الجمعة 7 فبراير 2025
فن وثقافة

يوسف غويركات: كتاب «البرلمان وحقوق الإنسان» للباحث الحنوشي سيظل مرجعا لكل مهتم بحقوق الإنسان

يوسف غويركات: كتاب «البرلمان وحقوق الإنسان» للباحث الحنوشي سيظل مرجعا لكل مهتم بحقوق الإنسان يوسف غويركات (يمينا) والحنوشي وغلاف كتابه

صدر مؤخرا كتاب: «البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات» للباحث عبدالرزاق الحنوشي، وقد حظي المؤلف باهتمام لافت عكسته اللقاءات المتعددة التي نظمت في عدة مدن (نحو 20 لقاء في ظرف أربعة أشهر)، و كذا القراءات النقدية والتحليلية التي أنجزتها العديد من الفعاليات الأكاديمية والحقوقية. وسبق لنا في «الوطن الآن» و«أنفاس بريس» أن نشرنا بعضها. ومواكبة للدخول الثقافي الجديد، نواصل نشر مساهمات جديدة. في هذا العدد ننشر مساهمة يوسف غويركات، الكاتب العام للوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان - إطار عالي بمجلس المستشارين .

 

 

في البداية لابد من التنويه بالكتاب لفرادته وتفرده وغوصه في ثنايا موضوع غير مطروق بالدقة والحجية المطلوبتين.

يعكس هذا الكتاب الانشغالات المعرفية للكاتب بقضايا التشريع ومختلف الآليات الرقابية التي يتوفر عليها البرلمان، وأيضا انشغالات معرفية تهم منظومة حقوق الإنسان، وله فيها دراسات وأبحاث ومساهمات. أقول انشغالات معرفية، لأنها أتت كثمرة سنين طويلة من العمل الميداني المباشر في المجالين معاً (أي البرلمان وحقوق الإنسان).

حدد الكاتب جهازه المفاهيمي واختياره المنهجي، صاغ إشكاليته، رسم هدفه، ثم تدفقت شخصية الكاتب في لغة الكتاب وأسلوبه، في موضوع دراسته وتأمله (= الكاتب: أستاذ الفلسفة، صحفي، عالِم بدواخل المطبخ البرلماني (صياغة النصوص التشريعية، مختلف آليات الرقابة على عمل البرلمان، تقييم السياسات العمومية إلخ) الفاعل المدني والمدافع عن حقوق الإنسان، فضلا عن مسؤوليات اضطلع بها في مجالات متعددة ومختلفة، مكنته من الإلمام بموضوعاتها (الشغل والعلاقات الشغلية، التكوين المهني، التربية والتكوين، مسؤوليته في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مساهمات فعلية في منتديات دولية وإقليمية ووطنية إلخ(

هذا العمل الميداني المباشر لا يتسع المجال للاستطراد فيه، إنما الأكيد أنه اتسم بوجدان صادق وإرادة ملتزمة، اصطدمت دوما بمفارقة الرغبة اللامحدودة في التقدم على درب الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومحدودية الإمكانات والوسائل المتاحة وتفاهتها أحيانا. ومع ذلك، واكب الكاتب هذا العمل المباشر بالتفكير والنقد في كل ما يُنتج في هذه المجالات، كما واكبه بالاهتمام بالأسس الفكرية وتعبئة المعرفة لفهمٍ أشمل يتجاوز القشور لينفذ إلى عمق تلك الأفكار.

هذه الخلفية العلمية (إن صح القول) تبدو واضحة جليّة في كتاب "البرلمان وحقوق الإنسان" سواء في الجانب المتعلق بالمرجعيات أو الجانب المتعلق بالممارسات. فاتسم الكتاب في جزء منه بطابع نقدي تساؤلي، وفي جزء آخر منه تحليلي استدلالي، وفي جزء منه تبسيط لمفاهيم وعرض لنصوص مرجعية، أعطاها الكتاب نفسا جديدا.

