الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: هذه هي رسالة الجزائر من استضافتها للقمة العربية

كريم مولاي: هذه هي رسالة الجزائر من استضافتها للقمة العربية كريم مولاي
بعد معارك ضارية قادها النظام الجزائري ضد محيطه الإقليمي، ها هو يعلن استراحة مؤقتة متعهدا بإنجاح قمة عربية تحت شعار "لم الشمل العربي"، وإنهاء حالة التشتت التي يعيشها العالم العربي منذ عدة أعوام..
لا شك أن العمل الوحدوي العربي بشكل عام هدف مطلوب، وهو حلم كل إنسان عربي يتابع كيف يعيد العالم بناء خارطته السياسية وفق مصالح الدول القوية.. وكلنا تفاجأ بالرسالة التي تلقاها العاهل المغربي الملك محمد السادس لحضور القمة العربية في الجزائر بعد تصاعد الخلاف مع الجزائر، والذي بلغ ذروته حين أقدم الرئيس التونسي قيس سعيد في خروج غير مسبوق عن التقاليد التونسية على استقبال زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، التي سممت العلاقات الجزائري المغربية على مدى العقود الخمسة المنصرمة من عمر الدولتين..
وبعد أيام قليلة من مشاركة الجيش الجزائري في مناورات عسكرية مع روسيا والصين وعدد من الدول في اصطفاف واضح إلى جانب موسكو في مواجهة تحالف دولي يتنامى مع الأيام ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلنت الخارجية الجزائرية أنها تلقت اعتذارا من النظام السوري لحضور القمة العربية حفاظا على لم الشمل العربي، ورغبة من نظام قتل ملايين السوريين وهجر أكثر من نصف شعبه في عدم إحراج الدول العربية بما في ذلك الدولة المضيفة خدمة للتضامن العربي..
اعتذار كان أشبه بصك لتبرئة نظام تلطخت أيادي قياداته بدماء السوريين الذين لم يرتكبوا خطأ سوى أنهم رفعوا شعار الحرية والحق في تقرير المصير.. وهو اعتذار فتح الباب لتوجيه الدعوات لكافة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية للمشاركة في القمة العربية المرتقبة، التي لا يمكن وصفها إلا أنها محطة أخرى لإعلان الفشل العربي ليس في مواجهة مطالب الشعوب العربية التواقة إلى الحرية وبالعيش الكريم، وإنما حتى في الحد الأدنى من التنسيق في تأمين حياة شعوبنا العربية التي تأكلها حيتان المحيطات بعد أن أفلتت من نيران حراس الحدود أصليين ونوابا..
فجأة انتهت خطابات التخوين والعمالة والتطبيع، وحضر خطاب التوافق والإجماع والمصالحات، في تكرار للغة ممزوجة لم تعد تقنع أحدا، وعناوين براقة عن الاستعدادات لقمة لم الشمل، بينما لازالت دماء العرب مستباحة في أكثر من بلاد عربية كما لا تزال سجون الجزائر تستضيف العشرات من معتقلي الرأي وأنصار الحرية والكرامة..
بالتأكيد يحتاج العرب إلى الحوار واللقاء والتوافق على المشترك من القضايا، لكن مع توفر الشروط المواتية لذلك، وعلى رأسها أن يجري الحوار في دولة لها الحد الأدنى من الاحترام لشعبها، ولا أعتقد أن النظام الجزائري كذلك، وبين ممثلين حقيقيين للشعوب لا بين قيادات نصبت نفسها بمنطق القوة والغلبة، وتسعى لفرض إرادتها على الشعوب العربية.
أخشى أن تكون القمة العربية المرتقبة في الجزائر محطة ليس للم الشمل العربي، وإنما لإقناع الشعوب العربية أولا ثم العالم ثانيا، بانتصار خيار المغالبة والقوة على خيار المشاركة والديمقراطية. وهو خيار بدأ بانقلاب النظام العسكري الجزائري مطلع تسعينيات القرن الماضي وانتهاء بالانقلاب التونسي المدعم جزائيا العام الماضي.. وهذه رسالة على وضوحها للجميع تمثل علامة فارقة ستظل ترافق تاريخ عصابة الحكم في الجزائر إلى أن يتمكن شعب الجزائر الحر من تصحيح مسار ثورته التي انطلقت في خمسينيات القرن الماضي دون أن تنتهي إلى تحقيق حلم الشعب الجزائري في الحرية والكرامة..
لأجل ذلك فإن قمة الجزائر العربية هي في نهاية المطاف لن تحقق لآ أكثر من هذا الإعلان، أي إبلاغ الشعوب العربية بأنها أقل من تتمكن من تحقيق حقها في تقرير مصيرها واختيار من يحكمها بصناديق الاقتراع ووفق قوانين انتخابية وآليات شفافة.. وهي رسالة لا أعتقد أنها تستحقب كل هذا الهدر من المال في وقت تحتاج فيه شعوبنا لما يقيها الجوع والعطش ويحفظ أمنها واستقرارها.
أما الحرية فهي معطى فطري قد تتراجع بسبب قوة الغلبة لكنها لن تنطفئ ما ظل في الإنسان نفس..
 
كريم مولاي، خبير أمني جزائري/ لندن