الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

البعمري: مساهمة في النقاش حول مطالب المحامين

البعمري: مساهمة في النقاش حول مطالب المحامين نوفل البعمري
يعيش قطاع المحاماة منذ مدة من الزمن على إيقاع احتجاجات وغليان داخلي، تسببت فيه المقترحات التي تقدم بها مشروع قانون المالية لسنة 2022، وهي مقتضيات على عكس ما يتم محاولة الترويج له، أنها ضد التهرب الضريبي!! في محاولة لمن يريد تصريف هذا الخطاب أن يقوم بعملية تسفيه خطيرة للدفاع ولرسالته التي تظل رسالة تكريس الحقوق والحريات، ولا يمكن حصرها فيما حاول وزير العدل، أن يقوم به من محاولة تأليب الرأي العام الوطني على الاحتجاجات المشروعة لقطاع المحامين في بلادنا في محاولة لعزلهم عن محيطهم الحقوقي والاجتماعي. 
1- المحامون ومطلب العدالة الضريبية: 
ان المقتضيات التي تقدمت بها وزارة المالية في مشروعها، حمل تعديلات لا يمكن إلا أن توصف بالخطيرة بسبب الإجراءات التي أعلنت عنها في المشروع، وهي إجراءات لا تتعلق بمحاربة التهرب الضريبي كما يردد المدافعين عن المشروع، وعلى رأسهم وزير العدل الذي حوَّل الأمر إلى أشبه بمعركة شخصية أو ذاتية لكسر العظام، وهو ما أضاع فرصة النقاش الهادئ الذي كان يجب أن يتم قبل إعداده لإحالته للنقاش ليأخذ مساره التشريعي، فالعرف جرى أن يتم مناقشة كل التعديلات و المقترحات التي تهم قطاع المحاماة بتشاور معهم، وبعد حوار مع ممثليهم للوصول لتوافق معقول، وهو ما لم يتحقق للآن بسبب سياسة الأمر الواقع التي تريد وزارة العدل نهجها.
بالعودة لمشروع قانون المالية فهو لم يقم بالاستجابة لمطلب تاريخي، المحامون بالمغرب بإصلاح النظام الضريبي بالمغرب وإقرار نظام ضريبي عادل، يراعي طبيعة المهنة ورسالتها، فالمشروع يقترح أداء تسبيقات عن كل ملف يتم رفعه بالمحاكم مع أداء باقي الضرائب على رأسها الضريبة على القيمة المضافة التي يجب أن يؤديها الموكل للمحامي إلى جانب باقي المصاريف القضائية وأتعاب الدفاع، فهل يمكن تصور أن يقوم مواطن يريد الولوج للعدالة وتحقيقها أن يؤدي ضريبة وكأنه مستهلك؟! بل وتُستخلص من طرف دفاعه؟! فهل يُتصور أن يقوم شخص مسلوب الحرية بأداء الضريبة على القيمة المضافة وكأنه سيلج لسوق ممتاز، للتسوق ولشراء بضاعة، فهل يريدون تحويل العدالة إلى سلعة وإلى بضاعة وإلى أن يتعامل معها المواطن بمنطق ربحي تجاري?! مع الإشارة إلى رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة إلى 20 في المائة وهي الأعلى مقارنة بباقي القطاعات، مع الإشارة إلى أن المشروع يقترح تسبيقا قدره 300 درهم، ثم ضرائب أخرى لتصل الضريبة في مجموعها لأكثر من 50 في المائة، فهل يعقل أن يؤدي المحامي ضريبة بهذه النسب وبهذا القدر وهل يُتصور أن يتحول المحامي لجابي للضرائب من المواطنين؟!! 
الأمر على عكس ما يرددون لا يتعلق بمحاصرة التهرب الضريبي، رغم أنه لا وجود لفراغ تشريعي في هذا الباب  بل هناك مدونة للضرائب يمكن تنزيلها على الفئات التي تتهرب من أداء الضريبة، ليس فقط في جسم المحاماة بل في مختلف القطاعات، بل التوجه الحالي يتعلق برغبة في تحويل هذه المهنة لتجارة، ولسوق للبيع والشراء، بهدف استراتيجي هو ضربها في عمقها والمس بحريتها واستقلاليتها.
نعلم جميعا أن العديد من المحامين يتطوعون في عدة ملفات تتعلق بقضايا الرأي والتعبير لصحافيين ومدونيين ومناضلين.. وفي قضايا ذات طابع اجتماعي صرف، هذا الجانب من الرسالة المهنية سيتم بموجب هذا المشروع الذي جاء به وزير العدل سيقضي على الجانب المشرق لمهنة المحاماة، الجانب المتعلق بالدفاع عن الحريات والحقوق في بعده الحقوقي الصرف، ولن نجد بعد إقرار هذا المشروع بهذا الشكل، محاميا يتطوع للدفاع في ملفات ذات طبيعة حقوقية؟! 
2- هل الأمر يتعلق بمس بالمجلس الوزاري؟! 
إن وزير العدل وهو يُساجل المحامين المحتجين، نُقل على لسانه في وسائل الإعلام، أنه قال لا يكمن مراجعة مشروع قانون المالية تم عرضه على الملك، وهو تصريح في الحقيقة إذا ما صح، سيشكل انتكاسة دستورية خطيرة، ونزوعاً نكوصياً، ونزعة غريبة نحو خنق اي نقاش حول المشروع، ومساً كبيراً بالمسار التشريعي الذي أقره الدستور، علما أن المجلس الوزاري الذي يُحاجج به وزير العدل في مواجهة الدفاع لحظر أي تعديل في مشروع قانون المالية، لا يناقش أمامه مضامين مشروع قانون المالية، بل يضع المجلس الخطوط العامة والاستراتيجية لقانون المالية ويترك أمر تدبيره للحكومة وللبرلمان، وهو ما قفز عنه وزير العدل بشكل متعمد لتبرير موقفه المتصلب اتجاه مطالب المحامين بالمغرب في إقرار نظام ضريبي عادل، يراعي طبيعة مهنة المحاماة ووضعيتها الاعتبارية والاجتماعية ودورها في حماية الأفراد وتحقيق المحاكمة العادلة التي في غيابه تجعل من هذه المحاكمة محط تساءل حقوقي مشروع.
وزير العدل للأسف وهو يقحم المؤسسات الدستورية على رأسها المؤسسة الملكية فهو يريد حظر أي نقاش اجتماعي حول مضامين المشروع، ليس فقط من طرف المحامين بل من طرف جل القطاعات المهنية المعنية بالتضريب، وهي ورقة تستند للأسف على منطق لا دستوري ولا ديموقراطي ويريد التحجير على دور المؤسسات التشريعية، فبمنطق وزير العدل فلا يمكن إلا أن نطالب بحل البرلمان وإلغائه، بحجة أن المشروع قد مر من المجلس الوزاري!! مع العلم أن المجلس الوزاري لم يكن يوما ضد المسار التشريعي بل معززاً له ومعززاً للخيار الديموقراطي كثابت من ثوابت الدولة والأمة.
على سبيل الختم:
إن المسؤولية الكبرى في الأزمة الحالية هي ناتجة عن الرغبة في التسريع بتمرير مشروع قانون المالية بدون مناقشته مع القطاعات المهنية والفئات المهنية المعنية به، ويعكس توجها حكوميا نحو إقرار نظام ضريبي، وقانون مالي يكرس التوجه الليبرالي للحكومة بمنطق يضرب الطبقة المتوسطة و يكرس الفوراق الاجتماعية.
 
نوفل البعمري، محام وفاعل حقوقي