فكيف تتبدّى العلاقة ما بين البرلمان وحقوق الإنسان في ضوء الخصائص المميزة للكتاب الذي اجتهد فيه الحنوشي وأعطى بكل ما أوتي من طاقة فكرية وصدق الوجدان وبلاغة التعبير؟

في الجانب المتعلق بالمرجعيات، قدم الحنوشي بأسلوب سلس غير مُعقَّد، بعيدا عن التكلف الذي يُفقد المعنى، قدم السياق التاريخي للمنظومة الدولية لحقوق الإنسان، ونصوصها التأسيسية ووثائقها المرجعية، أما فيما يتعلق بالجزء المخصص للإطار المرجعي لعلاقة البرلمان بحقوق الإنسان تطرق الكتاب إلى الوثائق المؤسسة لهذه العلاقة وعلى رأسها:

مبادئ باريس (المبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية) 1993، وتتعلق بوضع وعمل المؤسسات الوطنية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان؛

مبادئ بلغراد بشأن العلاقات بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان 2012، وقبلها وثيقة أبوجا 2004 بعنوان " المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والهيئات التشريعية: بناء علاقة فعالة"

ووثيقة مبادئ 2018 بشأن اللجان البرلمانية المعنية بحقوق الانسان، فضلا عن قرارات أخرى صادرة عن مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة بخصوص تعاون البرلمانات مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان..

وسيُفرد فصلا خاصا بالديمقراطية وحقوق الإنسان والبرلمانات، وهو فصل دسم من حيث المعطيات التحليلية التي جاءت في الكتاب.

أما فيما يخص الجانب المتعلق بحصيلة أداء البرلمان المغربي في علاقة بحقوق الإنسان، فأقف بإجلال تحية للأستاذ الحنوشي على هذا العمل الرائع، لأني أعلم الصعوبات الكثيرة التي يمكن أن تعترض سبيل أي باحث في الحصول على المعلومة. وهذا مجهود استثنائي، فضلا عن استثمار تلك المعطيات وإخراجها من جمودها المعتاد لتخرج إلى رحابة البحث العلمي. مرة أخرى هنيئا لنا بهذا المنتوج، الذي ينبغي استثماره إلى أقصى حد ممكن.

إذن، بعد استعراض مختلف الجوانب المعيارية والمرجعية في مجال علاقة البرلمان بحقوق الإنسان، سيخوض الكاتب في تحليل المعطيات المتعلقة بالأداء البرلماني على المستوى الرقابي والتشريعي (المدة المشمولة بالتحليل حددها في الولاية العاشرة 2016-2021)

 

على المستوى الرقابي: من خلال رصد الأسئلة الكتابية والشفهية ذات العلاقة بحقوق الإنسان، لجان تقصي الحقائق، المهام الاستطلاعية..

تحدث أيضا عن قضايا، يمكن اعتبارها خلافية، أو قضايا حقوقية في انشغالات البرلمان (مثل عقوبة الإعدام)

كما خصص حيزا لمناقشة الفصل 160 من الدستور ويتساءل ونتساءل معه عن أسباب تعطيل الفصل 160 من الدستور بشأن تقديم وتنظيم مناقشة تقارير المؤسسات الوطنية...

والكاتب في كل هذا، طوق نفسه بمنهجية صارمة، وبمقاربة تتشبث إلى أقصى حد بالأمانة العلمية والموضوعية (موضوعية مع الذات ومع الموضوع). الموضوعية بكل ما تعنيه من إقصاء للتحيزات الشخصية والابتعاد عن التفاعل العاطفي، ووضع مسافة مع الالتزامات المسبقة (سياسية أو فكرية أو أيديولوجية). وترك لنا (كل المعنيين بموضوع الكتاب: برلمانيون، مدافعون عن حقوق الإنسان، أوساط علمية وأكاديمية، مسؤولون) ترك لنا استخلاص النتائج والبحث عن أحسن السبل وأفضلها ليكون البرلمان المغربي في الموعد للاضطلاع بالمهام المنوطة به، سواء من خلال سن التشريعات الملائمة، أو من خلال دوره في مساءلة الحكومة عن فعالية تنفيذ التزاماتها. وهذا المقتضى بالذات أصبح التزاما صريحا على الأقل بالنسبة لمجلس المستشارين الذي نص في نظامه الداخلي على مقاربة حقوق الإنسان (المادة 90) "تعمل هياكل مجلس المستشارين، حسب اختصاصاتها ومجالات عملها، على تعزيز حماية منظومة حقوق الإنسان. ولهذه الغاية، يمكن أن تتولى اللجان الدائمة، ما يلي:

