السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

نزهة مزيان: في تعديل المادة 16 من مدونة الأسرة ومعالجة مخلفاتها (1)

نزهة مزيان: في تعديل المادة 16 من مدونة الأسرة ومعالجة مخلفاتها (1) نزهة مزيان
تفاعلت جميع الفئات المجتمعية إيجابا مع مقتضيات مدونة الأسرة عند صدورها. فتم التنويه بالمقاربة الملكية التشاركية التي تم اعتمادها، ومبادرة صاحب الجلالة بعرض المدونة على أنظار البرلمان، رغم أنه لم يكن هناك تأطير دستوري لعملية الإشراك هذه. وبنفس الدرجة تم تثمين كل المكتسبات المتقدمة التي تضمنتها.
 
التشخيص والتوجيهات الملكية
بعد مرور أزيد من 18 سنة، تبين عبر جملة من التأويلات والممارسات القانونية المتراكمة، أن هناك اختلالات، بل وحتى إشكالات تتطلب التدخل قصد معالجتها.
وإذا كانت كل الأطراف المهتمة، وخاصة من ذلك الجمعيات الحقوقية بصفة عامة، والجمعيات المهتمة بالحقوق النسائية بصفة خاصة، قد واكبت كل هذه الفترة بالتنبيه والتحسيس والترافع، فإن الخطاب الملكي لعيد العرش 2022، قد كان واضحا ودقيقا بخصوص وضعية مدونة الأسرة وتطبيقها على أرض الواقع.
لقد أفصح جلالة الملك وجود عدة عوائق، تقف أمام استكمال مسيرة المدونة، وتحول دون تحقيق أهدافها، "ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة"، فدعا إلى "ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية" و"تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك"، ومن هنا مشروعية البحث في تعديل مدونة الأسرة.
وللوصول لمرحلة إدخال التعديلات، أرسى جلالة الملك دعائم مقاربة تشاركية من خلال اعتماد "التشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية" شكلا، واحترام "مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح" مضمونا.

 
المادة 16 بين التفسير والتأويل
سأعالج في هذا المقال المادة 16 الشهيرة، سواء من زاوية تعديلها لسَد الثغرات التي ظهرت عند تطبيقها (الجزء الأول)، أو من زاوية معالجة الآثار التي ترتبت عنها، والتي لا زالت آثارها بادية لحد الساعة (الجزء الثاني)، وذلك قصد الحد من الاستعمال اللاقانوني والتعسفي لها، والقضاء على الأهداف الغير منسجمة مع التطبيق السليم والذي تم بانتقاء مقتضيات دون أخرى.

 
مضمون المادة 16
تنص المادة 16 من المدونة على ما يلي:
"تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة الـمقبولة لإثبات الزواج.
إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة.
تأخذ المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.
يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى عشر سنوات، ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ.".
إن اعتبار عقد الزواج بمثابة "الوسيلة الـمقبولة" لإثبات الزواج، كان واضحا من حيث الصياغة اللغوية. فإدخال التعريف يدل على أنه ليست هناك أي وسيلة أخرى لإثبات عقد الزوجية. ورغم ذلك فتح المشرع استثناء يتعلق بوجود "أسباب قاهرة" قد تحول دون توثيق عقد الزواج.
وينبغي في البداية، أن نقف من الناحية القانونية على مفهوم "الأسباب القاهرة"، 
إن الأمر يتعلق بقوة أو ظروف تحول دون فعل الشيء، وقد أورد الفقهاء أمثلة عديدة في كل المجالات، من قبيل الحرب، الثورة، الاضطرابات، الكوارث الطبيعية كالزلزال أو الفيضان... إن فلسفة القوة القاهرة تقوم على سبب أو أسباب تعفي من الالتزام.

 
تساؤلات مشروعة
بناءً على تفسير "الأسباب القاهرة"، نتساءل هنا:
- هل يُمكن الحديث عن أسباب قاهرة في إحضار شاهدي عدل في الألفية الثالثة؟
- وهل يُمكن الحديث عن أسباب قاهرة داخل المدارات الحضرية؟
- وحتى إذا افترضنا تحقق هذه الحالة بالنسبة للمناطق القروية النائية، فهل يتعلق الأمر بأسباب تدوم سنوات عديدة؟
إن اعتماد فترة انتقالية لمدة خمس سنوات في الأصل تم تمديدها لتصل 15 سنة، مسألة تدعو إلى البحث في الأسباب الكامنة وراء لك.

