الثلاثاء 23 إبريل 2024
سياسة

لحسن أقرطيط: انطلاق العد العكسي لأفول الدور الفرنسي في إفريقيا

لحسن أقرطيط: انطلاق العد العكسي لأفول الدور الفرنسي في إفريقيا إمانويل ماكرون ولحسن أقرطيط(يسارا)
يرى لحسن أقرطيط، الخبير في العلاقات الدولية، أن فرنسا تعيش وضعا صعبا على الصعيد الإفريقي بالنظر للتحولات التي تعرفها المنطقة القارية.
وأشار في لقاء مع "
أنفاس بريس" وأسبوعية "الوطن الآن"، بأننا نشهد حاليا بداية تمرد إفريقي على الوجود الفرنسي وعلى السياسات الفرنسية تجاه إفريقيا.
كما يتطرق للعلاقات بين المغرب وفرنسا والتي لا تخرج عن السياق العام الذي دفع العديد من الدول الإفريقية الى تغيير سياستها الخارجية:

يتحدث عدد من المتتبعين عن بداية تمرد العقل الإفريقي على الكوليانيزم الفرنسي، بعد عقود من الاستعمار غير المباشر، في نظرك ما الذي يجعل فرنسا في هذا الموقف؟

أعتقد أن فرنسا تعيش وضعا صعبا على الصعيد الإفريقي بالنظر للتحولات التي تعرفها المنطقة القارية، وبالنظر الى صعود دول نموذجية على الصعيد الإفريقي، وبالنظر كذلك الى دخول فاعلين دوليين جدد وهو ما يشكل منافسة صريحة بالنسبة لفرنسا، في نفس الآن يمكن أن نعتبر هذا هو بداية تمرد إفريقي على الوجود الفرنسي وعلى السياسات الفرنسية تجاه إفريقيا، لكن في نفس الآن ينبغي الإشارة الى أن هذا التمرد بدأ في ستينيات القرن الماضي ضد الاستعمار الفرنسي، وضد مخلفات الاستعمار الفرنسي وضد السياسات الفرنسية التي اعتمدتها فرنسا بإفريقيا خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرون، وكما أشرت فإن هذه السياسات في مجملها كانت شكل من أشكال الاستعمار الجديد، أي ما يسمى بالنظام النيوكولونيالي، بمعنى أن فرنسا وبعد خروجها عسكريا من هذه الدول استمرت كقوة مهيمنة على المستوى الاقتصادي من خلال ما سمي في منتصف الخمسينيات بسياسة التقسيم الدولي للأعمال، وفرنسا كدولة مستعمرة فرضت على الدول الإفريقية أن تندمج في هذا التقسيم الدولي للعمل وبالتالي أن تظل فقط دولة ممونة للاقتصاد الرأسمالي والرأسمالية الفرنسية والرأسمالية الأوروبية، بالمواد الخام وبالموارد الطبيعية، وقد حرمت هذه الدول انطلاقا من سياسة التقسيم الدولي للعمل حرمت من التصنيع، حرمت من مشاريع اقتصادية يتم من خلالها تحقيق فائض يصرف على البنى التحتية، حرمت من نظام تعليمي متقدم، وبالتالي يمكن القول على أن إفريقيا ظلت دائما بالنسبة لفرنسا عبارة عن مورد للمواد الطبيعية والمواد الطاقية والمواد الخام بشكل عام، وبطبيعة الحال قامت فرنسا والأبناك والمؤسسات المالية الفرنسية بإغراق هذه الدول عبر سياسة المديونية، وهي السياسة التي استعملتها الدول الاستعمارية للحفاظ على تبعية هذه الدول لفرنسا، وبالتالي استمر النفوذ الفرنسي على المستوى الإفريقي عبر الاقتصاد وعبر ارتباط الأنظمة السياسية وارتهانها للقرار الفرنسي، لذلك كانت هناك محاولات للخروج من الهيمنة الفرنسية خلال الستينيات، وبطبيعة الحال جوبهت هذه المحاولات بالانقلابات، وكما هو معلوم فإن الدول التي عاشت تحت الاستعمار الفرنسي عاشت أكبر عدد من الانقلابات في تاريخها السياسي المعاصر، كذلك ما نشهده على المستوى الإفريقي يؤكد هذا التراجع الفرنسي على المستوى الإفريقي، وهذا التراجع يمكن تفسيره باستعادة بعض الدول للقرار السيادي، وأصبحت تمتلك القرار على قرارها السياسي وعلى قرارها الاقتصادي بعدما تخلصت من المديونية.