-مراقبة مدى ملاءمة مشاريع ومقترحات القوانين المودعة لديها مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وبصفة خاصة عن طريق طلب مذكرات من السلطة الحكومية المعنية بخصوص مشروع قانون قيد الدراسة أمامها، حول مدى ملاءمة أحكامه، كلا أو بعضا، مع الاتفاقيات الدولية المذكورة؛

-تتبع الملاحظات والتوصيات الختامية الصادرة عن هيئات المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وكذا التزامات المملكة المغربية في إطار الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، وتتبع تنفيذ هذه الالتزامات؛

رصد الترسانة القانونية التي يتعين ملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها، وتصنيف مجالاتها وتفعيلها؛

-مناقشة التقارير الصادرة عن الآليات الوطنية لحماية حقوق الإنسان."

هذه المادة، بهذا التكثيف الدلالي، وهذه المهام الواضحة، تطرح تحديات كبيرة على مستوى تفعيل مقتضياتها. فهو التزام صريح وجب العمل على أجرأته وتنفيذه.

باعتبار ما جاء في الكتاب من معطيات تحليلية وأرقام ومؤشرات، وكذا في باب ما جاء به من إطار معياري دولي، ضم العديد من الاتفاقيات والمعاهدات، يقتضي من البرلمان إعطاء نفس جديد لإعمال مبادئ بلغراد، من خلال:

-التأسيس لمرحلة جديدة في تعامل البرلمان مع جميع هيئات حقوق الإنسان؛

-تطوير ومأسسة العلاقة مجلسي البرلمان مع منظمات المجتمع المدني؛

-تنمية الوعي وتطوير اهتمام الفرق البرلمانية بمواضيع حقوق الإنسان إلخ.

ووفقا للممارسات الفضلى ولما نص عليه مشروع المبادئ المتعلقة بالبرلمان وحقوق الإنسان، يقتضي من البرلمان التأسيس لمرحلة جديدة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، كحقوق مترابطة غير قابلة للتجزيء، والاضطلاع بجملة من المهام والمسؤوليات والأدوار، منها ما يلي:

-انخراط البرلمان في مسلسل إعداد الخطط الوطنية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وتطبيقها وتنفيذها وتقييمها وتحيين مضامينها؛

تشجيع التصديق على صكوك حقوق الإنسان الدولية والإقليمية أو الانضمام إليها؛

-مراجعة الترسانة القانونية وضمان توافقها مع الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان؛

-ريادة الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان والتعهدات السياسية أمام الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان؛

-استعراض مشروع الميزانية من منظور آثارها على التمتع بحقوق الإنسان؛

-استعراض مشاريع التقارير التي يتعين على الدولة تقديمها إلى الآليات الدولية والإقليمية الحقوق الإنسان، مثل الاستعراض الدوري الشامل، والتعليق عليها؛

لن أمَلّ من الجهر بأهمية الكتاب، الذي أعتقد جازما أنه سيكون مرجعاً لا محيد عنه للفاعل البرلماني، وللمدافع عن حقوق الإنسان، وللمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، كما للأستاذ والباحث والطالب وكل مهتم بقضايا حقوق الإنسان إلخ

لمن قرأ الكتاب أطلب منه إعادة القراءة لاكتشاف أشياء جديدة

ولمن لازال لم يقرأ الكتاب أتمنى له قراءة ممتعة.