 
الانحرافات الكبرى في تطبيق المادة 16
إن الأطراف والفئات المهتمة بالمادة 16 من مدونة الأسرة، قد وقفت على وجود تلاعبات كثيرة أفرغت المادة من محتواها. ويتعلق الأمر بالانحرافات التالية:
أولا: التعدد
رغم أن المدونة نصت على أنه يُمنع التعدد في حالات محددة بالمادة 40، وأن المادة 41 وضعت للمحكمة شروطا واضحة يُمنع بموجبها الإذن بالتعدد، ورغم أن المادة 42 وضعت مسطرة محددة ينبغي اتباعها في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد، فإنه تم تجاوز كل ذلك، وبالتالي خرق كل المواد ذات الصلة بالتعدد، سواء منها الشكلية أو الموضوعية.
إن استعمال المادة 16 يسمح باستصدار حكم قضائي يتم بموجبه "ترسيم زواج آخر"، دون أن تتم مطالبة المدعي بتقديم شهادة العزوبة أو يتم التأكد من وجود موارد كافية، أو البحث عن كيفية ضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة، علما بأن التأكد من هوية المدعي من اسم كامل وتاريخ ازدياد واسم الوالدين والحالة العائلية ووجود أو عدم وجود أطفال، مسألة جوهرية نتساءل كيف تم تجاوزها، ونفهم لماذا أشار جلالة الملك إلى "بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها".
ثانيا: تزويج القاصرات
تم استغلال المادة 16 أيضا لتجاوز المواد التي تنظم زواج القاصرات. فرغم أن أهلية الزواج تكتمل "بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية" (المادة 19)، وأن المواد 20 و21 من المدونة وضعتا مسطرة خاصة بتزويج من هن/هم في سن أقل، فإن مسطرة دعوى ثبوت الزوجية لا تراعي ذلك من خلال اعتمادها مسطرة أخرى، وهو ما أدى إلى تطبيق المسطرة بشكل يضعها خارج مجالها الأصلي، وتضر بالفتيات القاصرات أساسا، إضافة إلى أن زواج القاصرات يُشكل خرقا لحقوق الطفل، لاسيما الحق في التعليم والتكوين والصحة، ويتنافى مع الأحكام الواردة في المواثيق الدولية المصادق عليها من قبل المغرب.
ثالثا: استمرارية الزواج غير الموثق
إن الفقرة الثالثة من المادة 16 تُشَجع على استمرارية الزواج غير الموثق من خلال إشارتها إلى أن المحكمة تأخذ بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية "وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية..."، وبالتالي فإنه تُكَرس وجود فترة مهمة يبقى فيها الزواج غير موثقا من خلال اعتماد الزواج "العرفي"، سواء تم ذلك بدون عقد أو في شكل زواج بالفاتحة، وذلك بهدف توفير الشروط اللازمة لتحقيق الأسس التي على أساسها سيتم رفع دعوى ثبوت الزوجية.
إن الأمر يتعلق بعملية تحايل على النساء بصفة عامة، والقاصرات منهن بصفة خاصة، سواء كان ذلك بموافقتهن، أو باستعمال وسائل التعنيف، أو حتى الاغتصاب، من أجل استغلال "الحمل" لتثبيت دعوى الزوجية. وها نحن نكرس فترة رسمية "للفساد" في انتظار شرعنته بدعوى ثبوت الزوجية.
ومما ينبغي إثارة الانتباه إليه هو تزايد حالات المظاهر الاستثنائية التي لم يكن لها وجود سابقا:
فهناك أولا تصاعد نسبة الأمهات العازبات، خصوصا في أوساط القاصرات (والمعنفات)، لأن أية علاقة تمت بغرض التحايل على المادة 16 ليست مضمونة النتائج من زاوية الرجل الذي قد يتنصل من مسؤوليته، تاركا تلك "الأم" توجه مصيرها لوحدها، دون أن تلحقه أية متابعة؛
ثم هناك ثانيا ظهور حالات الزواج القسري، حيث لا تقبل الضحية الزواج إلا من أجل تجاوز الخطأ المرتَكَب، أو إيجاد أب لابنها، أو حتى تلبية لضغط والديها.. المهم كل شيء حاضر إلا إرادتها الحرة؛
ثم هناك ثالثا، تأثيرات غير مُباشرة تتمثل في انتشار ظاهرة الخيانة الزوجية تحت مسميات كثيرة.
وأخيرا، فإن ترابط هذه العناصر فيما بينها أدى إلى بروز ظاهرة سلبية أخرى تمتد إلى الأطفال، وتتمثل في صعوبة تسجيلهم في الحالة المدنية، في الحالات التي يتم فيها استغلال الفتيات القاصرات بالشكل الذي أوردناه أعلاه.
 
خاتمة
في ظل انتشار هذه المظاهر السلبية، لا يُمكن إلا أن ندفع في اتجاه تعديل المادة 16 من جهة، ومعالجة الآثار المترتبة عنها من جهة أخرى.
نزهة مزيان/ دكتوراه في الحقوق (وزارة العدل)
(يُتْبَع)