على عكس ما تحظى به المدارس العليا من اهتمام وعناية في الدول التي تحرص على مستقبل مواطنيها وتُقدر عصارة نخبتهم الطلابية، هو حال نظيراتها ببلدنا، سواء من حيث معاملات التجاهل، أو احتشام إجراءات المتابعة الذي يجعلها مرتعا لكل سلوكات سوء التدبير والانحرافات البعيدة كل البعد عن المبادئ التربوية قبل الحديث عن الأخلاقية. لذلك، لم يعد غريبا أن يصير الاحتجاج والتوقف الدراسي من حين لآخر شعار طلبة هذه المدارس، والعلامة المميزة لردة فعلهم بكل أرجاء الوطن.
إعداد: المهدي غزال
المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بتطوان، كلية العلوم والتقنيات بطنجة، المدرسة الحسنية للأشغال العمومية، المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بسطات ومثيلتها بمراكش، والأقسام التحضيرية للاقتصاد والتجارة شعبة التكنولوجيا، بالإضافة إلى المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة. كلها مؤسسات وغيرها تقاسمت في الآونة الأخيرة لعنة الإصابة بحمى الاحتجاج على ما يعتبره الطلبة تدهورا مقلقا في مجريات الحياة الدراسية، واستفحالا رهيبا لمجموعة من الظواهر الكارثية التي لم تجد بعد من يملك جرأة إيقاف نزيفها من المسؤولين. وبذلك، تنوعت الأشكال التنديدية بين مقاطعة الدراسة والوقفات والمسيرات والاعتصامات التي ذهبت إلى حد شحذها بضغوطات «الأمعاء الفارغة» مثل ما قام به طلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة منتصف الشهر الجاري، بعد أن استنفدوا كل تعبيرات الاستنكار وآليات لفت الانتباه. وعلى الرغم من أن آخر الأخبار تشير إلى انتزاع هؤلاء الغاضبين لموافقة الإدارة على تلبية مطالبتهم بعد شهر كامل من المفاوضات وهجر قاعات الدرس، إلا أن ذلك لا يعني بلوغ منتهى الأمنيات طالما أن أشباح الفساد مازالت تحلق بالأجواء، ومن المحتمل جدا أن توقظ الفتنة في أي وقت من الأوقات.
مدارس عليا بتسيير متدن
«توصلنا إلى توافق مبدئي مع الإدارة لن يثنينا بطبيعة الحال عن الاستمرار في مواصلة السهر على حماية حقوقنا بكل الوسائل المشروعة، وتأكيد قوتنا النابعة من بساطة مطالبنا كطلبة لا يسعون إلا للدراسة في ظروف تتوافق والرغبة الأكيدة في خدمة هذا الوطن الذي يعول علينا للدفع به إلى مراتب أرقى من تلك التي يقبع فيها الآن»، يقول أحد طلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة، مفضلا عدم الكشف عن اسمه كما هو حال جميع أصحاب الشهادات الموالية، ليخلص المتحدث إلى أنه ليس من شأن كسب هذا الشوط إلا أن يحفزه وزملائه على بذل جهود أكبر من أجل محاربة كل التجليات التي يحاول مفبركوها بشكل أو بآخر وضع العصا في عجلة مسيرتهم التعليمية. ومن جهته، أكد طالب آخر أن حدث النسبة الضئيلة جدا لعدد الناجحين في الدورة العادية، والذي كان السبب الرئيسي في اندلاع الاحتجاجات بطنجة، ليس إلا القطرة التي أفاضت الكأس، وواحدا من بين خروقات كثيرة يدفع ثمنها الطلبة منذ مدة طويلة. وضرب مثالا بلجوء بعض الأساتذة إلى تدوين أسماء الطلبة الذين اقتنوا كتبهم وأحيانا مصاحبتها بصورهم، وبالمقابل الانتقام ممن لم يشتروها من خلال عملية التنقيط، بل بلوغ الأمر مرات عديدة درجة الإهانة والقمع والاستفزاز المجاني.
من فضاءات للتكوين إلى مرتع للمتاجرة والابتزاز
لا يقف الموضوع عند هذا الحد، يقول طالب بالمدرسة، وإنما يتعداه إلى اعتبارات تجارية محض تفهم من زاوية مساهمات مجموعة من الأساتذة في مدرسة خاصة تتبنى نفس البرنامج المتبع بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، علما بأنهم يستفيدون أيضا من رواتب كأساتذة بتلك المدرسة التي تستخلص من مجموع أداءات الطلبة التي تصل إلى 25000 درهم سنويا. وهنا تظهر فروقات التمييز، يستطرد الطالب، إذ تكون كل الأسباب ميسرة لطلبة المدرسة الخاصة من أجل متابعة تكوينهم بسلك «الماستر» داخل المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير. ودائما في سياق تهمه الموجهة إلى بعض الأساتذة، والتي تطبخ بتواطؤ مع جهات أخرى، حسب قوله، أشار هذا الشاب إلى أنه وخلال اجتماع ممثلي الطلبة مع رئيس جامعة عبد المالك السعدي حضر بعض الأساتذة فقط لإغراء الطلبة المجتمعين بامتيازات معينة لغاية حث زملائهم على التراجع عن الشكايات التي يُلوِّحون بها ضد مدرسيهم. وبالتالي توظيفهم كآلة تحكم عن بعد لمحاولة امتصاص تلك التوترات، إنما وبحس واع وتقدير لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم رفضوا مجرد الدخول في مناقشة تلك المساومات، حتى أنهم شهروا بها ونشروا تفاصيلها على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي في إشارة قوية إلى تماسك أعضاء الجسد الطلابي وقدرته على نسف أي رغبة خسيسة في حلحلته.
