الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: نعم يمكن لبلد عربي ولقطر تنظيم وإنجاح كأس العالم

يوسف لهلالي: نعم يمكن لبلد عربي ولقطر تنظيم وإنجاح كأس العالم يوسف لهلالي
مع اقتراب بداية فعاليات كأس العالم بقطر، بدأت نسبة التحامل في الاعلام الغربي ترتفع بشكل كبير على هذا البلد العربي الصغير جغرافيا لكنه كبير في ركوب تحديات العالم وتنظيم تظاهرة عالمية ورؤيته من اجل بناء اقتصاد عصري يتجاوز الاعتماد على الغاز والبترول. طبعا، قرار تنظيم كاس العالم منح لقطر مند 12 سنة خلت. لكن ماذا يفسر هذا الهجوم العنيف وهذه الكراهية بالإعلام الغربي على تنظيم كاس العالم بهذا البلد العربي؟ وما سر عنف هذه الحملة التي تدعو الى مقاطعة هذه التظاهرة العربية التي تقام لأول مرة بالشرق الاوسط وببلد عربي، وهي حملة تشكيك لا يمكنها ان تتركك بدون رد فعل، وتطرح التساؤل حول هذه الكراهية وهذا التحامل الذي لا حدود له وكذلك الازدواجية في المعايير.
الانتقادات الواهية لهذه التظاهرة الدولية التي ستعقد من 20 نونبر الى و18 دجنبر 2022 بقطر لا تقتصر على الإعلاميين والمعارضين من المجتمع المدني بل أحيانا ساهم فيها مسؤولون سياسيون كما فعلت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايزر، التي أطلقت تصريحات غير مسؤولة حول هذا البلد العربي. وقالت بنبرة عنصرية "من الأفضل عدم منح حق استضافة البطولات لمثل هذه الدول". وهي موقف يعكس نبرة من التعالي والحقد في نفس الوقت.
كيف تجاهلت هذه المسؤولة ووسائل الاعلام الغربية بمختلف اتجاهاتها الإصلاحات والمجهودات الجبارة التي قام بها هذا البلد والتي أشادت بها منظمات دولية مثل المنظمة الدولية للعمل ومؤسسات تابعة للمجلس الأوربي وذلك في وقت قياسي وهي إصلاحات تعتبر سابقة بالمنطقة خاصة قانون الشغل.
في البداية قلت مع نفسي، وأمام هذا الوابل من التحامل أن الأمر ربما يتعلق بثقافة النقد التي تطغى على الصحافة الغربية لكن بسرعة نشعر بالازدواجية في المعايير وكيف ان عنف هذه الحملة لم يمس تظاهرات سابقة مثل كأس العالم 2018. توالي الهجومات والانتقادات والتحامل على هذه التظاهرة والكثافة التي يتم بها ذلك، حيث لا يمر أي برنامج تلفزي او إذاعي تقريبا بفرنسا دون أن يتحدث عن هذه التظاهرة وبشكل سلبي لا يترك لك الشك أن الأمر ليس مجرد نقد موضوعي بل تحامل على هذا البلد العربي، وتشعر ان هناك سلوك عنصري متحامل ضد تنظيم هذه التظاهرة التاريخية في بلد عربي، والذي بالمناسبة وفر كل الشروط المادية والتنظيمية لهذه العرس الرياضي في وقت قياسي، من بناء ملاعب وتجهيزات تتضمن أحدث ما يتوفر عليه عالم اليوم في هذا المجال. اذن هل هناك مشكلة أن ينعم هذا البلد بتنظيم هذه التظاهرة؟ وهي تظاهرة تقرر تنظيمها مند 12 سنة خلت، وذلك بتصويت من أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم. طبعا لن ندخل في عمليات اللوبيات والتدخلات السياسية التي رافقت ذلك خاصة بفرنسا التي وصلت بها بعض القضايا الى المحاكم وهو ليس موضوع هذا المقال. عملية اللوبيات والتدخلات السياسية التي ترافق تنظيم كبريات التظاهرات الرياضية الدولية مثل الألعاب الأولمبية او كأس العالم هي عادية حيث تسعى كل الدول إلى الفوز بذلك وتسخر كل امكانياتها الديبلوماسية الرسمية وغير الرسمية. ألم يقم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهديد البلدان الافريقية التي تتوصل بمساعدات أميركية بقطعها اذا لم تصوت لصالح تنظيم الولايات المتحدة الأميركية رفقة جيرانها لهذه التظاهرة؟ الا يعتبر سلوك الرئيس الأميركي ابتزازا ونوع من الرشوة؟ نترك للقراء الحكم على هذا السلوك. لكن لا يبدو انه صدم حراص الإعلام الغربي بل هو سلوك عادي لقوة عظمى ؟
الجميع يعرف المؤامرات التي تعرض لها المغرب بدروه عندما أراد التقدم الى تنظيم هذه التظاهرة الدولية عدة مرات، وكيف نظمت لوبيات سياسية ضده شاركت فيها أحيانا حتى بلدان شقيقة ولها روابط كبيرة مع المغرب. فقط من اجل معاكسة إرادة الرباط في الفوز بتنظيم هذه التظاهرة رغم قدرته وتوفره على الإمكانيات لذلك.
