الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: المجلس الأعلى للتعليم والحبيب المالكي

صافي الدين البدالي: المجلس الأعلى للتعليم والحبيب المالكي صافي الدين البدالي
يعتبر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مؤسسة دستورية ذات طابع استشاري يترأسها الملك بموجب الفصل 32 من دستور المملكة المغربية. واعيد تنظيمه بمقتضى الظهير الشريف رقم1.05.152 الصادر في 11 من محرم 1427، الموافق ل 10 فبراير 2006.
وقد تم تعيين الحبيب المالكي رئيسا لهذا المجلس من طرف الملك يوم الاثنين 14 نونبر 2022. لكن يظل السؤال المطروح والوجيه في نفس الوقت هو: ماذا تحقق على مستوى الساحة التربوية وعلى مستوى العملية التعليمية/ التعلمية وعلى مستوى الارتقاء بقطاع التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي من الحضيض الذي ظل يعيشه حتى بعد تأسيس هذا المجلس؟ وهل يحتاج الأمر إلى تغيير الأشخاص حتى تستقيم الأمور أم إلى قرار سياسي يقطع مع ما يعرفه القطاع من منعرجات غير محسوبة منذ الاستقلال؟ ومتابعة الذين ساهموا في تبديد الملايير من الدراهم على برامج فاشلة مثل أحمد اخشيشن الذي كان وزيرا للتعليم والذي عين هو أيضا عضوا بهذا المجلس؟ وهل الحبيب المالكي سيحقق ما لم يحققه من سبقه؟ وهل يصلح العطار ما أفسده البشر؟ للإجابة على هذه التساؤلات لا بد من العودة الى المنظومة التعليمية في بلادنا وما عرفته من اخفاقات وما خلفته من ضحايا تعليم ظل محط تجارب فاشلة منذ الاستقلال وما تسببت فيه من مظاهر التخلف والأمية.
إن التعليم في بلادنا ظل ينتقل من أيدي لجنة إلى أخرى، ومن مجلس إلى آخر دون ان يجد السبيل إلى الارتقاء كما هو الشأن بالنسبة للدول التي تقدمت بفضل تعليم جيد. ولم يعرف هذا القطاع أية محطة محاسبة أو مساءلة عن التردي الذي ظلَّ يعرفه منذ الاستقلال.
لقد تم إنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم سنة 1957 ولم تمض بعد على استقلال المغرب إلا سنة واحدة حيث لازال لم يستكمل وحدته الترابية ولا استقلاله الكامل والشامل، بل بقي يعيش التبعية المطلقة السياسية والاقتصادية والثقافية للمستعمر، والتعليم يحمل في طياته معالم الاستعمار الفرنسي والإسباني على مستوى البنية التحتية والأطر والمناهج والمراجع وطرق التدريس. في هذا السياق يتم إنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم والتي جاءت بأربعة مبادئ وهي: المغربة، التعريب، التوحيد، والتعميم، أي إرساء نظام تربوي وطني، وتقرر تعريب التعليم الابتدائي وتحديده في 5 سنوات، وتحديد الثانوي بسلكيه في 6 سنوات. وفي خضم التردد حول إصلاح المنظومة التربوية والصراع السياسي الذي بدأ يطفو على الساحة بعد الاستقلال بين ورثة الاستعمار والمقاومة وجيش التحرير، يتم الإعلان عن إنشاء اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1958 ، والتي بدأت بالتراجع عن قرارات اللجنة السابقة أي بالرجوع إلى نظام السنوات الست في الابتدائي، مما سيتسبب في تكرار كل التلاميذ لسنتهم الدراسية. واستمر قطاع التعليم يعيش ازدواجية المبادئ والأهداف بين المطالبة بتعليم عصري وتعليم أصيل مما جعل مطلب التوحيد ، اي المدرسة الوطنية ذات مبادئ وأهداف موحدة، أمرا مستحيلا، حيث يرى الاتجاه المحافظ بضرورة اعتماد التعليم الأصيل قوامه القيم الإسلامية، وفي هذا الاتجاه كتب علال الفاسي " إن التعليم العلماني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم في المغرب، لأنه يعود إلى حركة فكرية وتجربة تاريخية خاصة بالغرب تتمثل في كون ابتزازات الكنيسة وتضامنها مع النظام القديم والرجعية شكلا الأسباب التي أتاحت ظهور الحركة العلمانية بما هي مشروع بديل."
ويرى الاتجاه الحداثي بضرورة مدرسة وطنية عصرية منفتحة على جميع الثقافات واعتماد اللغات الأجنبية كأداة لتدريس العلوم والبحث العلمي.
