصوص فن العيطة وقصصها الخالدة أغراض للكتابة الشعرية الغنائية، وفسح المجال للمختصين من كتاب وشعراء وزجالين ومبدعين وفنانين حقيقيين للتنافس في إبداع نصوص جديدة مستلهمة ومقتبسة من مختلف أنماط فن العيطة المغربية، نظرا للتراجع الخطير الذي تعرف ساحة الغناء على جميع المستويات وتسلل أشباه الفنانين عبر شاشة التلفزة واقتحامهم بيوت الناس دون إذن مسبق، بفوضى وزعيق وضجيج يصفق له الجاثمون على صدر الإبداع.

 

رجاء كفى من الإبتذال والسفاهة في مجال يعتبر من دعامات تامغربيت على مستوى النهوض بالموروث الثقافي الشعبي وتحصينه من الشوائب. لقحونا بأغاني الزمن الجميل التي عشعشت فيها العنكبوت في رفوف الأرشيف.