الخميس 18 إبريل 2024
اقتصاد

اقتصاديات الصحافة الإلكترونية: الواقع والنموذج

اقتصاديات الصحافة الإلكترونية: الواقع والنموذج نفقات الصحافة الإلكترونية، تكلفة حماية موقع الويب الخاص بالمؤسسة الإعلامية
كشفت دراسة  مرتكزات النموذج الاقتصادي للصحافة الإلكترونية العربية.
وحسب الدراسة التي سبق أن أنجزها مركز الجزيرة للدراسات، فإن الدلائل المستمدة من التجارب الإعلامية العالمية والعربية، تشير إلى صعوبة استمرار الإعلام التقليدي في ظل "هروب" جماهيره إلى الإعلام الجديد؛ حيث يتوفر المحتوى الإعلامي مجانًا عبر مواقع الويب والتطبيقات المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي. هذا الأمر ينطبق على الصحافة العربية التي أُجبرت على التواجد عبر الويب ومن ثم تقليص نفقات إنتاج نسخها الورقية والتحوُّل التدريجي نحو تبني اقتصاديات الصحافة الإلكترونية التي تعتبر حتى الآن أقل ربحية من الصحافة الورقية بحكم كون المعلن، الذي هو مصدر رئيس لمداخيل الصحافة الورقية، تتوفر له خيارات أكثر فعالية وأقل تكلفة من ذي قبل. 

وتؤكد الدراسة التي أنجزها محمد الأمين موسى، الأستاذ بجامعة قطر، إلى أن النموذج الاقتصادي للصحافة الإلكترونية، يرتكز -مثلها مثل بقية المشاريع الاقتصادية- على النفقات الضرورية لإطلاق المشروع وتسييره، والمداخيل التي قد تغطي هذه النفقات وتفيض محققة الربح. وهناك ارتباط وثيق بين حجم النفقات ونوعيتها من جهة، وتحقيق المداخيل من جهة أخرى. هذه العلاقة ليست طردية أو عكسية بسيطة، بل علاقة معقدة تكون أحيانًا طردية وأحيانًا أخرى عكسية وفقًا للظروف والمتغيرات التي تواكب عملية إطلاق المشروع أو تواكب تسييره في الأوقات الطبيعية أو أوقات الأزمات.

كما أن الصحافة الإلكترونية استفادت من التسارع التكنولوجي الذي جعل الأجهزة المستخدمة في إنتاج المحتوى الإعلامي أجهزة شعبية يسهل امتلاكها من لدن عامة الناس، بينما كانت الأجهزة المستخدمة في إنتاج المحتوى الإعلامي التقليدي أجهزة مختصة باهظة الثمن (كالماسحات الضوئية والكاميرات الاحترافية والحواسيب وأجهزة فرز الألوان). فالصحافي الإلكتروني جاء في عصر يستطيع فيه أن ينتج محتوى إعلاميًّا باستخدام هاتفه النقال الشخصي (يجري مقابلات ويُرسل رسائل إلكترونية ويكتب نصوصًا ويلتقط صورًا ثابتة ويسجل مقاطع فيديو ومقاطع صوتية ويقوم بتحرير كافة الوسائط التواصلية) دون أن يكلف المؤسسة الإعلامية أي مبالغ إضافية تتعلق بتخصيص أجهزة أو تهيئة مكان العمل أو بالتنقل عبر الأمكنة. ولا شك في أن الصحافة التقليدية كذلك استفادت من هذه البيئة المهنية التي توفرت للصحافة الإلكترونية. 

وبحكم أن الصحافة الإلكترونية تعتمد اعتمادًا كبيرًا على شبكة الإنترنت -التي تُشكِّل عصب الحياة المعاصرة- فإن نفقاتها تنسجم مع نفقات كافة السلع والخدمات التي تعتمد على الإنترنت وعنوانها الرئيس: رخص الثمن والتكلفة التواصلية (النقل والاستنساخ والتحميل والتنزيل) التي تكاد تقترب من الصفر مقارنة بعصر ما قبل الإنترنت. 

