السبت 23 نوفمبر 2024
فن وثقافة

العرائش تنسج أواصر العلاقة بين شبابها وبين الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية

العرائش تنسج أواصر العلاقة بين شبابها وبين الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية

عرفت مدينة العرائش، مؤخرا، حدثا ثقافيا وتربويا غير مسبوق، تمثل في احتضانها للدورة الأولى للكتاب المغربي المكتوب بالفرنسية تحت شعار «لغة فرنسية من أجل جيل متعدد» ارتأت من خلاله التعريف بالفرنسية كلغة أدب وتعبير، لكن من خلال إبداع أقلام مغربية من واقع المجتمع المغربي الحالي، تعيش فيه وتبدع في ثنايا قضاياه واهتماماته الكبرى والمشتركة، كلغة ثانية موجودة وفاعلة ومدرسية.

 

مبارك حسني

 

شارك في هذا اللقاء كتاب من طنجة والدار البيضاء وفاس والرباط والعرائش. وهم الروائية أنيسة بلفقيه، والروائي والكاتب أحمد برحو، والروائي مصطفى بوينيان والكاتب والشاعر نور الدين محقق والكاتب والقاص مبارك حسني والشاعر والروائي عبد الواحد بناني صاحب المبادرة ومهندس الحدث وصاحب فكرته، في حين كان الكاتب عبد المجيد بنجلون حاضرا من خلال نصوصه ومداخلته القيمة بعد أن ألم به عارض صحي في آخر لحظة.

هذا اللقاء استمر أربعة أيام بفقرتين أساسيتين. الأولى صباحية وعرفت لقاءات احتضنتها المؤسسات التأهيلية الثلاث بالمدينة، ثانوية سيدي محمد بن عبد الله، وثانوية ماء العينين، وثانوية بن شقرون والكلية المتعددة التخصصات بالمدينة. ففي ثلاث صبحيات متتالية، ضمن الفقرة الأولى، تناوب الكتاب على زيارة هذه المؤسسات التعليمية التربوية، وقدموا تجربتهم في مجال الكتابة عبر حوارات مفتوحة وشفافة ومفيدة، رفقة أساتذة اللغة الفرنسية بالمدينة. أما الفقرة الثانية فدارت رحاها بالمكتبة الوسائطية عبد الصمد الكنفاوي التي يشرف على إدارتها الأستاذ محمد بوراح، وتمثلت في ثلاث أمسيات ذات طابع موضوعاتي حول الشعر ثم الرواية وأخيرا القصة القصيرة، عرفت مداخلات للكتاب الضيوف كل في مجال تخصصه الإبداعي، أعقبها نقاش حميمي وثري، تناول كل جوانب الكتابة باللغة الفرنسية في المغرب، مع توخي التأكيد على الطابع الإبداعي الأدبي، وتوخي الحديث عن مآل هذا الجانب من الإبداع المغربي الذي يسعى إلى القطيعة مع تصور سابق مفارق وغير منخرط في الهم المغربي العام. ومن أجل ذلك ركزت مداخلات الكتاب على الأدب والتعبير الحر غير المرتبط بالغرائبية وإرضاء الآخر، بل فقط بتعميق النص والوفاء للكتابة القوية الرصينة المتقنة.

والحق أن هذه الايام الثقافية التربوية، حسمت مع أمور شتى. أولها أنها أبانت عن وجود قراء مغاربة من شباب وراشدين متعطشين للتقرب والتعرف على الأدب المغربي وكُتابه. وأبانت ثانيا عن كون تنظيم لقاءات من هذا القبيل أضحى ضرورة حيوية ملحة ويجب تشجيعها ودعمها بقوة.

أمر رائع أن تجد مدينة تفتح مؤسساتها التربوية التعليمية لمدة ثلاثة أيام متتالية للكتاب والكاتب في حضرة أساتذة، كي تعلي من شأن ما هو ثقافي في شقه المكتوب.

العرائش حازت سبقا جميلا، وتمكنت من إحياء سنة طيبة وإشعاع لطيف سيذكر حتما كفعل تأسيس لتقليد لا مناص من اتباعه في أفق تقوية المجال التعليمي، وتمكين المتعلمين من استيعاب الإبداع عبر ممارسيه وإنتاجهم مغربيا وليس فقط أجنبيا.

كانت اللقاءات، سواء الصباحية أو المسائية، فرصة سانحة للوقوف على مدى حاجة المغاربة إلى منتوجهم في المجال الرمزي، ذاك الذي يعبر عنهم وينطلق منهم. وفي الوقت ذاته وقف الكتاب الحاضرون على مدى ما يمكن أن تقدمه كتبهم للقراء وما يمكن أن يساهموا به في تنمية العقول، وتهذيب الذوق، وإمتاع النفس. لقد كانت الفائدة مزدوجة من الجانبين، كتابا وأساتذة وتلاميذ ومثقفين حاضرين. وتستحق اللجنة المنظمة الإشادة بسهرها على حدث ثقافي يروم الناشئة والراشدين على حد سواء.

الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين وخاصة نيابة العرائش، المجلس البلدي والعمالة، والمكتبة الوسائطية، وجمعية أصدقاء المكتبة الوسائطية، وشبكة القراءة العمومية، وأساتذة ومثقفون... كل هؤلاء جعلوا من العرائش مركزا للتثقيف والتوعية احتفاء بالكتاب. والكتاب المغربي المكتوب بالفرنسية وجد فيها فضاء للتنفس بحرية جميلة، وقدرا إشعاعيا كأفق كتابة يمتزج فيها الشعري الشفيف بالمتخيل القصصي المركز الممتع برحاب الروائي الواسع، في بيئة مغربية تستطيع رفده بقوة وبعمق كي يعبر ويتجدد، ويبرق نصوصا مفتوحة ومنسوجة بخيوط الإبداع المتعارف عليه عالميا.