الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

الطيب دكار: "لماذا يعارض الجيش الجزائري تقرير مصير شعب القبايل؟" (9)

الطيب دكار: "لماذا يعارض الجيش الجزائري تقرير مصير شعب القبايل؟" (9) الطيب دكار( يسارا) وفرحات مهني ورئيس كوريا الشمالية
بنبرة استهزاء واضحه من حكام الجزائر، يقول الطيب دكار، المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالجزائر العاصمة: " لن يذهب بهم الأمر، على أي حال، إلى اتهامنا بقتل أكثر من 200 ألف جزائري، خلال ما يسميه خصوم فوز الإسلاميين في دجنبر 1991، بـ"العشرية السوداء"، بدعوى أن الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، طالب بتقرير مصير القبايل، تماما كما تدافع الجزائر عن تقرير مصير من تقدمهم كـ "شعب صحراوي". فمنطقة القبائل التي تضم عدة ولايات في الجزائر، ويبلغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة (عدد نزلاء مخيمات تندوف لا يتجاوز في الأقصى 60 ألف نسمة)، والتي لا تعترف بتبعيتها للسلطة المركزية بالجزائر العاصمة، بسبب خصوصياتها الثقافية والهوياتية، مقارنة مع باقي المناطق الجزائرية. سياسيا، تقاطع القبائل الانتخابات، سواء أكانت محلية أم وطنية. كما أن نسبة المشاركة تقارب الصفر. فيما من جهتها، تتركها الدولة للإهمال".
وأضاف: مؤلف كتاب "الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب": "في الواقع، لا يتعلق الأمر فقط بتقرير مصير منطقة القبايل، ولكن أيضا بمصير مجموع الشعب الجزائري الذي انتزع منه الجيش فوزه في تشريعيات 1991، كما يرفض باستمرار  الامتثال لمطالب الحراك الشعبي في 2019 و2020.
فلماذا يعارض النظام العسكري، منذ عقود، لتقرير مصير مجموع الشعب الجزائري؟
ألم يقل ذات يوم الوطني والقائد الجزائري، الحسين ايت احمد، الذي لم يتغاض قط عن الدكتاتورية المقامة في الجزائر منذ الاستقلال، "الجزائر ليست في موقع يسمح لها بالكلام عن تقرير المصير، حين ترفض أن يتمتع به الشعب الجزائري نفسه".
وتابع الخبير في الشؤون الجزائرية أن النظام الديكتاتوري العسكري في الجزائر، منذ 1988، وضع نفسه في وجه التغيير، وقاوم دمقرطة البلاد التي يطالب بها الشعب الجزائري الذي قدم في سبيلها ثمنا باهضا وتضحيات كبرى. ففي 1988، قُتل المئات من الجزائريين بباب الواد من طرف العسكر،  بينما كان المتظاهرون يحتجون فقط ضد نقص المواد الغذائية الأساسية، ويعترضون على تدبير شؤون البلاد من طرف أوليغارشيا حزب جبهة التحرير الوطني، التي ظلت تتقاسم المكاسب والامتيازات، تاركة الشعب نهب شعارات فارغة مثل "من أجل الشعب، ومن الشعب". فطوال حرب طاحنة ضد الجماعات المسلحة الإسلامية، التي واجهت بالسلاح مصادرة فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية (الفيس) بتشريعيات دجنبر 1991، أدى الشعب الجزائري ضريبة أخرى، وكانت هذه المرة قاسية، إذ أدت المواجهات إلى  مصرع 200.000 شخص، واختفاء 20 ألف آخرين، مما أفضى إلى إيقاف ما كان سيكون بالفعل تقرير مصير الشعب الجزائري.  
ورغم هذه المآسي التي يتحمل مسؤوليتها الجيش الذي أجبر الشاذلي بنجديد على الاستقالة، فإن الطغمة العسكرية الجزائرية التي اغتصبت استقلال البلاد، لم تظهر أي استعداد للعودة إلى الثكنات، ونقل السلطة إلى المدنيين. بل إنها في 2019 واجهت تحديا جديدا : "الحراك"، وهو حركة شعبية تلقائية ضد النظام، طالبت برحيل كل الطبقة السياسية التي تنحدر من النظام القديم. حيث تخرج المتظاهرون، أثناء الحراك، إلى الشوارع طوال شهور عديدة، في كل مدن البلاد، كما تمت تعبئة ملايين الجزائريين، لفرض تغيير شامل. بيد أن جائحة كورونا منحت للجيش فرصة ذهبية لإعلان رفع الحراك، كما استغل هذه الفرصة لاعتقال نشطاء الحراك الأساسيين، قبل أن يمنع المظاهرات بصفة نهائية. ذلك أن الجيش اعتبر أن أي تغيير لن يمر إلا عبر صناديق الاقتراع، والحال أن الشعب الجزائري، في غالبيته الساحقة، قاطع جميع العمليات الانتخابية، والمؤسسات التي انبثقت عنها، والتي تفتقد إلى الشرعية. كما أن الجيش يطالب بأحقيته في لقب "الوريث الشرعي" لجيش التحرير الوطني، والحال أن هذا الاخير لم يطلق النار على الشعب الجزائري، بل على جيش المستعمر. إن الطغمة العسكرية تعارض اختيارات  الشعب وتطلعاته إلى الدمقراطية والحرية. كما تفرض نفسها وصية على الشعب، بعزل الرؤساء، واستعمال "البرافدا (مجلة الجيش)  التي تحدد، عبر الواجهة المدنية للحكم، السياسة الداخلية والخارجية، مع الاستمرار في عقد صفقات سلاح تثقل كاهل الشعب المحروم، في أغلب الأوقات، من الماء الشروب والدقيق والحليب والزيت، في واحدة من "أقوى الدول الإفريقية"، مثلها مثل حليفتها جنوب إفريقيا الغارقة الآن في احتجاجات خطيرة، بسبب سوء تدبير أوليغارشيا حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وهذا يشبه ما يحدث مع حزب "جبهة التحرير الوطني"..".