وتشتمل نفقات الصحافة الإلكترونية على تكلفة العنصر البشري الذي يضطلع بمهام إعداد المحتوى وتقديم الدعم التقني واللوجستي اللازم، والتجهيزات التقنية الضرورية لإنجاز العمل في كافة مراحله؛ وتكلفة حماية موقع الويب وعمليات الدفع الإلكتروني؛ وتكلفة الحصول على بعض مكونات المحتوى الإعلامي؛ وتكلفة المقر وتجهيزاته المكتبية، ويمكن تفصيلها في النقاط التالية:

- تعتمد الصحافة الإلكترونية على مفهوم الصحفي الشامل (الذي يبحث عن البيانات والمعلومات ويكتب النصوص ويحررها ويلتقط الصور ويسجل مقاطع الفيديو) الذي يُغني عن العديد من الوظائف، وهذا يؤدي إلى تقليص تكلفة العنصر البشري سواء تعلق الأمر بإعداد المحتوى أو الدعم اللوجستي أو الفني.

- تستطيع الصحافة الإلكترونية أن تحصل على نسبة كبيرة من المحتوى الإعلامي المجاني من الصحفيين المواطنين وشبكات التواصل الاجتماعي التي هي منصات لحرية التعبير أكثر منها منصات لتقديم المحتوى الاحترافي مدفوع الثمن. لذا، غالبًا ما تحتاج الصحافة الإلكترونية إلى عدد قليل من مُعدي المحتوى الذين يعملون بدوام كامل.

- تستغني الصحافة الإلكترونية عن بعض العناصر البشرية كالسائقين والعاملين في مجال الأرشيف والمكتبات، وتكتفي بالحد الأدنى من موظفي الحسابات والموارد البشرية والمشتريات، باعتبار أن البيئة الرقمية تقدم حلولًا برمجية تغني عن بعض الموظفين التقليديين في هذه المجالات.

- تحتاج الصحافة الإلكترونية إلى تجهيزات تقنية محدودة (عدد قليل من الحواسيب المستخدمة في تصميم الويب، وأجهزة خاصة بشبكة الإنترانت أو الإنترنت)؛ بالإضافة إلى برمجيات متنوعة في مجال التصميم ومعالجة الوسائط التواصلية المختلفة (الصورة والرسم المعلوماتي والصوت والفيديو). بعض هذه البرمجيات احترافي يتم الحصول عليه عبر الشراء أو الاستئجار، والبعض الآخر مجاني تُقدِّمه المصادر المفتوحة.

- من أهم نفقات الصحافة الإلكترونية، تكلفة حماية موقع الويب الخاص بالمؤسسة الإعلامية وحساباتها الأخرى البريدية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي. تتطلب هذه الحماية شراء برمجيات احترافية في مجال الحماية مع توفير مختصين في حماية الشبكات توكل إليهم مهام حماية الموقع من الهجمات التي يتعرض لها باستمرار، أو الاستعانة بشركات كبرى مختصة في حماية المواقع عبر اتفاقيات مالية طويلة الأجل. وهذه الحماية ضرورية قبل البدء في التجارة الإلكترونية التي تتم بين المؤسسة الإعلامية ومستهلك المحتوى الإعلامي، أو بينها وبين المعلنين أو شركات الإعلان.

- وتدفع الصحافة الإلكترونية لبعض الجهات التي توفر المحتوى الإعلامي المتخصص أو المميز كوكالات الأنباء والمواقع المختصة في توفير الصور الفوتوغرافية ذات الجودة العالية (مثل Shutterstoc). بالإضافة إلى الدفع مقابل الحصول على بعض المواد الإعلامية الحصرية التي ينتجها الصحفيون المواطنون وغيرهم من الهواة.

- ومن بين النفقات الثابتة، تكلفة مقر الصحيفة الإلكترونية وتجهيزاته المكتبية، علمًا بأنها غالبًا ما تكون أقل بكثير مقارنة بمقر الصحيفة الورقية وتجهيزاته.