نحن في المغرب نعرف حق المعرفة عمليات اللوبيات وتضارب المصالح التي تصاحب تنظيم كل التظاهرات الرياضية الدولية الكبرى، والصراع الكبير الذي يتم حول ذلك، لما تدره هذه التظاهرات من مليارات بين الاستثمار والتنظيم ونقل المباريات بالإضافة الى تحسين الصورة أو ما يسمى القوة الناعمة.
لكن قطر كدولة ذات سيادة هي الأخرى من حقها وتمكنت من الفوز والظفر بهذه التظاهرة الرياضية، ووفرت لها كل الشروط المادية، ولها الحق في ذلك مثل باقي الأمم، لكن لماذا هذا الحقد الغربي وهده العنصرية الأوربية على الخصوص. جاك لونغ وزير سابق ورئيس المعهد العالم العربي لم يتردد في الحديث عن العنصرية وازدواجية المعايير في حديثه عن هذه الانتقادات وهذا التحامل على هذا البلد العربي.
تم أيضا استغلال وتضخيم عدد الضحايا، كما فعلت أحد الصحف البريطانية، نتيجة الورشات الكبرى التي رافقت هذا المشروع، وكأن الأوراش التي تقوم بها بلدان أخرى في الغرب والتي تستعمل اليد المهاجرة لا تعرف ضحايا هي الأخرى؟ طبعا، لا يمكن إلا الإشادة بالمجهود الذي تم بقطر وقيادتها ووضع قانون للشغل وتطويره بسرعة وذلك حسب منظمة العمل الدولية، الاتحاد الدولي لنقابات العمال الذي وضع تقريرا في هذا الموضوع. بالإضافة الى الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي تابع الاشغال وعميلة التنظيم. دون الحديث عن تقرير الاتحاد الأوربي حول التطورات الإيجابية بقطر.
هذه التحولات الاجتماعية الإيجابية بقطر هي بفضل تنظيم كاس العالم، وهي تحولات أشاد بها حتى بعض نواب المجلس الأوربي، حيث قامت دولة قطر بإلغاء نظام الكفالة، ووضع حد أدني للأجور كما عززت اجراء الحماية المرتبطة بظروف العمل. وعلى سبيل المثال دولة صناعية مثل المانيا لم تضع نظام الحد الأدنى للأجور الا في السنوات الأخيرة (2019)، وكانت تستغل عمال اوروبا الشرقية لعقود طويلة، باجور بخسة لتحقيق فائض تجاري كان هو الأهم بأوروبا لسنوات. هذه المنافسة الغير الشرعية اشتكت منها بلدان اوربية مثل فرنسا.
