الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: الفوسفاط.. ثروة وطنية وطموح كبير 

إدريس الأندلسي: الفوسفاط.. ثروة وطنية وطموح كبير  إدريس الأندلسي
كثير من المتتبعين للشأن الإقتصادي ببلادنا كانوا يشتكون شح المعطيات الخاصة بمداخيل الثروة المعدنية الأولى للمغرب. كان المؤشر الوحيد المتاح بسرعة هو الرقم المتعلق بأرقام صادراته. الكل كان يطلب ويطالب بتصنيع المادة الخام والتحول إلى صناعة حقيقية تمكن البلاد من خلق القيمة المضافة وبالتالي خلق فرص الشغل وتثمين المادة الأولية وتخفيف الضغط على الميزان التجاري. وهكذا سجل هذا الأسبوع صدور معطيات هامة عن وضعنا في سوق الفوسفاط و مداخيله وبرنامج الإستثمار في تصنيعه.
وللتاريخ لحظات في مجال الإقتصاد. اهتمتحكومة عبد الله إبراهيم الاشتراكية بعد انتخابات في السنوات الأولى للاستقلال بضرورة تدبير خاص بالفوسفاط. وتم البحث عن أول الأطر المسيرة في شخص الراحل كريم العمراني، وذلك حين كان الراحل عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للاقتصاد والمالية. خلال الفترة القصيرة التي قضتها حكومة عبدالله إبراهيم في تدبير الشأن العام انطلقت عدة مشاريع من أهمها شركة لاسامير لتكرير النفط والبدء في مشروع الناظور للحديد وبالطبع تطوير صناعة الفوسفاط. 
وجرت مياه السياسة بما لا تشتهيه رغبات أهل المصالح التي ترعاها سلطات المستعمر القديم المتجدد. وبعد ذلك سجل الصراع السياسي فترات من الشد والجذب بين أصدقاء الأمس تخللتها اعتقالات ونفي واغتيالات سجلتها مؤسسة الإنصاف والمصالحة في بداية حكم الملك محمد السادس. وهكذا تم الإتفاق على طي ملف فترة أطلق عليها إسم "سنوات الجمر  والرصاص".
والتذكير بهذه المرحلة ضروري لفهم التطور الذي عرفه تدبير مادة الفوسفاط والأسئلة التي طرحتها التطورات السياسية ببلادنا. هذا القطاع كان دائما يخضع لمعاملة خاصة على المستوى السياسي. إسم كريم العمراني ظل لوقت طويل الأشد ارتباطا به وبالطبع كانت الأسماء التي تحمل وزره ذات ثقل كبير.  مر من المنصب الفوسفاطي الأعلى أيضا الراحل محمد  فتاح (والد وزيرة الإقتصاد الحالية و الوزير  السابق في الطاقة والمعادن ) ومراد الشريف ومحمد برادة وكلاهما كانا من وزراء المالية قبل أن يصل إلى مركز القرار منذ سنوات مصطفى التراب الذي يعتبر مهندس التحولات الصناعية التي يعرفها المكتب الشريف للفوسفاط حاليا.
سوق الفوسفاط كسائر المواد الاستراتيجية تخضع لتقلبات كبيرة. ولنتذكر ما حدث في سنة  1973. إنتقل سعر طن  واحد من الفوسفاط من  14 دولار إلى أكثر من  100 دولار. فرحنا كثيرا وتم تعديل المخطط الخماسي ولكن سرعان ماتهاوت الأسعار  ورجعنا إلى مخطط ثلاثي و تراجع الإستثمار إلى أن وصلنا إلى محطة الإصلاحات الهيكلية المؤطرة من طرف مؤسسات بريتن وودز ( صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي ) والتي لا زالت تخيف محافظ بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري الذي كان سنة 1983 وزيرا للمالية وعاش في وسط زوبعة فرض شروط برنامج الإصلاحات الهيكلية الأول والذي لا زالت آثاره بادية إلى الآن (في مجال  الصحة والتعليم).
اليوم يعيد إلينا تلك الصورة التي دفعت بالدولة إلى الثقة في الحل السحري للفوسفاط لحل مشاكل تمويل التنمية ببلادنا. والفرق طبعا يرتبط بمعطيات أكثر دقة على السوق  وعلى الاحتياطيات العالمية وعلى دور تثمين الإنتاج الخام في التموقع في السوق وتملك نصيب في توجيه قراره. المعطيات المسجلة حاليا و التي قدمت أمام عاهل البلاد تبين أن المغرب أصبح الأول في تصنيع  وتصدير الفوسفاط في 2021 بعد أن كان يحتل المرتبة الرابعة في 2005. وبالطبع تجاوز رقم المعاملات ما يزيد عن 9،4 مليار دولار  وقد يصل إجمالي حجم الفوسفاط المصنع إلى 20 مليون طن في سنة 2027. ستزيد الاستثمارات و ستزيد المداخيل وستزيد معها الآمال في أن تغطي مداخيل الفوسفاط جزءا مهما من الميزانية العامة لا مجرد مساهمة لا زالت ضعيفة جدا. ننتظر انفتاحا أكبر للمكتب الشريف للفوسفاط لمواصلة إعطاء المعلومات على تدبيره و برامجه. وكل التمنيات أن يتمكن من فتح باب الولوج إلى التكوين العالي للمتفوقين من أبناء محدودي الدخل. و أن يستمر  كذلك في الانفتاح على كافة الباحثين مهما كانت أفكارهم  واتجاهاتهم لكي لا يتجمد البحث الاستراتيجي في إتجاه  0واحد. الفوسفاط كان وراء ولادة المؤسسات النقابية في خريبكة  واليوسفية  وبعدها في آسفي  وبنجرير ، واليوم يجب أن يفتح بابا واسعا على الإقتصاد  كما هو  الشأن في مجال الإقتصاد الأخضر وعلى المجتمع المدني في إطار يضمن حماية هذه الثروة التي تتصنع وتأمين تطورها و تطور تأثيرها على اقتصاد البلاد  وعلى دخل المواطنين.