الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

العياشي الفرفار: طوطو الشفاف؟

العياشي الفرفار: طوطو الشفاف؟ العياشي الفرفار
في نقاش مع صديقي عمر المتوكل حول تصريحات مغني الراب طوطو، قال لي تعليقا على الحدث والضجة وحجم الإدانة ومسؤولية الجهة الراعية، أن الأمر بسيط يكفي ترجمة الكلمة موضوع الضجة  إلى اللغة العربية، وسيختفي المشكل. 
جواب صديقي فيه الكثير من المعقولية لاسيما ان اللغة العربية تمتص العنف و تحويه؟.
أجبته أن طوطو وعشاق الراب لا يبحثون عن الحلول، وإنما الصدام من الواقع .  
تصريحات مغني الراب اثارت الكثير من الجدل والنقاش، حين تحدث بجمل خادشة للحياء العام، وتحدث عن استهلاك المخدرات الصلبة في مهرجان ترعاه وزارة الثقافة والشباب. 
النقاشات حول التصريح تستدعي فتح نقاش من أجل الفهم أولا، والتفكير في الوقائع دون تجاوز أو القفز على الواقع.
حجم الإدانة يكشف أننا امام رأي عام، ما زال متمسكا بقيمه الصلبة المؤسسة على الحياء.
 لكن، ماذا كنا ننتظر من مغني الراب، هل ننتظر أن يكون مؤذنا، واعضا، مرشدا أو حتى خطيبا يحدث الناس عن الخير والشر، والحلال والحرام.
و حكاية طوطو وحجم العنف الذي يصاحب حفلاته يستدعي فتح نقاش بدل خطاب الإدانة والشجب.
طوطو مغني الراب وتصريحاته وأغانيه تخفي أكثر ما تكشف، رمز جيل قرر أن يحتج عن طريق الغناء، مما يفرض أن ننصت لهم، والتواصل معهم بدل تركهم في عوالم معزولة، على الأقل لمعرفة كيف يفكرون. 
الواقع إذا لم ننصت له ينتقم حسب تصور السوسيولوجي جاك، وهو ما يعني إتاحة فرصة لهم لكي يتكلم دون اختزال أو تجزيئ.
العنف، التردي التراخي، التفكك القيمي، ارتفاع منسوب الجريمة، ارتفاع نسب الطلاق، العنف، المخدرات، جرائم الشرف  والعنف السيال الشوارع وبالمؤسسات التعليمية من طرف أطفال  في مواجهة أساتذتهم يثير الكثير من الدهشة.
هؤلاء الأطفال أطلقوا على أنفسهم جيل 2000 لم يسمع لهم أحد، فأصبحوا الآن واقعا عنيفا ينتقم من الجميع حتى عن طريق الغناء/ الفن العنيف.
طوطو لا يغني لكنه يحتج وينتقم، ولعل القاعدة الجماهيرية التي تدعمه تكشف أننا أمام جيل جديد قرر أن يحتج وينتقد بطريقته من خارج المؤسسات، وليس من داخلها ومن خارج قيم المجتمع عبر تبخيسها. 
 ثمة مثال أمامنا، ثورة الطلاب بفرنسا 1968 حين سأل طالب وزير التعليم  العالي هل يعرف  المشاكل الجنسية للشباب الفرنسي؟ أجابه الوزير غاضبا: ارم نفسك في الماء لكي تبرد.
الحدث البسيط / الشرارة تحول إلى احتجاج طلابي بعد أن حاولت الجامعة طرد الطالب .
الواقعة تكشف أن عدم عدم إلانصات  دفعت الشباب الى التمرد من أجل الهدم وإعادة بناء نظام جديد يستوعب آرائهم وأفكارهم.
ما قاله طوطو وما عبر عنه هو سلوك مرفوض وغير مقبول اخلاقيا، لكن خطاب الادانه ليس حلا. وأن المسؤولية الاخلاقية والمعنوية تتحملها الجهة الراعية للنشاط، والتي تعرف مسبقا أن الراب مؤسس على التشهير والعداء والعنف. 
بغض النظر عن طبيعة الراب وأصوله الافريقية قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة حيت أصبح وسيلة احتجاج من طرف المهمشين والمتسكعين وقطاع الطرق وتجار المخدرات.
