الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

ليلى عسراوي: "روتيني اليومي" عبث يعرف إقبالا لخروجه عن القاعدة والدولة ملزمة بوضع حد له

ليلى عسراوي: "روتيني اليومي" عبث يعرف إقبالا لخروجه عن القاعدة والدولة ملزمة بوضع حد له ليلى عسراوي
تحولت شبكات التواصل الاجتماعي باختلافها من منصات تضمن لمستخدميها حرية التواصل والانفتاح على العالم إلى عوالم افتراضية للترويج للتفاهة والانحلال الأخلاقي، تحت غطاء حرية التعبير، مما أثار استياء الكثيرين، ممن يطالبون بضرورة وضع حد لهذه النوعية من المحتويات وتشديد الرقابة على ما ينشر على تلك المواقع الافتراضية. وفي هذا الصدد تواصلت "أنفاس بريس" مع باحثة علم الاجتماع ليلى عسراوي، لتسليط الضوء على التسيب الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي.
 
 
ما هي قراءتك للتسيب الذي بات يخيم على منصات التواصل الاجتماعي، أيعود لإفراط منسوب الحرية أم يهدف إلى تمييع معناها؟
على الرغم من أن السوسيولوجيا تعلمنا، كما يقول الأستاذ عبد الغني منديب أن نعتمد على أحكام الواقع، وأن نستبعد أحكام القيمة، إلا أنني لا أجد كلمة تصف هذه الظاهرة ،ظاهرة ما يسمى ب "روتيني اليومي"، أحسن من كلمة "عبث" و أضع هذه الكلمة بين مزدوجتين، وأقصد بذلك أن هذا "المحتوى"، وأضع هذا أيضا بين مزدوجتين وما يسمى ب  "صانعي المحتوى "، والإقبال الذي تحظى به هذه "المحتويات " في جوهره يخلق نوعا من الغرائبية، وأقصد بذلك التكسير والتمرد على كل العادات و التقاليد وكل أنماط السلوك والتفكير المقبولة والمعتادة، وهذا هو الذي يجعل الناس يقبلون عليها، لا لشيء، سوى أنها تخرج عن القاعدة، تكسر القاعدة، تتمرد عليها، أما من حيث جوهرها فهي لا تحمل أية قيم بناءة، لا تحمل أية قيم إجرائية، كل ما تقوم به هو التمرد على العادات والتقاليد وأنماط السلوك المتعارف عليها، و الأدهى من ذلك هو أن هذه المحتويات أصبحت، تذر على أصحابها نساءا ورجالا، أموالا طائلة، مما جعل هذا "العبث"، يتكثف ويتضاعف، ونصبح في دوامة كلها عبثية، وبطبيعة الحال كباحثة سوسيولوجية، متتبعة لهذه الظاهرة، كنت أتوقع أن تتدخل الدولة للحد من هذا العبث، لأنه شيء لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، ولا يمكن أن يبقى هكذا، لأنه أولا في شكله الحالي وأدخل المجتمع في نوع من الفوضى، ومن ناحية أخرى أنه مرشح لكي يتطور، وتطوره يعني الخروج أكثر عن العادات والتقاليد والقيم وتكسيرها، مما قد يجعلنا نصل أحيانا إلى مشاهد أكثر جرأة وهذه الجرأة ليست جرأة بناءة، بل هي جرأة مهدمة ومخربة، لا تحمل أية قيم نافعة بداخلها.
 
 
من يتحمل المسؤولية، صناع المحتوى أم المتلقي؟
المسؤولية مشتركة بينهما لأن المشجع لمن نسميهم "صناع المحتوى" هو الجمهور، أي من يقبلون على متابعتهم ومشاهدة ما يقدمونه من محتوى، وهذه المشاهدة هي التي تجعل الشركات المسؤولة عن هذا الترويج تربح أموالا، ومنح أموال طائلة لصناع هذه المحتويات. 
 
كما أن صناع المحتويات هؤلاء يفتقرون لكل تكوين، فهم أناس غير متعلمين، غير مثقفين، لا يدافعون عن أية قيم، ولا أية إيديولوجية ولا أية عقيدة، هم أناس يبحثون عن الإثارة لأن هذه الإثارة تذر الأرباح، وبالتالي أنا أعتقد أن كلاهما مسؤول، ولكن هنا يأتي دور الدولة التي تعتبر مسؤولة عن تنظيم هذا الحقل، بمعنى وضع حد، لكل خروج عن العادات والتقاليد من شأنه أن يدخل المجتمع بكامله في حلقة مفرغة من العبث والفوضى واللامعنى.
 
 
ما موقفك من الحملات المطالبة بضرورة التدخل العاجل لوقف المحتويات التافهة وتشديد الرقابة المحتوى الإلكتروني؟
أنا أتفق كل الاتفاق، ودون أي تحفظ عن هذه الأصوات، التي تندد، وتدعو إلى تدخل الدولة، لأنه لا يمكن للوضع أن يستمر، وإذا ترك، فإنه سيتطور نحو إتجاهات أكثر غرائبية، وأكثر خدشا للحياء، و أكثر خروجا عن العادات والتقاليد، وستكون هذه المحتويات، أكثر ضررا على الناشئة وعلى الأجيال القادمة التي لا تمتلك حسا نقديا يجعلها تحتمي به من هذه الفوضى، ومن هذا التدمير الشامل والمطلق.