السبت 23 نوفمبر 2024
فن وثقافة

من ذاكرة المنجرة: المهدي في خدمة القضية الوطنية بأمريكا (ح. 5)

من ذاكرة المنجرة: المهدي في خدمة القضية الوطنية بأمريكا (ح. 5)

برحيل عالم المستقبليات المهدي المنجرة (13 مارس 1933 - 13 يونيو 2014) رحل عنا مفكر عربي معاصر من طينة نادرة. رجل أجمع الكثيرون على أنه وطني صادق ونزيه. رجل مواقف ومبادئ، مثقف شجاع. لا يركن إلى المهادنة وتنميق الخطاب. علامة من علامات الثقافة والفكر في العالم. خبير متخصص في علم المستقبليات(وضع تصورات مستقبلية على شكل إمكانات وطرق واضحة للمسيرة البشرية في الحياة). اشتهر المرحوم المهدي المنجرة بجمعه وربطه بين العلم والثقافة، وإعطائهما المكانة التي يفترض أن يساهما من خلالهما في تطوير أسلوب العيش اليومي، وإبداع مشاريع لتنمية الشعوب. كما تميز بأن كانت كتبه الأكثر مبيعا في فرنسا ما بين سنة 1980 و1990.

"أنفاس بريس" تفتح صفحات من حياة المرحوم المهدي المنجرة، وتروي مقتطفات من سيرته، حسب أجوبته على أسئلة خاصة بجلسات حوار أجراه معه الكاتب المسرحي محمد بهجاجي والشاعر حسن نجمي لفائدة يومية "الاتحاد الاشتراكي"، وقد تمَّ تجميع هذا الحوار في كتاب صدرت طبعته الأولى سنة 1997 بعنوان "المهدي المنجرة (مَسَاُر فِكـْر)".

 

الحلقة الخامسة:

كانت ظروف إقامة المهدي المنجرة بأمريكا، قد جعلته في عمق العمل الوطني من أجل القضية المغربية وقضايا المغرب العربي والعالم بشكل عام. في سنة 1951 التحقت عائلة السي محمد الغزاوي بعائلة المهدي حيث يوجد بيتها على بعد مائة كيلومتر من نيويورك. هذان البيتان كانا عند نهاية كل أسبوع ملتقى لممثلي مختلف الدول لدى هيئة الأمم المتحدة، وقد احتضن هذا الملتقى في تلك الفترة مسؤولي حركة التحرير التونسية ومن بينهم السي الباهي الأدغم. أما مكتب الحركة الوطنية المغربية فقد افتتح بواشنطن من طرف الدكتور المهدي بنعبود سنة 1951، وقد التحق به المرحومان عبد الرحمن بنعبد العالي وعبد الرحمان أنكاي والمهدي بنونة الذين افتتحوا في سنة 1952 مكتب نيويورك. كان المهدي قد أدرك أن مكتب واشنطن افتتح في نفس السنة التي عرفت نشوب أزمة خطيرة بين جلالة الملك محمد الخامس والمقيم العام الجنرال جوان، وهي الأزمة التي لم تترك أي خيار سوى اللجوء إلى المجتمع الدولي. ومعلوم أن جلالة الملك كان قد طلب أثناء زيارته لفرنسا في أكتوبر 1950 مراجعة عقد الحماية على طريق استقلال المغرب، ولم يتوقف رحمه الله عن التأكيد على هذا المطلب الذي اعتقل من أجله العديد من الوطنيين في سنة 1951. كانت تفاصيل من حياة المهدي خلال هذه الفترة بصمات دالة في مسار تكوينه وارتباطه بالعمل الوطني. ومن اللحظات التي كانت راسخة في ذهنه، اليوم الذي تناولت فيه الغداء ببيتهم وجوه ذات حضور تاريخي كبير، وقادته الصدفة أن يوصل بعضهم بالسيارة إلى البيت كعلال الفاسي وبلحسن لوزاني وأحمد بن سودة والمكي الناصري الذين جاؤوا حينها بقصد إبرام ميثاق وطني من أجل العمل على استقلال المغرب، وكان من الحاضرين يومها إضافة إلى والد المهدي، محمد الغزاوي عبد الرحمن بنعبد العالي وعبد الرحمان أنكاي والمهدي بنونة ولوفان كيشيان أحد كبار الصحفيين الذي تطوع ليخصص جزءا هاما من وقته للدفاع عن القضية المغربية، كما حضر في تلك المناسبة أفراد من عائلة المهدي. أصدر المكتب المغربي أول بلاغ صحفي في نونبر 1951 حول خرق فرنسا لحقوق الإنسان والحريات العامة بالمغرب. هذه المبادرة تعززت في 13 أكتوبر من سنة 1952 بإصدار العدد الأول من "نشرة الاتصال". كانت سنة 1952 أكبر منعطف في تاريخ القضية المغربية ضد الاستعمار الفرنسي حيث قبلت هيئة الأمم المتحدة مناقشة الملف المغربي، وهي نفس السنة التي نشر فيها المهدي المنجرة أول مقال له في الصحافة وذلك بتاريخ 24 أكتوبر يوم الاحتفال بذكرى تأسيس الأمم المتحدة، وكانت قد نشرته "كورنيل دايلي سان" (أكثر من 5 آلاف نسخة) وهي اليومية التي كانت تصدرها الجامعة التي كان يدرس بها المهدي. قام المهدي رفقة الوطنيين المغاربة بـ "مكتب نيويورك" بعمل جبار بعد نفي المغفور له محمد الخامس في 20 غشت 1953، من أجل أن يكون للقضية الوطنية مكان في جدول أعمال مجلس الأمن، واشتغل مكتب نيويورك رفقة المهدي المنجرة حينها ليل نهار من أجل تهيئ ملف في الموضوع يحظي بدعم  خمس عشرة دولة،  وكان قد وصل الحاج أحمد بلافريج إلى نيويورك في 29 غشت 1953 تاريخ اجتماع مجلس الأمن ليتابع الجلسة كعضو من الوفد الباكستاني، وهو ما أثار اعتراض رئيس الوفد الفرنسي هنري هوبنو الذي طالب بانسحاب بلافريج من القاعة، ليخرج الأخير من جيبه جواز سفر باكستاني مكنه من متابعة الاجتماع. وكانت أصداء هذا الاجتماع عالقة بذهن المهدي بالمنظر إلى مستوى المندوبين وطبيعة النقاش. بحضور (شارك مالك من لبنان، ظفر الله خان من الباكستان، قساربكين من الإتحاد السوفياتي، أوروسيا من كولومبيا، وواد وورث من الولايات الأمريكية وتسيانغ من الصين) وأتى ذكر هذه التفاصيل كإشارات من المهدي المنجرة إلى المستوى الذي كانت عليه منظمة الأمم المتحدة، بالمقارنة مع مستواها في الآونة الأخيرة (تصريح نشر سنة 1997).. وللتنبيه أيضا إلى مستوى التعاون الدولي الذي لا تزال تشهد به محاضر الجلسات التاريخية التي كانت تحتضنها هذه المنظمة.

(يتبع)

ملحوظة: العناوين من اختيار هيأة التحرير