لكن لا أحد طرح السؤال حول من يسهر على عمليات البناء التي رافقت هذه التظاهرة والشركات الدولية الكبيرة في البناء سواء من فرنسا او بريطانيا التي استفادت من هذه الاوراش، وهي التي كانت توظف هؤلاء العمال ولها هي الأخرى مسؤوليات حول سلامة الأوراش باعتباره هي من ينجز الأوراش ومن سهر عليها وبعضها متابع امام القضاء الفرنسي نفسه. لكن رغم ذلك اتخذت دولة قطر إصلاحات مهمة لحفظ حقوق هؤلاء العمال سواء سلامة العمل، الحد الأدنى للأجور وانشاء صندوق اجتماعي وذلك حسب عدة تقارير دولية.
النقطة الأخرى التي اثارت المتحاملين هو توفر الملاعب القطرية على مكيفات هواء، وذلك تحسبا لارتفاع درجات الحرارة، الجو يكون معتدلا في شهر نونبر بالمنطقة وتكون الحرارة مقبولة من أجل إجراء مقابلة في كرة القدم. وربما لن تستعمل هذه المكيفات ولا أحد أشاد بهذه البنيات التي تم الحرص أن تكون صديقة للبيئة وبجودة استثنائية، خاصة الملاعب التي سوف يتم إعادة استعمالها ببلدان أخرى بعد تظاهرة كاس العالم.
طبعا تم استغلال الجانب البيئي والجدل اليوم حول استعمال الطاقة والحفاظ على البيئة من اجل الهجوم على هذه التظاهرة، وكذلك انتقاد استعمال الطائرة كوسيلة نقل أساسية من أجل الحضور الى الملاعب ومتابعة مختلف الفعاليات. طبعا يمكن توجيه بعض النقد لبعض الاختيارات على مستوى البيئة. لكن اية شرعية للبلدان الغربية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي لوثت الكرة الأرضية لقرون واستعملت الطاقة الاحفورية والمواد الكيماوية ومازالت مستمرة في ذلك، وهي من يقوم بعض إعلاميها وصناع الراي بها على انتقاد استعمال قطر لمكيف هوائي لساعات معدودة لتظاهرة رياضية عمرها حوالي شهر؟ ولملاعب سوف يتم تفكيكها واستفادة بلدان أخرى منها. وتقدم الدروس في مجال المحافظة على البيئة خاصة ان اغلب هذه البلدان تضم محطات لتزحلق يتم فيها انتاج الثلج طول السنة أحيانا بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وذلك بأغلب البلدان الاوربية. طبعا هناك مسافة كبيرة بين النقد الموضوعي وبين الكراهية المسبقة للعرب وكل ما يأتي من العالم العربي.
إذا اخذنا موضوع التلوث البيئي والاحتباس الحراري، فان سجل البلدان الغربية طويل وربما يتطلب محاكمة دولية.
بعيدا عن الجانب التقني الذي يتعلق بالأوراش وبالتنظيم واحترام البيئة التي استعمل كمبرر للهجوم على قطر والتحامل عليها. هناك بلد عربي اخر بدأ الهجوم عليه هو الاخر بعد أن حصل على شرف استضافة الألعاب الشتوية بأسيا وهي المملكة العربية السعودية. والذي ستتعرض لنفس الهجومات مع اقتراب هذه الألعاب.
ان الحقد والكراهية والعنصرية التي تنهجها وسائل الاعلام بالبلدان الغربية بفرنسا، ألمانيا وبريطانيا وغيرها، فهي تعكس ثقافة للكراهية تحتفظ بها هذه البلدان مند الحروب الصلبية والاستعمارية التي جاءت في القرون الأخيرة. وحربها على كل ما يمثل الحضارة العربية الإسلامية ومهاجمة كل نجاح او تقدم يمكن ان تحققه ولو في تنظيم مباريات لكرة القدم، وهي رياضة هدفها التقارب بين الشعوب والتعارف بدل حرب الكراهية هذه التي لا تنتهي. وهو ما يقتضي تضامنا عربيا وكذلك إسلامي مع هذا البلد الذي يستضيف هذه التظاهرة الكروية العالمية بشكل يشرفها ويشرف البلدان العربية.
نعم يمكن لبلد عربي ولقطر تنظيم وإنجاح كأس العالم.