الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد أخازي :الأساطير التربوية الجديدة لوزارة بنموسى... وانبعاث شبح كزافيي

خالد أخازي :الأساطير التربوية الجديدة لوزارة بنموسى... وانبعاث شبح كزافيي خالد أخازي
من منا لا يتذكر قولة الوفا الشهيرة رحمه الله والساخرة عن" بوشعكاكة" والذي يقصد به الخبير كزافيي الذي حل بوزارة التربية الوطنية ذات خريف تربوي ولا زاد له غير ما تحمس له الكثيرون" بيداغوجيا الإدماج"، وشبكاتها التي تبهر، حيث في هذا الزمن التربوي الموجع... صارت موضة بيداغوجية، ولأنها شكلانية صدق الكثيرون أنها علم وما هي إلا رؤية فشلت في بلجيكا وكلفتنا الملايير... مقاربة التدريس بالكفايات والإدماج بقرة حلوب أغنت كل من تحول فجأة إلى خبير نحرير، يجيد الشكلنة والتشبيك ومعيار درجة الكفايات التدرجي..
الوفا رحمه الله كانت له الشجاعة أن يطلب من عراف بيداغوجية أن يحزم أمتعته وصنافاته ومصوغاته ووضعياته وشبكاته ويرحل، وبذلك أوقف نزيفا ماليا شكل ريعا تربويا في التكوين والتكوين المستمر والهندسة البيداغوجية...
وأسدل الستار عن زمن كزافيي ووفرت الوزارة الملايير، وانتهى زمن صيحة جديدة حينذاك، فقد كثر خبراء بيداغوجيا الإدماج، وكل خبير غدا له باع وأتباع ودفتر تحملات، وخسرنا الملايين ولم يترك لنا كزافيي غير الريح والشيح و" الوضعيات" التي مازالت تلوى عنقها ليا وتصطنع حتى القرف، وتخرج منسوخة معطوبة الجوهر لأن الأطر المنظمة للامتحانات الإشهادية يريدونها أرضية وسندا لكل مقاربة بيداغوجية...
ولأن الوضعية.. ذات طابع حكائي.. وتتطلب حدا أدنى من الخيال والإبداع والتحكم في المتغيرات السوسيولوجية والنفسية والديداكتيكية، ولأنها تقنيا يجب أن تكون قادرة على استيعاب كل المعارف والمهارات وإن كانت أصلا تقويما للكفايات غدت وضعيات منحرفة ... مسخا لغويا وأسلوبيا... تعرف التدوير والتكرار...
رحل كزافيي وترك لنا وضعيات كئيبة علينا فيها أن نكمل جزءا مما قرأ الإمام أو الواعظ ثم نشرح لا نتدبر بعيدا عن عالم الطفل ونقحمه في البحث عن أحكام التلاوة بذاك الخط المغربي الجميل، ونعرج به نحو الصلاة والصوم والصبر والرضا...و...و... وفي كل هذا نقوم بتدوير المعارف والمعلومات ولا نؤسس لقيم تتحول إلى دافع ديني وحضاري لخدمة الإنسانية ضمن مهمات واقعية...
ويقال على التربية الإسلامية يقال على العلوم واللغات التي مقاربتها لا تنتج تواصلا سليما شفويا وكتابيا من أجل أداء مهمات تتطلب الفعل اللغوي، لأننا ننسى ونحن نعلم اللغة أننا نؤسس لكفاية تواصلية لا نحوية ولا صرفية ولا إملائية...
والعلوم... لأنها تقوم الخزان المعلوماتي ولا تستحضر البعد الابتكار لا التدويري للمعرفة التي تنهي صلاحيتها فورا.
اذا أنتج المدرسة جيلا يحفظ الحلول ويلجأ للغش..محدود في مجال إنتاج المعرفة والابتكار العلمي والتقني..
العلامات العالية مؤشر سلبي لا إيجابي لأنها ترهن التفوق بالكم لا بدينامية العقل.. كالبرق الفلسفي الذي هو أقرب إلى تاريخ الفلسفة، ولا ينتج جيلا مفكرا ناقدا.
المصيبة أننا لم نطرح السؤال الجوهري والمركزي التربوي بعد...
فكل خياراتنا التربوية هي مخرجات لأسئلة غير صحيحة أو أجوبة المدخلات وسباقات أجنبية
ليس كيف ندرس..؟ بل ماذا ندرس؟
ولا أظن أننا يمكن أن نجد الجواب عند جيل مازال يفكر بالأسود والأبيض، ويقف في طابور الإبدال البيداغوجي الغربي، ليميل حيث مال...
على سبيل المثال... في المغرب تلقفوا الطريقة المقطعية التي أضعفت المعجم والأساليب، ولم يعلموا أنها مجرد توصية كربيبتها" actionnel
فلا توجد بيداغوجيا وضاحة عملياتية ولا مقاربة مقطعية... ولأننا متحمسون جدا لكل ما هو آت من فرنسا... لم ندقق في التوصية التي همت اللغات الأم... فهل العربية والفرنسية لغتا أم...؟
ذاك مظهر من مظاهر أساطير وزارة بنموسى... وإن الحماس المفرط لكل هو آت من فرنسا يجد تفسيره في ريع التكوينات وبروز نخبة الخبراء في مجال لم يخبروه أبدا...
ومن أساطير وزارة بنموسى، هذا الحماس من جديد للتحول من مصطلح الإدماج إلى الدمج فيما يتعلق بذوي الحاجات الخاصة...
