الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي:الفاشية الجديدة تعود لحكم إيطاليا بنجاح جورجيا ميلوني

يوسف لهلالي:الفاشية الجديدة تعود لحكم إيطاليا بنجاح جورجيا ميلوني يوسف لهلالي
هبت من جديد رياح الفاشية الجديدة على إيطاليا وحملت ورثة موسيليني الجدد إلى الحكم في أحد أكبر البلدان الأوربية واحد المؤسسين للاتحاد. وبعد سبعة عقود على نهاية الحرب الكبرى، حيث قادت النازية والفاشية حربا باسم مبادئ عنصرية ومن أجل الاستحواذ على المستعمرات اشعلت اكبر الحروب في تاريخ الإنسانية وقلبت الوجه الجيوسياسي للعالم، وأدت الى اختفاء امبراطوربات استعمارية كبرى راحت ضحية هذه الحرب، وبروز عالم جديد تقاسمت شؤونه أمريكا والاتحاد السوفياتي، قبل ان يختفي هو الاخر لتبقى أميركيا كقوة وحيدة في عالم اليوم.
الأجيال الأوربية والإيطالية التي ازدادت بعد الحرب الكبرى نسيت هذا الماضي الدموي لهذه الأيديولوجيات الشمولية والدموية، وعدد كبير من الشباب الأوربيين الذين صوتوا على جورجيا ميلوني بإيطاليا يعتقدون أن الفاشية هي مجرد الدفاع عن إيطاليا والعائلة حول كأس جعة في أحد حانات الحي، من خلال سب اوروبا والديمقراطية وتحميلها كل مشاكل إيطاليا، حيث يتم الحديث عن موسوليني كجد يحلم بالخير لإيطاليا ولم يتوفق في ذلك. الجميع نسي الحروب وملايين الضحايا والخراب والدمار بسبب هذه الأفكار خاصة باوربا التي مازالت بها بعض ندوب هذه الحرب حتى الان. اليوم الجميع يتحدث عن فاشية "لطيفة" وبدون سلاح.
عودة أفكار الفاشية والنازية لا تقتصر على إيطاليا، رغم انها سوف تتزعم الحكومة بجانب أحزاب عنصرية وأخرى محافظة. بل ان هذا التيار، وصلت زعيمته مارين لوبين الى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية الأخيرة بفرنسا لثاني مرة، وادخلت الى البرلمان الفرنسي أكبر فريق برلماني لليمين المتطرف في تاريخ فرنسا. بالإضافة الى السويد حيث ان حزب لحليقي الرؤوس اسسه النازيون الجدد يعتبر أكبر الأحزاب التي سوف تشكل الائتلاف الحكومي المقبل. وسوف يدعمون أحزاب أخرى تشبهم في التوجه تحكم سواء في هنغاريا او بولونيا.
وإذا تمكنت جورجيا ميلوني التي فازت في الانتخابات التشريعية ليوم الأحد الماضي من تراس الحكومة، سوف تتاح لحزب تعود جذوره إلى الفاشية الجديدة فرصة حكم البلاد للمرة الأولى منذ عام 1945. وهي سابقة في أحد البلدان الاوربية الأساسية.
وتعتبر إيطاليا إحدى الدول المؤسسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، كما ان مواقفها الشعبوية تجاه بروكسيل يمكن ان تؤدي الى أزمات سياسية كما وقع مع شبيهها وحليفها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
وفيما يخص الموقف من العملة الاوربية اليورو، مثل زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن، تخلت ميلوني في نهاية المطاف عن مشروعها القاضي بالخروج من اليورو لما يمكن ان يتسبب فيه مثل ذلك القرار من كوارث اقتصادية، لكنها تطالب بـ"مراجعة قواعد ميثاق الاستقرار" المعلقة بسبب الأزمة الصحية والتي تحدد سقف العجز في ميزانية الدول بـ3%.
والتحالف الذي يقوده حزب فراتيلا ديتاليا مع كل من الرابطة اليمينية المتطرفة بقيادة ماتيو سالفيني وحزب فورزا إيطاليا المحافظ بقيادة سيلفيو برلسكوني، الذين خصلوا تقريبا على 47% من الأصوات. وضمن هذا التحالف لنفسه غالبية المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ.
حزب فراتيلي ديتاليا والرابطة حصلا معا على "أعلى نسبة من الأصوات التي سجلتها أحزاب اليمين المتطرف على الإطلاق في تاريخ أوروبا الغربية منذ عام 1945 إلى اليوم"، بحسب المركز الإيطالي للدراسات الانتخابية.
وحال اعلان فوز جوريا ميلوني بالانتخابات الإيطالية بدأ التراشق عبر تويتر بينها وبين رئيسة المفوضية الاوربية وكتبت في تغريدتها «في أوروبا، إنهم قلقون جميعا لرؤية ميلوني في الحكومة (...) انتهى العيد. ستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها القومية". وكان رد أورسولا فون دير لايين إلى أن لدى الاتحاد الأوروبي "أدوات" لمعاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة." في إشارة الى القيم الفاشية التي تحملها رئيسة الحكومة الجديدة والتي تتعارض مع قيم اوربا ما بعد الحرب.
زعيمة الفاشيين الجدد بايطاليا، بعد الفوز وتشكيل الائتلاف، تنتظرها تحديات حقيقية تمس الحياة اليومية للإيطاليين، سيكون عليها معالجة الأزمة الناجمة من الارتفاع الحاد في الأسعار في وقت تواجه إيطاليا دينا يمثل 150% من إجمالي ناتجها المحلي، أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان. وفي هذا السياق، إيطاليا بحاجة ماسة لاستمرار المساعدات التي يوزعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته للإنعاش الاقتصادي بعد وباء كورنا والتي يمثل هذا البلد أول المستفيدين منها وبفارق كبير عن الدول الأخرى .فهل ستختار المساعدات الاوربية او التحالف مع وراسو وبيدابيست.
وهو ما يجعل هذا الفوز لليمين الفاشي الايطالي يثير مخاوف المستتمرين في بلد جد مثقل بالديون ويعول كثيرا على الدعم الأوربي،وهو ما جعل بيرلوسكوني حليفها في الائتلاف يطمن حول استمرار التعاون مع اوربا ومع الحلفاء.
وصول حفيدة الفاشية بايطاليا سوف يعقد ازمة الهجرة عبر المتوسط من جديد، حيث من المقرر كما وعدت اثناء الحملة الانتخابية إلى إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنويا عشرات آلاف من المهاجرين، وهو ما يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية التي تغيث المهاجرين الذين يعبرون البحر في مراكب متلاشية هربا من البؤس في إفريقيا. والجميع يتذكر الازمات التي تسبب فيها حليفها ماتيو سالفيني الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في حكومة جوزيبي كونتي (2018-2019) "والذي تسبب في ازمة مع فرنسا وأروبا حول تدبير قضايا الهجرة. وهو ما يعني ان الاستعمال السياسي لملف الهجرة سوف يعود الى الواجهة في ظل تضارب المصالح بين البلدان المشكلة للاتحاد.