الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: جريمة قتل الأمل في علاقات طبيعية بين المغرب والجزائر

يونس التايب: جريمة قتل الأمل في علاقات طبيعية بين المغرب والجزائر يونس التايب
يجمع العارفون بتاريخ العلاقات المغربية الجزائرية، أن حالة العداء لم تبلغ يوما ما هي عليه حاليا من عنف رمزي وتحامل مقيت تعكسه الحروب الديبلوماسية الشرسة التي ترعاها الجزائر على كل الواجهات ضد المغرب، مع تجنيد آلة للتحريض في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تروج لإساءات فيها من قلة الحياء والعفة، حين الحديث عن المغرب بشعبه ومؤسساته، ما لا تنسجم مع أخلاق ولا منظومة قيم.
الغريب أنه، في هذه الأيام بالذات، تصدر عن الدولة التي تقول أنها تريد تنظيم قمة لتوحيد الصف العربي، خطابات العداء والتطاول على المغرب ورموزه، في وسائل الإعلام الرسمي والخاص، وفي وكالة الأنباء الرسمية، ومنصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، باستعمال لغة مشينة وتعابير فاضحة لا تليق بعالم السياسة والديبلوماسية والإعلام. وهذه المفارقة تطرح أكثر من سؤال، منها: إلى أين يريد النظام الجزائري السير بهذا الحقد العدواني الأعمى الذي يهدد بإشعال المنطقة وإدخالها في دوامة عنف مدمر...؟
هل بهذه السلوكات توفر الجزائر أجواء لتشجيع المغرب على المشاركة في القمة العربية المقبلة؟ أم أن ما يجري يحيل على الحقيقة المسكوت عنها، بأن مشاركة المغرب غير مرغوب فيها حقيقة من طرف النظام الجزائري، وأن الدعوة الرسمية ليست سوى للاستهلاك الإعلامي ولترضية الدول العربية التي طالبت النظام الجزائري بتوجيه الدعوة للمملكة...؟
ما من شك أن ما تنشره المنابر الإعلامية الجزائرية، بشكل يومي، من كلام بديء ومقالات مسيئة لبلادنا وشعبنا، يؤكد أن جهات في النظام الجزائري ترغب في تأجيج العداء بين الشعبين المغربي والجزائري حتى يصل إلى نقطة اللاعودة، عبر شبكة من عملائه ومن التابعين الذين تم تكوينهم على ترويج الكذب وتزوير الحقائق، وبناء الخطاب التواصلي على السب والشتم بكل أنواعه.
والمؤسف، أننا لا نسمع أصواتا تعبر عن جزء من الشعب الجزائري نحسب أنه يرفض الغوص في مستنقع الإساءات والعداء المجاني للمغاربة. في المقابل، أصوات الكره تتحرك في كل الواجهات، بشكل يؤكد أن نظام البروباجندا العسكرية والاستخباراتية قد نجح في تدجين جزء مهم من المجتمع الجزائري، الذي أصبح يهيم في الأرض بلا عقل ولا أخلاق، لخوض حرب "مقدسة" ضد المغرب على مواقع التواصل و بلاطوهات الإعلام المرئي، بأسلوب هيستيري تغيب عنه أية قدرة على الحوار الهادئ أو المحاججة الرصينة.
لسوء الحظ، لا تستوعب أبواق العداء تلك، أهمية القواعد القيمية في صراع مشؤوم أطلقته الجزائر ضدنا، منذ 47 سنة، ولا خيار لنا سوى أن نخوض معركة الدفاع عن الأمة المغربية، بشجاعة وإيمان بمشروعية حقوق بلادنا و قدسية ترابنا الوطني، خاصة في حرب إعلامية قائمة مع كائنات تعرضت لعملية غسل دماغ يجعلها لا تستوعب التاريخ، و لا تفهم أننا محكومين بجغرافيا لا يستطيع أحد تغييرها. فلا المغاربة يمكنهم إلغاء وجود الجزائريين، ولا الجزائريين يمكنهم إلغاء وجود المغاربة. والمفروض هو قبول التعايش مع بعضنا البعض رغم الاختلافات، والبحث عن حد أدنى من التوازن الإيجابي، لا نتجاوز فيه خط الرجعة رغم حدة الخصام.
صراحة، لست أدري هل علينا أن ننتظر تحركا من ذلك الجزء النظيف من الشعب الجزائري، الذي نريد رؤيته يعبر عن رفضه لطغيان كائنات جاهلة بالتاريخ والجغرافيا واللغة، والآداب العامة والأعراف الإنسانية، تتحدث باسم الجزائريين في مواقع التواصل، وتنفث سمومها لتهييج العداء بين الشعبين، دون حرج مما تكتبه أو تقوله من كلام مشين ننزه عنه الأحرار والشرفاء في البلدين؟
هل نتشبث بالأمل في أن تنتهي حماقات نظام التحريض والتآمر، وينتصر التساكن الإيجابي في حدوده الدنيا...؟ هل من معنى في أن ننتظر نضوج شروط تعامل عادي بين البلدين الجارين، ونحن نرى المغالاة والغطرسة العدوانية لجهات نافذة في النظام الجزائري؟
ألا يستوجب منا ما نسمعه ونراه، أن نقرأ الفاتحة ونؤدي صلاة الجنازة على "أخوة" ماتت وما عاد من معنى لأن يستمر المغاربة وحدهم يحملون همها ويتشبثون بها تجاه بلد تم تخدير جزء من شعبه، وإيهامه بأن العدو خارجي كي لا يرى عدوه الداخلي الذي ينهب الثروات ويسرق الميزانيات، ويخرب المجتمع ويحرف وعيه الهوياتي، ويلغي الديمقراطية ويصادر حقوق الإنسان، ويسير بالبلاد نحو الهاوية؟
عادة لست من دعاة التشاؤم في السياسة، لذلك أتشبث بأمل طفيف في أن يتدارك النظام الجزائري، الموقف و يبادر إلى ضبط الانفعالات التواصلية التي ترعاها أجهزة تابعة له، لا يهمها الحاضر و لا المستقبل، تريد قتل أية إمكانية لعودة العلاقات الإنسانية العادية بين الشعبين الشقيقين، في انتظار علاقات ديبلوماسية طبيعية يمكن أن تعود حين تنتهي أسباب عداء لا معنى له من وجهة نظرنا كمغاربة ندافع عن الوحدة الترابية لبلادنا، ونرى إمكانية حل النزاع المفتعل بشأن الصحراء المغربية، أفقا قريبا ضمن المشروعية والسيادة الوطنية المغربية.