في اللغة غالبا مصدر الثلاثي على وزن" فَعْل" ففيه دلاليا القوة والقسوة... قتل... قهر.. منع... قهر.. جهل... قطع.. لطم... صفع...
لهذا لا تليق ترجمة inclusion بمصطلح الدمج... أفضل الإبقاء على الإدماج لكن برؤية جديدة..
وطبعا سيفرز الوضع خبراء في الميدان ومؤطرين استمعوا لبعض المحاضرات وربما سافروا وجالوا..
ليفتح من جديد صنبور الريع القاتل" الخبراء" بمعداتهم وشاشاتهم وترسانتهم المعرفية ومعجمهم السمين...
والحقيقة... أن في اللغة العربية ديداكتيكيا وبيداغوجيا لا فرق بين الإدماج والدمج... بل إني أرى مصطلح الدمج قاس وحاد النبرة... بالفرنسية.. هناك طبعا فرق بين intégration et inclusion وللعلم ف " inclusion « لا تضع قطيعة مع intégration : بل تؤنسنها وتحول المسار من الطفل الذي عليه أن يتكيف إلى المدرسة التي عليها أن تتكيف... وبالتالي.. فمصطلح الدمج قهري وصوتيا سلطويا... حتى أن جذره من الثلاثي دمج... يعكس فعلا قسريا لا على فعل المشاركة والتعدد والتنوع...والمدج إن قبل بهذا المصطلح إرضاء للسان الفرنسي، فهو إدماج سوسيو تربوي نفسي لذوي الحاجات الخاصة فيسيولوجيا ونفسيا وذهنيا وحركيا والأطفال الذين يعامون من اضطراب التعلم وطيف التوحد.. لم يعد وفق هذه الرؤية أن يتكيفوا مع الحياة المدرسة وبنهية المنهاج والوسائل البيداغوجية المتاحة، بل أن تتغير المدرسة من أجلهم، أي على المدرسة أن تتكيف لا هم.. من هي مدرسة للإنصاف وتكافؤ الفرص والمساواة...
وهذا مشروع جماعي لا يشكل فيه المدرس إلا حلقة من العلائق والمهام والوظائف والاختصاصات..
صعب أن تحسم مشروعا من هذا النوع بمذكرة وزارية، وترفقها بالوعيد والله المديرين والمدرسين على التعامل داخل الفصول مع حالات التوحد مثلا... فقط فإنك تريد أن يرفرف على سطح الوزارة" وزارة دامجة" مما يعكس كوم العملية مجرد عملة للتبادل الدولي ولا ترقى للإرادة الحقيقية... فلغة الإلزام خارج الضوابط البيداغوجية والمالية والبشرية والمادية الفكرية ذات الطابع العسكري لا تصنع النجاح برجال ونساء لا يتمثلون الاستراتيجية تركوا وحيدين ليدبروا المستحيل...
ولأن وزارة بنموسى لا تطرح الأسئلة العميقة... بل تكتفي بالنسخ في حدود الممكن.. غدونا نسمع من جديد ظهور نخبة الخبراء في الدمج، خبراء لا أظن أنهم قادرين على إحداث الفارق...
فالدولة التي تبنت الدمج تجاوزا استهدفت إحداث التغيير بالعمل بالفريق... من علوم مختلفة... فلا يمكننا أن نتحدث عن الدمج بتوجيه مراسلات للمدبرين والأساتذة بل لابد من تأهيل المؤسسة لتصبح دامجة، وهذا لا يعني الولوجيات وغيرها من مظاهر بنيوية بل لابد من إرساء فريق مختص مثلا بالأطفال المتوحدين.. يتكون من طبيب مختص... وطبيب نفسي ... ومصاحب بيداغوجي... ومرافق تربوي... ومختص في الصعوبات والاضطرابات الدراسية ومؤطر ومتتبع ومصاحب ومدرس ومدير وممثل الآباء... هذا الفريق دوره وضع مشروع العمل وتتبعه وتجويده واقتراح الحلول والبدائل وتكييف المتضامنين والمقارنات والتقويمات وابتكار ورشات لصناعة وسائل تعليمية ومعدات تربوية تستجيب للمناهج المكيف
ولا يقف مشروع الدمج عند تكوين الفريق بل لابد من بنيات استقبال صالحة وآمنة وفضاءات تليق بكل حالة ولابد من بنك للمعلومات وجسور لتبادل الخبرات والتجارب.
الدمج أكبر بكثير من لقاءات تكوينية يغلب عليها الجانب المعلوماتي وثقافة المصوغات، بل هو مشروع يتأسس على انخراط عدة أطراف لتتغير المدرسة وتتكيف حسب حاجيات الطفل لا أن يتغير هو وفقا لإكراهاتها... والدمج لا يقف عند التكييف التقني للامتحانات والفروض والدعامات والوسائل إنه مشروع ثورة تربوية مكلف... ويتطلب موارد بشرية من تخصصات أخرى موازية ومدعمة.. وإلا سينتهي بنا المطاف إلى ظهور نخبة الخبراء والمجزوءات والصنافات والشبكات والخطاطات في فضاءات نلتقي فيها فقط لنرفع تقارير واهمة وهمية...
إن عقلية كزافيي... مازالت تسكن وزارة بنموسى... وهي عقلية رصد اعتمادات لكل هو حديد في فرنسا وهدر المال والزمن...
 
خالد أخازي، روائي وإعلامي مستقل