يحكي سعيد هادف الكاتب و الشاعر الجزائري المقيم في وجدة، تفاصيل محاكمته من طرف العدالة الجزائرية، إثر توقيفه في التراب الجزائري، و تلفيق تهمة غريبة له هي" مغادرة التراب الوطني".
أصدقائي وبعض الأشخاص الذين علموا مؤخرا بقضية المحاكمة طلبوا مني المستجدات بعد جلسة الاستئناف، وهناك من يلح في معرفة التفاصيل.
تفاصيل الحادثة تعود إلى 13 فبراير2014، حين عبرت الشريط الحدودي من أجل الدخول إلى الجزائر.
كان علي أن أسافر لأزور والدتي المريضة، كانت أخبار مرضها تردني بشكل ضاغط.
قررت أن أعبر الحدود المغلقة يوم الخميس 13 فبراير، وكما يعلم الجميع فإن حركة التنقل بين المغرب والجزائر موجودة يوميا رغم الحدود المغلقة ورغم التشدد ورغم الخنادق. ولأن الشخص الذي تكلف بنقلنا، وبعد أن مكثنا خمس ساعات قرب الشريط الحدودي، طلب منا أن نؤجل العبور إلى يوم غد، عندها قررت أن أعبر بمفردي. بعد أن عبرت الشريط الحدودي ودخلت التراب الجزائري بحوالي نصف كلم أوقفني أحد حرس الحدود.
الجندي الذي أوقفني، قال لي أنه فعل ذلك بأمر من الملازم الذي رصدني عبر المنظار وأعطاه الأمر بإيقافي. قلت للملازم أثناء الاستجواب بأني عبرت الحدود لزيارة والدتي.
الملازم طبق القانون حيث تم التحقيق معي وتفتيشي بمركز الدالية. ولأن الحادثة صادفت نهاية الأسبوع، كان لا بد أن أقضي ثلاث ليال بالثكنة العسكرية (الشهيد محمد بناصر) بمغنية لأمثل صبيحة الأحد 16 فبراير أمام وكيل الجمهورية بمحكمة مغنية، حيث تسلمت الاستدعاء بهدف حضور جلسة قضائية يوم 2 مارس.
التهمة: مغادرة التراب الوطني عبر مسالك غير الحدود، طبقا لنص المادة 175 مكرر 01 فقرة 02 من قانون العقوبات. ، وتم حجز مبلغ مالي بالدرهم كان بحوزتي.
حكمت المحكمة صبيحة الأحد 2 مارس بغرامة مالية قدرها 20 ألف دينار جزائري قدمت طلب استئناف صبيحة الإثنين 3 مارس، وأوكلت المهمة إلى محام لمتابعة القضية.
مختصر ما دار بيني وبين الوكيل والقاضي من حوار: قلت لوكيل الجمهورية كما قلت للقاضي، أنا لم أمارس سوى حق من حقوقي، لقد كان علي أن أسافر لزيارة والدتي المريضة فاصطدمت بقانون يحرمني من حقي في التنقل. المشكلة ليست مشكلتي، بل مشكلة المشرع الذي سن هذا القانون. ثم ليس بإمكاني أن أستقل الطائرة، فلماذا المشرع أغلق الحدود البرية وترك الجو مفتوحا؟ أليس هذا القانون تمييزيا؟
ثم أنني لم أغادر التراب الوطني، لقد تم توقيفي وأنا داخل إلى الجزائر وليس خارجا منها، فلماذا تتهمني بـ(مغادرة التراب الوطني)؟
فكان رد الوكيل أنه ليس هناك تهمة تسمى (الدخول إلى التراب الوطني).
فقلت له هذه ليست مشكلتي، فأنا لم أغادر. فهل اللغة عاجزة عن استيعاب هذه التهمة أم القانون؟
فطلب مني أن أقول هذا الكلام للقاضي، غير أن القاضي لم يكن له أي رد.
جلسة 2 مارس: غرامة مالية نافذة: حينما قلت للقاضي أريد أن أفهم: لماذا صاحب القرار الذي أغلق البر لم يغلق الجو؟
ولماذا تتهمونني بمغادرة التراب الوطني بينما أنا كنت داخلا؟
فقال لي: أنت تتفلسف.
كان بودي أن أقول له: كل شيء يحتاج إلى فلسفة، لأن السؤال الفلسفي هو الذي يكشف الزيف ويعلمنا فن النقاش وفن اتخاذ القرارات الصائبة، لكنني فضلت الصمت، لأنني أدركت أن كلامي لن تكون له جدوى.
جلسة 25 ماي: غرامة مالية موقوفة التنفيذ: يوم 22 ماي غادرت المغرب إلى الجزائر عبر البر، دخلنا عبر مسلك مريح وآمن، وقابلت المحامي الذي فضل أن أحضر الجلسة بدونه.
أثناء الجلسة، ذكرني القاضي بالحكم الأول ثم قال بأن المحكمة أيدت هذا الحكم، مع وقف التنفيذ، وحين طلبت الكلمة، قلت: يا سيدي الرئيس، ما يهمني أولا ليس الحكم، بل التهمة في حد ذاتها. لقد تم توقيفي أثناء الدخول وليس أثناء الخروج؛ وهنا قاطعني القاضي ولم يسمح لي بإنهاء كلامي.
لقد تفاعل بعض الإعلاميين والمثقفين مع هذه القضية التي لم أعتبرها شخصية، بل قضية حقوقية تمس المبادئ الأساسية لكل مشروع ديمقراطي وإنساني.
التفاعل لم يكن في المستوى المطلوب، لا من الناحية الكمية ولا النوعية، أدركت أن المسؤولية لا يتحملها أصحاب القرار بمفردهم بصفتهم ممثلين للسلطة، المشكل ليس فيهم وحدهم، المسؤولية تتحملها النخبة.
وأنا أتأمل التفاصيل والحيثيات، كنت أشعر بالخيبة، وكنت أفكر في طي الملف، بل فكرت أن أقول للقاضي: أعتذر يا سيادة القاضي عن إزعاجكم، وأعتذر من هنا لأصحاب القرار....، لكنني فكرت ثم فكرت وقررت أن تكون قضيتي بمفردي، قضيتي الشخصية، وألا أراهن على أحد، ليس لدينا أنتلجنسيا يمكن التعويل عليها. لقد ظل المهدي المنجرة محاصرا وممنوعا من ممارسة أنشطته، لكن لا أحد من زملائه في الفكر دافع عنه أو تعاطف معه ولو بمقال.
إذن كان علي أن أتحمل أوزار اختياري بمفردي حتى أحصل على البراءة، براءتي، فقدمت طلبا إلى المحكمة العليا وطعنت في الحكم.