كذلك دخول بعض الفاعلين الدوليين كالصين، وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي دفع العديد من الدول الى إعادة النظر في علاقتها مع فرنسا وبالتالي نسجت علاقات متقدمة مع الصين الدولة التي دخلت القارة في بداية الألفية بمشاريع اقتصادية كبيرة وبشعار جديد يعتمد على اتفاق رابح / رابح، كما قامت الصين كخطوة أولى بتحرير مديونية خمس دول، وبالتالي كسرت علاقة التبعية التي ربطت هذه الدول تاريخيا منذ الاستعمار بفرنسا ، كذلك المنطقة الإفريقية عرفت دول صاعدة كالمغرب ورواندا، بالإضافة الى جنوب إفريقيا، ودول أخرى على الصعيد الإفريقي كالسنيغال والتي تمكنت من تحقيق نوع من الاستقلالية سياسيا واقتصاديا، وبالتالي أصبح قرارها السياسي محكوم بالدينامية التي يعرفها المشهد الدولي والمشهد الإقليمي بالخصوص، وكنموذج أن المغرب اتجه الى إبرام اتفاقية شراكة مع شركاء جدد ومع فاعلين جدد، ومع فاعلين دوليين وإقليميين، بمعنى أن الدبلوماسية المغربية، بحكم هذه المتغيرات تنويع الشركاء دوليا، لذلك فهذه المعطيات في مجملها ساهمت بطبيعة الحال في تراجع النفوذ الفرنسي على المستوى الإفريقي، وهذا يعود بالضرورة كما قلت الى السياسات التي اعتمدتها فرنسا تجاه الدول الإفريقية والتي عملت من خلالها على استغلال ونهب ثروات المنطقة الإفريقية، ولم تساهم فرنسا في مشاريع كبرى ومشاريع تنموية لفائدة هذه الدول ولشعوب هذه القارة، وهو الأمر الذي دفع بالنخب الوطنية الجديدة الى التمرد على الفرنسيين، وهو ما يعني إبرام هذه الدول لشراكات جديدة والخروج من علاقة الهيمنة التي تربطها بفرنسا.

 

المغرب وفرنسا نموذج لهذه العلاقة المتوترة المتخذة أبعادا متعددة، هل تلمس نوعا من التحرر المغربي من القبضة الفرنسية، اقتصاديا، سياسيا، ثقافيا.. ؟