ظاهرة الراب اصبحت ظاهرة اجتماعية تستدعي فهما وتفكيكا، بدل خطاب الشجب والادانة، ومحاولة تدبير الموضوع اخلاقيا باعتباره زيغ وانحراف ومضيعة وقت.. 
أصبح من اللازم فتح اعيينا على الظاهرة من أجل فهم الظاهرة، في افق التعامل معها بدل منطق التجاهل واغماض العينين امامها 
موسيقى الراب "الراب" وسيلة تعبير جديدة ، وإداة بناء هوية جيل جديد يعبر عن مواقفه، وعن  واحتجاجه  وسخطه.
الرصد البسيط لمضمون الأغاني يتضح انها تشكل خروجا عن القيم وعن  المؤسسات، مؤسسة على نظرة رافضة تعادي السياسة والسياسيين، وتكره المؤسسات الاجتماعية والحكومية، وهو ما يجعل من الراب وسيلة تعبير سياسي لجيل ساخط على الوضع، يحتج بطريقته من خلال موسيقى رافضة للقيم ومنحازة لغة الشارع وللهامش تتغذي من معجم سفلي مسكوت عنه بحمولات جنسية عنيفة. 
الراب ليس مطرا نزل من السماء، أنه منتوج اجتماعي والدليل أن عدد المنخرطين فيه والمهتمين به، والمتفاعلين معه يشكل غالبية الشباب و هو ما يعكس انه يمثل فكرا وظيفيا وأداة تعبير عن سخط شبابي.
مغنو الراب ليسوا كائنات فضائية، وإنما هو شباب من مجتمعنا يسكنون الهامش أو على الأقل يوجدون في الهامش، فانحياز الشباب الغاضب في ظل وضع اجتماعي وسياسي مغلق حيت ارتفاع نسبة البطالة وتعطل مؤسسات الوساطة الاجتماعية، لاسيما مقرات الأحزاب التي تظل مغلقة، تتحول إلى مجرد دكاكين سياسية فارغة تفتح أبوابها في فترة الانتخابات وبشكل موسمي كلها عوامل تشكل أرضية لنمو الظاهرة الاحتجاجية الحاقدة كظاهرة غنائية، إضافة إلى توفر جميع أنواع المخدرات كلها معطيات بنيوية ساهمت في اللجوء إلى أساليب التعبير العنيف عن واقع عنيف. 
ما يقع من خصومات بين مغني الراب يشكل مادة للفرجة لجيل تائه اصبح الشجار عنده نوعا من الحوارو من  التواصل، ما القيم والعادات والفضيلة والأخلاق فهي مفاهيم اركوليوجية قديمة يجب تجاوزها أو حتى السخرية منها و الاعلاء من خطاب جسدي فج ومتمرد. 
اعتقد أن موسيقى الراب هي شكل من اشكال الاحتجاج والغل الاجتماعي، وجد طريقه للتعبير عن ذاته، في شكل فوضى تحاول تجميع الممنوع والمقزز في ايقاع موسيقى صاخب.
أن الراب هو بلا شك نمط تعبير عن جيل تائه يحاول أن يحول الفوضى التي تحيط به إلى نظام غنائي يعبر به عن ذاته وعن همومه واخفاقاته. 
ربما الراب هو أسلوب احتجاج اكثر منه أسلوب غناء، لذا فهو رسالة سياسية لشباب غير راض على واقع اجتماعي صعب وسميك لا يحقق له انتظاراته ورغباته . 
ادماج شباب الراب في النسيج الاجتماعي والسياسي يرتبط بفعل سياسي قاعدي يعيد للشباب قيمته،  ولكي يعبر عن صوته وعن قلقه بلغة مؤدبة مقبولة ولطيفة غير ذلك سيستمر مسلسل إلغاء العنيف.
 لذا فطوطو مواطن شفاف عبر عن ذاته ، لكن يبدو ان المشكلة تكمن فن نظرتنا الاخلاقية للواقع، وأننا نريد أن من طوطو أن يتجمل لنا و يتحدث بلغة نقية صافية لا علاقة لها بالواقع الذي يعيشه شباب الراب . 
يبدو أن طوطو شفاف لانه عبر عن الواقع الذي لا نرغب في رؤيته.