في خضم هذا الصراع تم عقد المناظرة الوطنية سنة 1964 حول التعليم بغابة المعمورة بحضور 400 شخصية على هامش البرلمان وممثلين عن كافة القطاعات، وقررت ما يلي: "لغة التعليم في جميع المراحل هي اللغة العربية، ولا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية كلغات إلا ابتداء من التعليم الثانوي". لكن المناظرة لم تكن تأخذ بعين الاعتبار الظرفية الإقتصادية والسياسية التي تمر منها البلاد في أعقاب الاستقلال الشكلي للمغرب وتبعات الديون الخارجية التي بلغت 1084 مليار درهم في 31/12/1956 . هذا المبلغ الذي يعادل 141٪ من إجمالي إيرادات الضرائب في نفس العام و101٪ من إيرادات ضريبة الدخل المتراكمة بين عامي 1956 و1960.كما أنه لم يتم الأخذ بعين الإعتبار الدين العام الخارجي الذي تضمنه الدولة لصالح المكاتب الوطنية والمؤسسات العمومية والشركات صاحبة الامتياز و الشركات المختلطة. وقد بلغ هذا الدين ما يقارب 383 مليون درهم ،وما يزيد ،و في عام 1964،أي ما يقارب 20 في المائة من الدين العام الخارجي المستحق للخزينة مما جعل المغرب يخضع لإملاءات البنوك الخارجية. إنها من الأسباب التي جعلت المخطط الثلاثي 1965/1967 يتراجع عن التعميم والتوحيد والمغربة بعد تقليص ميزانية قطاع التعليم و في سنة 1966 سيعرض الوزير بنهيمة مشروعه للتعليم الذي جاء فيه:
-تقليص شديد للتمدرس ، تمديد مدة الدراسة ،إلغاء التعليم التقني والمهني؛و العودة إلى الإزدواجية في الإبتدائي. و صرح بنهبمة:" يجب أن نقيد قاعدة التعليم من الأساس". وهو الشيء الذي أثار غضب الشارع وجعل التعليم يسقط مرة اخرى بين أيدي رواد التبعية لفرنسا حيث كان قرار توقيف تعريب العلوم والحساب سنة 1967.
ولما جاء المجلس الأعلى للتعليم والتربية والتكوين و البحث العلمي كهيئة استشارية لم يستطع الخروج عن الموروث الذي راكمه قطاع التعليم منذ الاستقلال اي الازدواجية، وهيمنة التجارب الفاشلة وتبديد أموال الشعب بدون مردودية، بل هناك من اغتنى على حساب ميزانية التعليم ولم يحاسب، وهناك من اتخذ التعليم مجالا للاغتناء غير المشروع كالمقاولات والمنتجين للكتب المدرسية ودور النشر . لم يستطع المجلس أن يبرز المبادئ التي يجب ان يغرسها النظام التعليمي في عقول التلاميذ والطلبة كمبدأ المشاركة في بناء المفاهيم والبحث والتعلم الذاتي والاكتشاف والانفتاح على المجتمع. ولم يبادر إلى الاستئناس بالتجارب الرائدة لبعض الدول في التعليم مثل الدانمارك وماليزيا وفنلندا، وهي تجارب أعطت مجتمعات واعية وواعدة ومسؤولة. فهذه الدول تفوقت في مجال التربية والتكوين بفعل تشجيع التلاميذ والطلبة على تنمية حب الاستطلاع، وتطوير الذات.
إن التعليم الجيد هو الذي يغرس في داخل الطفل منذ الصغر أهمية الوعي بانه الطفل/ الرجل الصغير الذي يحظى بالتقدير لصفاته الشخصية، ولبنيته وقدراته التي يتميز بها، وليس بانتمائه الطبقي او بالتنافس للحصول على أعلى الدرجات في مرحلة الدراسة، وهو ما يعني أن كل تلميذ أو طالب وبغض النظر عن الدرجات والوظيفة يمكنه أن يجد لنفسه مكاناً في المجتمع. وهو الأمر الذي يحبب للتلميذ والطالب المدرسة والجامعة. وإنه من فوائد هذا النهج التعليمي/التعلمي هو أنّ جميع الطلبة والتلاميذ وبدون استثناء سيصل كلٌّ منهم لمكانة مميزة في المجتمع، ولذا لا تجد الطالب ولا التلميذ اليائس ولا المتذمر من الحضور القوي والفعلي الإيجابي إلى المدرسة، فلا يشعر بالضجر عند أدائه للواجبات، ولا يلجأ الى الغش للحصول على نقطة المرور او نقطة الامتياز. فالتعليم الذي كان على المجلس الأعلى للتربية التكوين أن يركز عليه في توصياته وفي ابحاثه هو العمل على تشجيع كل طالب كي يعمل على تنمية قدراته باتجاه اختيار الوظيفة التي ستجعله يشعر بالسعادة في حياته من خلالها ومن خلال الخدمة الاجتماعية التي يقدمها النظام التعليمي لمساعدته في المرحلة العليا على اختيارِ مؤسسة التعليم العالي أو الثانوي التي تناسب طموحاته .
إن وضع المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تظل وضعية شاذة لكونه أصبح مجلسا للريع وجبر خواطر الأحزاب والنقابات.