الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى خير الدين: " قطر2022 '' حدث رياضي عالمي في خدمة المدينة

مصطفى خير الدين: " قطر2022 '' حدث رياضي عالمي في خدمة المدينة مصطفى خير الدين
انخرطت في الأسابيع الماضية العديد من القنوات الإعلامية الغربية في حملة تهدف إلى التشويش على احتضان دولة قطر لدورة 2022 لكأس العالم لكرة القدم، مما يطرح أكثر من تساؤل حول دوافعها ومن وراءها وبالمقابل كيف تم توظيف حدث كروي عالمي في قفزة عمرانية
 في البداية يجب الإشارة إلى أنه لم يسبق أن شهدت إحدى الدورات السابقة على الأقل خلال الثلاثين سنة الماضية هذا التحامل على دولة منظمة لكأس العالم لكرة القدم، مع العلم أن التقييم التنظيمي يأتي بعد نهاية الدورة وليس قبلها مادام أن البلد المضيف لنسخة 2022 احترم دفتر التحملات وفق الشروط التنظيمية الاستثنائية للفيفا، وكان في الموعد قبل انطلاقها في 20 نونبر 2022، واحتضن بعض البطولات والمباريات التجريبية وهذا لم يحدث في الدورات السابقة. 
"قطر-2022" قيمة سوقية ب 220 مليار دولار
لا يختلف اثنان أن نسخة "كأس العالم-2022" هي الأغلى بحيث وصلت تكلفتها حسب المنظمين إلى 220 مليار دولار، هذا الرقم الاستثماري جعل العديد من الدول ومن خلالها الشركات تتهافت على الاستحواذ على الصفقات المرتبطة ببناء الملاعب والفنادق وتهيئة المدن المحتضنة لهذه التظاهرة الرياضية وبإنجاز منظومة للتنقل (ميترو)، ومن البديهي أن نفس الشركات سيكون لها حق الامتياز في التكنولوجيا والصيانة.
وبالتالي في ظل هذا السياق التنافسي، وُجدت بعض الدول والشركات أنفسها خارج الدائرة الاقتصادية لمشروع لن يتكرر في العقود القادمة، الشيء الذي يفسر هذه الحملة ضد بلد عربي والتي استعملت فيها جميع الأسلحة الأخلاقية والغير أخلاقية وصلت إلى تجييش بعض اللاعبين السابقين وقد تصاحبها بعض التصرفات المنافية للأعراف خلال الدورة. 
"قطر-2022" قيمة عمرانية وثقافية 
تؤكد العديد من الدراسات الحديثة على أن إقامة الألعاب الأولمبية أو كأس العالم لكرة القدم تعتبر مناسبة لتجديد النسيج الحضري وإعادة الاعتبار للأحياء وتحسين الميزة التنافسية للمدن المحتضنة للحدث الرياضي. وفي سياق احتضانها "كأس العالم -2022" اعتمدت دولة قطر استراتيجية متكاملة من خلال إنجاز مشاريع رياضية، تجهيزات ثقافية، تجديد حضري وشبكة للتنقل تتوخى من خلالها خلق قيمة عمرانية وثقافية.
تهدف دولة قطر من خلال تنظيم حدث رياضي عالمي إلى الاستمرار في تنزيل رؤيتها التنموية، بالإضافة إلى الملاعب، إذن، ستشهد بنى تحتية، خطوط المترو والفنادق والمطارات والطرق. لذا، تريد قطر أن تكرس تموضعها كقوة ناعمة على المستوى القاري والعالمي.
 
الملاعب الثمانية المنجزة على مستوى مدن قطر 
"قطر-2022" وإشكالية الاستدامة البيئية 
اعتمدت دولة قطر مقاربة تهدف من خلالها إلى جعل الحدث الرياضي في خدمة المدينة وليس العكس. لذا، جعلت الاستدامة البيئية والحضرية في صلب المشاريع باعتماد الطاقات المتجددة، وتفكيك ملعب وتحويله إلى فندق، وجعل باقي الملاعب في حجم المنافسة الرياضية الوطنية بعد انتهاء "كأس العالم -2022". ويبقى اعتماد الميترو كوسيلة للتنقل اختيارا استراتيجيا بحكم أن السيارة تعتبر الوسيلة الأولى للتنقل للعمل والدراسة والتسوق والترفيه، هو نمط الحياة السائد في قطر وباقي دول الخليج. ومع فوز قطر بتنظيم كأس العالم -2022، لجأ منظمو هذا الحدث الكروي إلى الاعتماد على منظومة للتنقل الشامل (système de transport urbain de masse) رغم كلفتها، كاختيار تقني وتنظيمي يسمح أولاً، كما يوحي مفهومه، بالاستجابة بفعالية للأماكن عالية الطلب، بحيث تم خلق شبكة مترو متكاملة مكوّنة من أربعة خطوط تغطي المجال الميتروبولتاني الدوحة الكبرى، وتربط كل التجمعات البشرية (إدارات، جامعات، المطار، مراكز تجارية، ثقافية، ترفيهية ورياضية). وبالتالي فإن منطق التنقل المعتمد داخل المدينة لا يجيب فقط على الطلب ولكن في مقاصده إجابة ل على إشكالية الاستدامة البيئية وتجاوز البراديكم ’’Du tout automobile’’.  
  
شبكة التنقل بالميترو بالدوحة الكبرى
وكخلاصة، فإن تنظيم حدث رياضي عالمي بقدر ما هو استثمار مالي بقدر ما هو استثمار رياضي ودبلوماسي، بحيث أن الدولة المنظمة تكون في دائرة الضوء العالمية شهور قبل الحدث الرياضي وأسابيع أثناء إقامة الدورة. والأهم من ذلك هو الاستثمار العمراني والثقافي والذي يعتبر إرث إنساني للأجيال القادمة.