الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: وزير المقابر والمدارس العليا 

إدريس الأندلسي: وزير المقابر والمدارس العليا  إدريس الأندلسي
قليل ما جاد الزمان بمثله.عالم يقال أن أهل الفرنجة بعثوه رسولا إلى إحدى جامعاتنا في مدينة عريقة كانت الأولى التي شهدت تأسيس أول نظام تعليمي بالمغرب وجامعة بن يوسف. ولكثير من المؤرخين رأي في الموضوع  ولكن جمعية خريجي هذه الجامعة أكدوا بالحجة على ذلك. المهم هو أن وزيرنا المغربي القادم إلينا مثقلا بشواهد  وتجارب، ويقال، والله أعلم، بكرم فرنسي أغدق عليه  ليتراكم مع راتب كريم وكبير بكل المقاييس الإقتصادية التي تدرس بالجامعات عبر العالم  وعبر التراب المغربي الأصيل.
 
حل ضيفا على برنامج يديره بكل "فنية " وأكاد أقول كروية الصحافي الرمضاني. أن يحب الوزير "الميراوي" أغاني الشيخات فهذا حقه وأن يرى أن تدريسها مطلوب، فهذا رأيه  ولكن الفن الشعبي الثراتي لا يدرس إلا في بيوت أهل الصنعة لممارسة العيطة  وتعلم مكامن أوزانها وطريقة التعامل الصوتي مع مضامينها. أما تحليل مضامينها باعتبارها أدوات للتحليل النفسي والانتروبولوجي والسياسي والجمالي فلا يمكن تدريسه إلا في المقابر حسب السيد الوزير الذي يعتبر كليات الآداب والعلوم الإنسانية مقابرا ليس إلا..

رحلت عن دنيانا أيها الأستاذ  وأيتها الأستاذة. أقصد علماء علم الإجتماع من أمثال فاطمة المرنيسي ومحمد جسوس  وذلك العبقري الذي رشح لجائزة نوبل " محمد الحبابي" وعبد الكبير الخطيبي. وأتمنى أن لا يحزن من وهبوا حياتهم للثقافة  وعاشوا  وهم يسمعون  في هذا الزمان البئيس من ينعت كليات الآداب  والحقوق بالمقابر. وزير لا يحمل أي وزر يبعث اليأس في نفوس عشرات الآلاف من شباب المغرب. أعرف أنك تتكلم بلغة تعطي الأولوية لنخبة النخبة. ولكن أمثالك وهم الأهم في هذا الواقع المرير لا علاقة لهم بواقع المغرب الصامد. لولا كليات الآداب  والحقوق، لأقفلت المدارس والمحاكم  وساد الظلم  والظلام في كل شبر. حول المقابر تجد الكثير من الجهات فرصة للتكفير لا للتكفير. ولعلمك يا وزير المقابر، فأغلب الفكر الإرهابي لهم تكوين علمي  وهندسي وفي علوم الكمبيوتر ولكن لم يكن لهم ذلك الفكر "النقدي" الذي يقيهم من قبول كل سلوك إنساني على أنه حقيقة مطلقة. 

لا أعرف يا وزير المقابر، وأؤكد على ذلك لكونك قلت أن هذه المقابر تشكل 80% من المنظومة التعليمية الجامعية التي أنت المسؤول السياسي الأول عليها، إن كنت على علم أن معرفة التاريخ والجغرافيا  هي سلاح من أجل حماية  وحدتنا الترابية. أوافقكم على أن ثلة العلماء والمهندسين  وكافة خريجي المعاهد التي تعتبرونا  مؤسسات مهمة بالنسبة لخريجيها  وللاقتصاد الوطني. ولكن الوطن لا يحتاج فقط إلى خريجي المعاهد التي تتخرج منها نخبة النخبة. الوطن يحتاج إلى المعلم  وأساتذة التاريخ  والفلسفة  والأدب وعلم الإجتماع وغيرهم ممن سيعيشون حياتهم براتب متوسط لا يلبي كثيرا من حاجياتهم.  السيد وزير المقابر يحب فن "الشيخات"  وهذا ما تبين من خلال تفاعله مع استفزازات الرمضاني الفنية ذات الطابع المهني. 

حرام على أمثالي كما هو محرم علي ترك  الخلط بين الحابل  والنابل. في زمن قريب مضى، كان طلبة جامعات المغرب في كافة تخصصاتهم يحملون الوطن على أعناقهم. الموقف السياسي والإجتماعي لم يكن سجين نوعية التخصص ولا مفرقا بين الطبيب  والمهندس وأستاذ العلوم الانسانية  والآداب. والكثير من المناضلين  من أجل إستقلال المغرب ومن أجل بناءه الحقوقي  والدستوري  والثقافي  والإقتصادي كانوا لا يفرقون بينهم بحكم تخصص أكاديمي.  الكل كان يعمل من أجل رفعة الوطن. والآن يقول وزير التعليم العالي بكثير من الثقة أن كليات الآداب  والحقوق هي مقابر.  وكما قال أهل الصوفية "كل ما فوق التراب تراب". ونسي السيد الوزير المحب لفن الشيخات أن المرحوم الحسن الثاني كلف محمد عزيز الحبابي بتنظيم مؤتمرعالمي في المغرب حول الفلسفة. الأوطان يا وزير المقابر وبعض المعاهد العليا  تبنى اعمدتها بالعلم والتكنولوجيا ولكن الأساس يبنى بعلوم اللغة  والتاريخ  والجغرافيا والأثنوجرافيا وعلم الإجتماع  والسياسة. وكل هذه العلوم جعلت من عظمتها مقابر. لك الله يا وطني أمام أحزاب تحكم وتولى بعض أشباه المسؤولين أمورك. أسمح لي يا وطني وأسمح لمن يحبوك لأن علوم الإنسان تدرس في المقابر.