بخصوص العلاقات بين المغرب وفرنسا فهي لا تخرج عن السياق العام الذي دفع العديد من الدول الإفريقية الى تغيير سياستها الخارجية، وكما تعلم فقد اعتمد المغرب في سياسته الخارجية في السنوات الأخيرة على باراديغمات جديدة، هذه الباراديغمات عنوانها الرئيسي هو احترام المصالح العليا للمغرب، هو احترام الثوابت الأساسية خصوصا المتعلقة بالاعتراف بقضية الصحراء المغربية ودعم مبادرة الحكم الذاتي، وبطبيعة الحال ففرنسا يزعجها كثيرا أن يكون المغرب دولة مستقلة، دولة سيادية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، وأعتقد أن ما أزعج الفرنسيين أكثر هو سياسة المغرب على المستوى الإفريقي، ودخول المقاولات المغربية الى العديد من الدول الإفريقية وخصوصا الدول التي عاشت تحت الهيمنة الفرنسية وأصبحت المقاولة المغربية والمملكة المغربية المستثمر الثاني على المستوى الإفريقي، وحضور المقاولة المغربية الذي طال القطاع البنكي وقطاع التعدين والبنية التحتية، كون أن المغرب أبرم علاقات ثنائية مع العديد من الدول الإفريقية وهو الأمر الذي أزعج الفرنسيين، حيث بدأت فرنسا تمارس نوع من الضغط، ونوع من الاستفزاز، وينبغي القول أن العلاقة التي ربطت المغرب بفرنسا هي علاقة تحالف تقليدي حكمتها ظروف النصف الثاني من القرن العشرين، وينبغي الإقرار أنه كان لفرنسا الامتياز بالنسبة للمغرب على مستوى الصفقات التجارية وفيما يتعلق بالعلاقة الاقتصادية على اعتبار أن فرنسا كانت هي الشريك الأول تجاريا للمملكة المغربية، لكن منذ سنة 2013 تغير هذا الأمر وأصبحت اسبانيا هي الشريك الاقتصادي الأول للمملكة المغربية، علما أن فرنسا كان لها امتياز فيما يتعلق بالصفقات العمومية والمشاريع الكبرى، كما ظلت فرنسا وخلال مدة طويلة الحليف الأول للمغرب إن لم نقل الشريك الأول للمغرب، إلا أن النهضة الاقتصادية التي عرفها المغرب خلال 20 سنة الأخيرة وصعود المقاولة المغربية كمقاولة قوية على مستوى التنافسية مكنها من إنجاز العديد من المشاريع على مستوى الداخل المغربي، بمعنى أنه كانت هناك صفقات مرتبطة بالشركات الفرنسية، لكن كما قلت فإن المقاولة المغربية تمكنت من ملئ الفراغ محليا، قبل أن تتجه فيما بعد الى الأسواق الإفريقية والى منافسة الشركات الفرنسية على المستوى الإفريقي وهو الأمر الذي سيغضب الفرنسيين بشكل كبير، ولعل التسريبات التي نشرت مؤخرا عبر الصحافة والتي حاولت بعض المصادر الفرنسية نفيها تؤكد القلق الفرنسي تجاه المملكة المغربية، وينبغي القول إن المغرب كان واضحا فيما يتعلق بالدبلوماسية والسياسة الخارجية على اتجاهه نحو بلورة شراكات متعددة ومتنوعة مع كل القوى الدولة والإقليمية، وهو ما اتضح من خلال الشراكة الاستراتيجية التي تربطه الآن، وهي شراكة قوية جدا مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع إسرائيل وأيضا الشراكة التي تنمو مع الصينيين من خلال المشاريع الكبرى المطروحة الآن، فالمنافس الشديد الآن فيما يتعلق بمشروع القطار السريع " تي جي في " مراكش – أكادير هي الشركات الصينية، وكما قلت فهذه المعطيات جعلت العلاقات المغربية – الصينية في هذه المرحلة تمر بظروف صعبة، حيث لم يتعود الفرنسيون أن يختار المغرب شركاء جدد على المستوى الدولي وعلى المستوى القاري، وبالتالي كان رد فعل الفرنسيين هو استفزاز المغرب وممارسة الضغط على السلطات المغربية من خلال مسألة التأشيرة والتي أغضبت المغاربة بشكل كبير، وأيضا من خلال التسريبات التي تشير الى انزعاج المقاولات الفرنسية من تراجع حضورها في المغرب، وبالنظر الى موازين القوى بين المغرب وفرنسا وبالنظر الى المتغيرات الإقليمية والدولية أعتقد أن على فرنسا أن تعيد التفكير بقوة في هذه الضغوط التي تحاول ممارستها على المملكة المغربية لأنه في نهاية المطاف فالخطابات الملكية كانت واضحة فيما يتعلق بمسألة الحسم والحزم بخصوص موضوع الصحراء المغربية، وبسيادة المغرب على اقاليمه الجنوبية وبأن المغرب لم يقبل بأقل من الاحترام وأعتقد بأن الطريقة التي أدار بها المغرب الأزمة مع اسبانيا ومع ألمانيا كافية لكي تعطي لفرنسا دروس في هذا الاتجاه، بأن المغرب لن يقبل نهائيا التعاطي الاستعلائي لفرنسا فيما يتعلق بقضيته الوطنية، وفيما يتعلق بكل القضايا الأخرى، وبالتالي ينبغي على فرنسا أن تطرح السؤال فيما يتعلق بسياستها تجاه المغرب، علما أن المغرب هي الدولة الوحيدة التي تربطها علاقات وثيقة مع فرنسا، وأعتقد أن فرنسا ان فرطت بعلاقتها مع المغرب ستفقد آخر دولة صديقة على اعتبار أن الجزائر في ظل ما أًصبح يروج اعلاميا سواء داخل فرنسا أو داخل الجزائر بشأن التقارب بين الرئيس الفرنسي ماكرون والجزائر، ستكون فرنسا واهمة إن اعتقدت ان الجزائر يمكن أن تغيير حليفها الرئيسي وهي روسيا وأيضا الصين، فالجزائر وقعت علاقات استراتيجية مع روسيا ومع الصين وبالتالي فبمنطق موازين النفوذ فإن النفوذ الروسي على مستوى الجزائر هو نفوذ قوي يتجاوز بشكل كبير النفوذ الفرنسي .

وبالنظر لكون فرنسا طردت من مالي وطردت من بوركينافاسو ومن رواندا ومن العديد من الدول الإفريقية، أعتقد أنه من مصلحتها أن تحافظ على علاقتها الاستراتيجية مع المغرب، لكون المغرب يعد شريكا موثوقا به، وهو الدولة الوحيدة التي تتماهى معها فيما يتعلق بالقيم الديمقراطية والمؤسسات الحديثة.

 

هناك نظرة استعلائية لفرنسا اتجاه افريقيا في عدد من الدول، مالي، بوركينافاسو، هل تناست فرنسا أن الزمن تغير وأن هناك فاعلون جدد في الساحة الدولية لهم نفوذ في إفريقيا؟

هناك متغيرات جيوسياسية كبيرة على المستوى القاري، هناك دخول قوي للصين، هناك عودة لروسيا عبر الجانب العسكري والجانب الأمني بشكل كبير، هناك ظهور لقوى إقليمية، هناك دخول لتركيا وظهور لقوى صاعدة إفريقية، وبالتالي يتم إعادة تقسيم النفوذ على المستوى الإفريقي، على حساب النفوذ الفرنسي، لأنه في نهاية المطاف كان دائما الحديث عن كون إفريقيا فرنكفونية، والآن هناك تغير عميق على مستوى شبكة العلاقات التي تربط الدول الإفريقية بالقوى الدولية، ومن خلال هذا يمكن أن نتحدث عن أفول الدور الفرنسي على المستوى الإفريقي.