الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد أكيام: المحمدية عاصمة للزهور وليست عاصمة للبيرة!

محمد أكيام: المحمدية عاصمة للزهور وليست عاصمة للبيرة! محمد أكيام

تداول مجموعة من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات حول احتضان مدينة المحمدية لمهرجان الجعة أو البيرة في تماهي مع مهرجان أكتوبر للجعة الذي ينظم في ولاية بافاريا الألمانية مند عام 1810 والذي يعتبر من أكبر الاحتفالات الشعبية حيث يستقبل حوالي 6 ملايين شخص من عشاق البيرة حول العالم. والمؤسف في الموضوع، أن هذه التظاهرة كانت ستنظم بمدينة بوسكوة بالدارالبيضاء من طرف غرفة التجارة والصناعة الألمانية، وبعد الضجة التي تلتها تم إلغاءه ببوسكورة لتحتضنه المحمدية في غفلة من ساكنتها ووسط صمت رهيب. ليتساءل الشارع الفضالي حول الجهة التي منحت الترخيص لهذه التظاهرة المثيرة للجدل.

 

بعيدا عن ثنائية الحلال والحرام، وتجنبا للوقوع في مصادرة حق الأجنبي بممارسته طقوسه، ودرأً لكل عائق في تمتع الشخص بحريته الفردية، استحضارا للمقاربة الاقتصادية في موضوع الانفتاح على الشركات الأجنبية وما تساهم به في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني. سنحاول مقاربة الموضوع من زاويات نظر ثقافية وقانونية في احترام لحقوق الفرد الكونية وتماشيا مع المواثيق الدولية :

أولا، على المستوى الهوية، فلقب "مدينة الزهور والرياضات الأنيقة" ظل لصيقا بمدينة المحمدية لسنوات عديدة. مدينة الزهور لأنها نظرا لتاريخها الذي عرف إحاطة المدينة بحزام أخضر وتزيين جل شوارعها بأشجار النخيل وتوفرها على واحدة من أجمل الحدائق وطنيا ويتعلق الأمر بحديقة ساحة مولاي الحسن أو البارك المزينة بأزهار وورود مختلفة الأشكال والألوان إضافة لحدائق أخرى تزيين المدينة. ومدينة الرياضات الأنيقة لاحتضانها لمجموعة من الرياضات الفئوية مثل رياضة الكولف والتنس والتزلج على الماء والفروسية ورمي الحمام، نظرا لتوفر المدينة على فضاءات لممارسة هذا النوع من الرياضات. كما أن المدينة تعتبر قبلة جامعية بامتياز لتوفرها على كليات جامعية ومعاهد عليا ومراكز تكوين وتأهيل تستقبل آلاف الطالبات والطلبة. والمحمدية أيضا تعد قبلة صناعية مهمة لاحتواءها على أحياء صناعية تضم كبريات المقاولات الوطنية والدولية... ألا تستحق المحمدية مهرجانات نابعة من هذه الهوية الغنية؟ ومن له النية لإلصاق البيرة بهوية المدينة؟

ثانيا، على المستوى الثقافي، قد تتعالى بعض الأصوات التي تدعي الانفتاح والتي تربط الحداثة بالممارسات التي تطبّع عليها بعض الحداثيين، مدعية أن المغرب بلد الانفتاح والتعدد والتنوع الثقافي واحترام الخصوصيات الثقافية للمهاجرات والمهاجرين... كل هذا مقبول، لكن إلى حد المساس بالمكون الثقافي الجمعي للمغربية. فكل دولة لها تراكم حضاري وثقافي مادي وغير مادي وهو ما يميز مجتمع عن مجتمع آخر، فألمانيا مثلا تحاول الحفاظ على ثوابتها الثقافية عبر سلطة القانون. وخير مثال هو التحديات التي تواجهها الأقليات لممارسة طقوسها كالاحتفال بعيد الأضحى الذي يواجهه قانون الرفق بالحيوان الألماني الذي يعترض على ذبح الأضاحي دون تخدير ولا يسمح بذبح الحيوانات إلا في ظل ظروف محددة ومختبرة رسميا من طرف موظفين متخصصين، ويجازي المخالفين لذلك بعقوبات شديدة. مما يدفع هذه الأقليات للجوء إلى مزارع بعيدة عن أنظار السلطات أو دفع ثمن الأضحية إلى أحد المساجد التي تقوم بهذا العمل نيابة عنهم. مبدئيا، من حق أي بلد الحفاظ على سيادته الثقافية. فكيف ساهمنا نحن في الحفاظ على سيادتنا الثقافية عبر السماح بتنظيم مهرجان للبيرة بالمحمدية؟

ثالثا، على المستوى القانوني، يجرم القانون المغربي السكر العلني تنفيذا للمرسوم الملكي بمثابة قانون المتعلق بالسكر العلني الصادر سنة 1967، حيث يتضمن فصولا واضحة إذ ينص على أنه: "يعاقب بالحبس لمدة تترواح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح قدرها بين 150 و500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص وجد في حالة سكر بين في الأزقة أو الطرق أو المقاهي أو الكباريهات أو في أماكن أخرى عمومية أو يغشاها العموم". إذ أن الملاحظ هو عدم الفريق بين السكر في الشارع العام أو السكر داخل النوادي والفنادق على اعتبار أنها فضاءات عامة. ومع ذلك تم السماح لتنظيم مهرجان البيرة الذي لم يقتصر على الأقلية الألمانية بالمغرب أو الأجانب، بل فتح الباب أيضا للمغاربة من أجل الولوج مقابل اقتناء تذاكر تراوح سعرها بين 800 و1400 درهم. فمن هذا الخارق الذي خرق القانون ومنح الترخيص لتنظيم المهرجان؟ ولماذا يتم التضييق على تنظيم التظاهرات الثقافية والرياضية الجادة مقابل تعبيد الطريق لمثل هذه النشاطات الدخيلة والمرفوضة في مناطق أخرى؟

 

المحمدية مدينة لها هوية مستمدة من تاريخها...

المحمدية مدينة العلم والثقافة والفكر والمعرفة...

المحمدية مدينة الصناعة والتكنولوجيا واليد العاملة...

المحمدية مدينة الرياضة والأبطال والألقاب...

المحمدية ليست مدينة البيرة...