الثلاثاء 23 إبريل 2024
منبر أنفاس

خليل البخاري: عيد الاستقلال عنوان بارز ومحطة متميزة في تاريخ المغرب

خليل البخاري: عيد الاستقلال عنوان بارز ومحطة متميزة في تاريخ المغرب خليل البخاري
إن تخليد ذكرى الاستقلال تعد مناسبة وطنية صادقة لاستلهام ما تنطوي عليه من قيم سامية وغايات نبيلة وزرع المواطنة وربط الماضي التليد بالحاضر المتطلع الى آفاق أرحب وصيانة الوحدة الوطنية وتعزيز نهضتها.
كما تشكل ذكرى عيد الاستقلال عنوانا بارزا في حياة الشعب المغربي. لهذه الذكرى نكهة خاصة وطابع ومعاني جميلة. وهو من بين أهم الايام الوطنية في تاريخ المغرب وفي حياة الشعب المغربي المناضل من اجل الانعتاق من الاستعمار.
يحتفل المغرب هذه السنة بالذكر ى 66 لعيد الاستقلال. هذا الاستقلال عبارة عن ملحمة تاريخية لاستحضار العبر والدروس. فهي تجمع بين البطولة والمأساة بين الظلم والمقاومة، بين القهر والاستعمار وبين الحرية وطلب الاستقلال. كان ابطال هذه الملحمة الوطنية جلالة المغفور له محمد الخامس وزعماء الحركة الوطنية ورجالات المقاومة المحلية بكل من الريف والاطلس والجنوب ومتطوعين من الجبال والسهول والمساجد.
لقد فرضت السلطات الاستعمارية نظام الحماية على المغرب في 30 مارس 1912 في عهد السلطان المولى عبد الحفيظ الذي وقع على شروط عقد الحماية التسعة تحت التهديد.
وبمجرد فرض الحماية، انطلقت المقاومة المسلحة في البداية بالجبال والصحراء. وقد تمكن ابطالها وهم: موحا احمو الزياني الذي حقق انتصارا على الجيوش الفرنسية في معركة لهري قرب خنيفرة، وعسو اوبسلام بالأطلس الكبير انتصر بدوره على الجيوش الفرنسية في معركة بوغافر، والبطل محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي هزم الفرنسيين في معركة أنوال الشهيرة ،وفي الجنوب تزعمت المقاومة اسرة ماء العينين...
الا ان المقاومة المسلحة المحلية لم تكتب لها الاستمرارية بسبب تباين الامكانيات بين الجيشين الفرنسي الاسباني وزعماء القبائل وتباين الإمكانات الحربية وتواطؤ بعض الخونة مع المستعمر.
وبتاريخ 16 ماي 1930اصدرت سلطات الحماية الظهير البربري وهو عبارة عن مجموعة من الإجراءات القضائية والادارية والتعليمية...هدفها تمسيح البرابر وطمس الهوية والشخصية المغربية.
وقد كان رد فعل المغاربة عنيفا تجسد في انتشار المظاهرات والاحتجاجات انطلق بعضها من المساجد. ومن انعكاسات صدور الظهير البربري الذي كان يستهدف احداث التفرقة العنصرية بين العرب والبربر، ظهور المقاومة السلمية بزعامة الاحزاب الوطنية بمنطقة النفوذ الفرنسيوالنفوذ الاسباني: كتلة العمل الوطني، حزب الاصلاح الوطني وحزب الوحدة المغربية.
هذه الاحزاب تبنت أسلوب المقاومة السلمية اعتمادا على الجرائد والملصقات والمجلات والأناشيد الوطنية والمدارس الحرة..
لقد تقدمت هذه الأحزاب بمطالب تضمنت اصلاحات ادارية وتعليمية واقتصادية ...لكن سلطات الحماية لم تستجب لها.
لقد مرت الحركة الوطنية في نضالها بمرحلتين: مر1939/1945و مرحلة 1946/1956.
ان اهم ما ميز المرحلة الاولى هو لقاء انفا 1941 الذي جمع الرئيس الامريكي روزفيلت والانجليزي تشرشل والسلطان محمد بن يوسف رفقة ولي علي العهد آنذاك الامير مولاي الحسن.
في هذا اللقاء التاريخي، أكد روزفيلت دعمه ومساندته للمغرب في نيل استقلاله. كما تميزت المرحلة الاولى من نضال الحركة الوطنية تقديم زعماء هذه الحركة لوثيقة المطالبة بالاستقلال بمشاركة السلطان المولى محمد بن يوسف الذي أيدها ودعمها. وقد وقعها عديد من زعماء الحركة الوطنية من عدة مدن مغربية. وقد طالبوا من خلالها بضرورة انهاء عهد الحماية. الا ان سلطات الحماية والاحتلال كعادتها لم تستجب لها وكان ردها عنيفا تمثل في اقفال مقرات الاحزاب لوطنية والقاء القبض على عديد من زعماء الحركة الوطنية ومن بينهم علال الفاسي.
ومباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والثي شارك فيها الجنود المغاربة الذين ساهموا وبشهادة كبار الجنيرالات الفرنسيين في تحرير باريس الفرنسية من جيوش ادولف هتلر...دخلت الحركة الوطنية في المرحلة الثانية تميزت بالتلاحم بين السلطان المولى محمد بن يوسف وزعماء الحركة الوطنية. ففي 7ابريل 1947 زار السلطان محمد بن يوسف طنجة الدولية والقى خطابا شديد اللهجة أكدفيه على ضرورة انهاء مرحلة الحماية ونيل الاستقلال وتحقيق الوحدة والسيادة كما القى خطابا 1952 شبه فيه السلطان محمد بن يوسف الحماية بقميص لصبي كبر ولم يعد مناسبا له..بمعنى آخر ان الحماية وجب الغاؤها فورا..
ان تحركات السلطان المولى محمد بن يوسف وخطاباته العنيفة والجريئة وكذلك ارتباطه الوثيق بزعماء الحركة الوطنية دفع سلطات الحماية والاحتلال كعادتها الى التفكير في احداث قطيعة بينه وبين شعبه. وبالفعل دبر المقيم العام كيوم مؤامرة شنيعة بتواطؤ مع الخونة في 20 غشت 1953 انتهت بنفي السلطان الشرعي السلطان المولى محمد بن يوسف وتنصيب بن عرفة..
وكانت هذه المؤامرة سببا رئيسيا في انطلاق ثورة الملك والشعب وانتشار العمليات الفدائية في عديد من المدن المغربية وكذلك تحركات جيش التحرير في الجنوب..وكان الهدف هو عودة السلطان الشرعي المولى محمد بن يوسف من منفاه مدغشقر .
وبالفعل اعطت العمليات الفدائية نتائجها اذ خلفت حصيلة ثقيلة في صفوف الفرنسيين مما ارغم سلطات الحماية الدخول مع زعماء الحركة الوطنية في مفاوضات ب ايكس ليبان الفرنسية والتي انتهت بعودة السلطان المولى محمد بن يوسف 1955 والغاء مرحلة الحماية التي كانت لها انعكاسات وخيمة على الاقتصاد والمجتمع المغربيين كما احدثت خلخلة في بنية المجتمع المغربي.
وقد تلت مرحلة الغاء الحماية الفرنسية، الغاء نظام الحماية الاسبانية بالشمال والجنوب.
وبعد 1956 دخل المغرب في مرحلة اخرى وهي استكمال الوحدة الوطنية باسترجاع طرفاية وسيدي افني وتنظيم ملحمة المسيرة الخضراء المظفرة واسترجاع الساقية الحمراء ووادي الذهب. ونأمل في استرجاع ما تبقى من اراضينا المحتلة من طرف الاسبان.
ان استقلال المغرب لم يكن هدية من فرنسان وانما تحقق بجهود زعماء المقاومة المسلحة والسلمية والفدائيين و ارادة السلطان المولى محمد بن يوسف.
ان عيد الاستقلال هو مناسبة عزيزة علينا ، فهو عيد الحرية والسيادة الوطنية والاستقلالية..تحقق بعد نضال دام من 1912 الى 1956.
مباشرة بعد نيل المغرب للاستقلال، دخلت بلادنا في عهد المغفور له الحسن الثاني طيب الله في مسيرة البناء بأقاليمنا الصحراوية.
واستكمل الملك محمد السادس مسيرة البناء على نهج والده في إرساء دعائم ومعالم الحرية والمسؤولية والديمقراطية الصحيحة في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في مختلف المجالات نذكر من بينها: ميناء طنجة المتوسطي، النموذج التنموي الجديد، مشاريع الطاقة الشمسية بورزازات والطاقة الريحية ومحطات تحلية الماء والقائمة طويلة.
وصفوة القول، فالحديث عن ذكرى الاستقلال يتطلب حلقات عديدة. فما أشرنا اليه ضمن هذه الاضاءة المقتضبة، ماهو الا غيض من فيض.
 
خليل البخاري، أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا
.