وزارة ترى، تسمع، ولا تتحرك
في تشخيصها لموقع الوزارة الوصية من هذه الوضعية، حملت طالبة جزءا كبيرا مما يجري من فوضى تدبيرية إلى المسؤول الحكومي لحسن الداودي ومن يدور في فلكه، على اعتبار أن الوسط التعليمي في حاجة إلى الوقاية قبل التشدق بنوايا العلاج «احنا محتاجين لمراقبة نابعة من الأصل تحمينا من أي تشويش على مسارنا الدراسي، وتبعث رسائل لكل من له أطماع في الإساءة للنظام التعليمي الوطني بأن هناك محاسبة حالة الخروج على النسق الذي وجدت من أجله هذه المؤسسات. ماشي حتى يوقع الفاس فالراس عاد نبقاو نسمعو را الوزارة غادي تتدخل. أسيدي كون كانو دوك الناس عارفين باللي الوزارة قادرة بشغلها مانوصلوش لهادشي كامل». وبعبارة «المفسدين غسلو يديهم على وزارة التعليم العالي إلى درجة والله حتى كانسى واش كاينة فعلا وزارة بذاك الاسم»، بدأ طالب عتابه الذي جاء فيه أيضا أنه من المؤلم جدا أن يصطدم الشاب وهو في المرحلة الأخيرة من تكوينه بسياسة حكومية لا تأخذ بعين الاعتبار المسار الطويل الذي تم قطعه إلى حين بلوغ حق الولوج إلى هذه المدارس غير المفتوحة، كما يعلم الجميع، في وجه أي كان، كما لا تضع نصب أعينها خطر هجرة هذه العقول إلى البلدان التي تُقدر قيمتها، مع أن البلد في حاجة ماسة إليها. لكن ورغم ذلك، يتأسف الطالب، نجد الوزارة مازالت «في دار غفلون» ولربما لا تدري بأنها تمنح بطريقة غير مباشرة تأشيرة الصلاحية لكل من له ميول للعبث بالقطاع، مع تركه رهينة أباطرة المصلحة الخاصة ومهندسي مخططات المحسوبية.
هذا، وفيما شددت شهادة على أمل صاحبتها في أن تكون هذه الأحداث التي تشهدها المدارس العليا من احتجاجات صفعة لكل من يهمه الأمر لغاية إعادة النظر في النهج المتبع من لدن «الداودي واللي معاه»، أقر طالب بأن الواقع «لم يعد يحتمل المزيد من الخبطات العشوائية، وحان الوقت كي نحسم في ضرورة الاقتناع بأننا إما أن نكون أو لا نكون. ونفهم كذلك بأنه ماشي عيب اللي ماقدرش على شي مهمة يعترف بالعجز قبل مايحط السوارت ويزيد خلفة».
ماذا بعد وصول ملف مدرسة طنجة إلى البرلمان؟
طرح أي ملف على طاولة البرلمان يظل أملا مرغوبا لأصحابه في كل الأحوال، لكن التساؤل الذي يبقى معلقا هو مدى الصدى الذي يمكن أن يخلفه ذلك النقاش والخلاصات التي تنتهي إليه. بمعنى هل سيكون التجاوب على قدر أهمية الموضوع، أم أن الأمر لن يعدو سوى في خانة الإجراءات الروتينية تنسى بمجرد استنفاذ مقدمها للوقت الزمني المخصص له. وفي هذا الإطار، طالب النائب البرلماني عبد اللطيف بروحو، محاسب مجلس النواب، بفتح تحقيق عاجل في المشاكل التي تعرفها المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمدينة طنجة، والوقوف على الظواهر السلبية التي تعيشها خاصة وأن عددا من أساتذتها يملكون مدارس ومعاهد خاصة تشابهها في البرامج والمناهج، مما يؤدي إلى الإضرار بمستوى الدراسة. كما التمس النائب عن دائرة طنجة من وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي إيفاد لجنة علمية متخصصة للاطلاع على أوراق الامتحانات المتنازع بشأنها، وتمكين ممثلي الطلبة وأولياء أمورهم من الطلب ذاته، مع اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في هذا الشأن.