واستطرد الطيب دكار قائلا:   "انخرطت الجزائر في قضية الصحراء واستراتيجياتها، كأولوية غير مدروسة، دون أن تتوقع، حتى من باب الافتراض، أي بدائل، أو على الأقل مخرجا، إذا استدام النزاع، وهذا ما ينطبق عليه الأمر الآن.
لم يتوقع  الجيش الجزائري، أو بالأحرى أجهزته الاستخباراتية التي كان يشرف عليها لمدة طويلة، المدعو قاصدي مرباح، الذي كان باعتباره "وطنيا" يؤجر شققا فخمة تقع في بلدة "حيدرة" بعملة صعبة تذهب إلى حساباته البنكية بالخارج، مثله مثل العديد من جنرالات الجيش، بل وزراء وديبلوماسيين.. لم يتوقع أي بديل غير انتصار الجزائر.
وقد تابع خلفاءه، الذين اعتقلوا ثم أفرج عنهم في "الانتقال الدموي" بالجزائر أثناء مرحلة التسعينيات، عنادهم وتعنتهم حول هذا الملف، رغم أنهم يدركون أن الكفة بدأت تميل لصالح جار ذي تاريخ عتيد، هو المغرب.
لقد كان من الممكن للجزائر أن تستغل مقترح الحكم الذاتي المغربي لتنهي التزامها نحو هذه القضية.غير أن "النيف" (الأنفة) الجزائري (الشوفينية، الأنانية، النرجسية، الشيزوفرينية)، جعلتها تفوت هذه الفرصة الديبلوماسية الثمينة لمصالحة المغرب، وفي الوقت نفسه، للتحرر من ذنب "الشعب الصحراوي" بتندوف الذي يبتلع ميزانية الدولة والمهام الديبلوماسية الجزائرية التي تركز فقط على هذا الملف الذي  لم ير الشعب الجزائري عائداته على الإطلاق.
هكذا، إذن، تجد الجزائر نفسها، بعد أكثر من 45 سنة، في نقطة البداية، إذ ما زالت ترافع عن قضية "تقرير مصير" بضعة آلاف لاجئ، يعانون من سوء التغذية، ويعيشون في خيام تحت شمس محرقة، محاصرة من طرف الجيش الجزائري، في ظروف غير لائقة، بينما إخوانهم الذين ظلوا في الوطن، وهم أكثر عددا، يعيشون حقا في القرن الواحد والعشرين، في مدن عصرية، ويتمتعون بكل شروط الراحة، يسافرون إلى الخارج، ليس لطلب المساعدات الغذائية، بل من أجل السياحة.
"هذا هو الفرق في المقاربة السياسية بين المغرب والجزائر"، يقول الطيب دكار، مضيفا:  "على هذا المستوى يمكن قياس النتائج بين الاختيارات التي اتخذتها المملكة، وبين تلك التي اتخذتها الجزائر: التقدم والحداثة في الحالة المغربية؛ والاستسلام للبؤس والفقر والإهمال واليأس، في الحالة الجزائرية. وفي كل الحالات ليس "الشعب الصحراوي" في تندوف هو الوحيد الذي يتحمل هذا العذاب الوجودي. فالشعب الجزائري بكامله يشعر بصعوبة كبيرة في الحصول على المواد الغذائية الأساسية، مثل الحليب، والزيت، والدقيق، بل الماء الشروب.. إلخ، وذلك بسبب فشل النظام السياسي الموروث عن البروباغندا والديماغوجيا".
وذهب المدير السابق لـ "و.م. ع" بالجزائر، إلى القول أن "الجزائر تتحمل، بهذا الخصوص، مسؤولية جسيمة، ذلك أن الأمر يتعلق بالمصير المأسوي لسكان المخيمات بتندوف الذين تغذون، في مستوى آخر، على الأوهام. لقد صرفت الجزائر الملايير منذ 45 عاما، من أجل فرض مبدأ "تقرير المصير". كما أن العداء الذي تظهره للملكة ووحدتها الترابية، لا تخدم الوحدة والأخوة المغاربية، والعربية والإسلامية. بل هذا يدفع بالجزائر إلى مصاف دول مثل كوريا الشمالية التي يحكمها الطاغية كيم جونغ يون: إغلاق الحدود والعداء والتحامل الدائم على المملكة. وفي الحالتين، فإن الجزائر، مثلها مثل كوريا الشمالية، فإن هناك نقصا كبيرا في المواد الأساسية، كما تخضع المواد الغذائية لنظام المحاصصة اليومية، بينما يظل السلاح هو أولوية الديكتاتوريات. إن "المغرب يظل في صحرائه التي تعرف نموا كبيرا على جميع المستويات".