الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

ابراهيم بلالي اسويح: وساطة دي ميستورا بين رهان التفاوض والأمر الواقع

ابراهيم بلالي اسويح: وساطة دي ميستورا بين رهان التفاوض والأمر الواقع ابراهيم بلالي اسويح
الإعلان عن تعيين الدبلوماسي المخضرم الإيطالي" ستيفان دي ميستورا" مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء أكتوبر الماضي،خلفا للرئيس الألماني الأسبق هورست كوهلر الذي قدم استقالته منذ سنتين ظل فيها المنصب شاغرا، اعتبره الكثيرون بمثابة بداية لانفراج وشيك لهذا النزاع حول الصحراء المغربية الذي عمر طويلا. ربما مراهنة هؤلاء مرجعها خبرة الرجل طيلة أربعين عاما من الدبلوماسية والشؤون السياسية، بل وإدارته لملفات حارقة عبر العالم والتي هي الأخرى شغلت ولا تزال الرأي العام الدولي، اذ سبق له أن مثل الأمين العام للأمم المتحدة كمبعوث خاص في سوريا والعراق وافغانستان، بل ان هذا الإعتقادر بلغ درجة من الترسخ حد إمتلاكه  مفاتيح جديدة تخول له خلق فرص التقارب بين أطراف مماثلة  عربية هي الأخرى في هذا الخلاف وهي ميزة لا قبل لمن سبقوه من الوسطاء والمبعوثين بها منذ وقف إطلاق النار سنة1991 والدخول في التسوية السياسية لنزاع وصف في كثير من الأحيان بالمنسي وفي أحيان اخرى بالجامد.
ومما يرسخ هذا الإعتقاد هو ما عرفته الفترة التي كان المنصب شاغرا من تجاذب ورفض لأكثر من  12 إ قتراحا لشغل هذه المهمة من لدن الأطراف كل بمبرراته، فجاء حدث التوافق على هذا المبعوث الأممي كبارقة امل للوصول إلى إتفاق لطي هذا الملف.
القرار الأممي الأخير رقم 2602 يدعو المغرب والجزائر و موريتانيا وجبهة البوليساريو إلى استئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة وبحسن نية ،على أن تكون هذه المفاوضات في شكل موائد مستديرة. 
من الجلي اذن، أن أي دفع بالعملية السياسية من طرف الأمم المتحدة سيكون منسجما مع حث الأطراف للدخول في مفاوضات يحدد شكلها ومسارها هذا المبعوث بتشاور مع المعنيين بهذا الملف .
والملاحظ، بل مما يثير التوجس هو ان ادارة هذه المفاوضات وشكلها أصبح هو المبتغى والهدف،  لأنه من خلالها يتحدد مصير الحل النهائي المنشود. 
والواقع أن النظر بنوع من الشمولية يوحي بان التأثيرات الخارجية ورهاناتها يفيض ليطال كل المنطقة بما تشكله من اهمية جيو- إستراتيجية وهي بالفعل العوامل الحقيقية لإبقاء هذا الملف كبؤرة نزاع تضاف إلى باقي بقع التوتر عبر العالم التي تقاس من خلالها درجات الصراع بين القوى الدولية.
ستيفان دي مستورا  زار المنطقة والأطراف لحدود الآن مرتين منذ تعيينه،  الزيارة الأولى في شهر يناير 2022 حين التقى مختلف الأطراف ميدانيا ، أما الزيارة الثانية كانت في شهر يوليوز  من نفس السنة  اقتصرت على لقاء المسؤولين في المملكة المغربية. وبغض النظر عن ما تواثر من تسريبات عن فحوى هذه اللقاءات توحي بان خارطة الطريق المتوقعة لن تنحاز عن السياق العام الجديد وأبعاده المتداخلة لتجاوز على الأقل هفوات سابقيه من الوسطاء وتجنب خيبة الفشل منذ بداية الطريق.
وإذا ما افترضنا بانه من السابق لأوانه الحديث عن اي تقريب لوجهات النظر بين الأطراف، فما بالك احراز التقدم، لأن المبعوث الأممي لايزال في مرحلة بناء للتصور العام وتعميق معرفته بالملف للحديث عن الشكل والأهداف والغايات المرجوة من عملية التفاوض ،فإن ذلك قطعا سيحيلنا إلى أن الرجل ليس في عجلة من أمره ، بل ان ندرة لقاءاته إلى حدود الآن تنذر بالفجوة الكبيرة بين الفرقاء. 
إن أي استشراف لمستقبل مهمة دي ميستورا  تفرض الرجوع إلى ارث متراكم من انسداد الأفق حتم انسحاب من سبقوه ، يوازي ذلك إستنفاذ للمخزون الإقتراحي في مسيرة البحث عن هذه التسوية المنشودة..( استحالة تنظيم الإستفتاء، خطة إتفاق - الإطار، التقسيم ،الحل الوسط) كذلك والأهم الديناميات الفريدة التي ميزت التعاطي الدولي مع هذا الملف بعد سنة 2007 ,وما تلى ذلك من تأييد ودعم واسعين لا يمكن تجاهله لخطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب في إطار مبادرة التعاون لتسوية هذا النزاع، اعتبرت ذات مصداقية وتتمتع بواقعية التطبيق، الأمر الذي تضمنته قرارات مجلس الأمن الدولي المتعاقبة منذ ذلك  التاريخ.ينضاف إلى هذا وذاك انخراط ولو بدرجات متفاوتة لأربعة قوى دولية مشكلة لمجموعة اصدقاء الصحراء من أصل خمسة في دعم هذا المقترح المغربي ( الولايات المتحدة الأمريكية،  المملكة  المتحدة،  فرنسا، اسبانيا) لتبقى روسيا القوة الإقليمية ذات الطموح العالمي (رغم انها لا تملك الوسائل لذلك) متأرجحة بين الحياد ودعم الحليف الجزائري.
كما ان هذه الوساطة جاءت بعد تامين جيش المملكة في نوفمبر 2020 للمعبر الحدودي الكركرات  هو امر لم يكن ليتم  إلا بضوء اخضر للحلفاء الغربيين,  مما يؤشر على ان حسابات البوليساريو تجاوزها الزمن الى عمق استراتيجي دولي يوحي بأن نيران التهديدات الأمنية والإرهابية بالساحل وصل لهيبها إلى منطقة الصحراء المتاخمة.
كما ان الرباط نجحت لأسباب إقتصادية وسياسة على السواء في تعميق سياستها الإنمائية في المنطقة الجنوبية، وذلك بتقوية الرابط الأساسي بين التنمية والإستقرار والتسوية الطويلة الأمد للنزاع في الصحراء المغربية، ولم يعد ثمة ادنى خوف او اي تحفظ على اندماج هذا الإقليم ترابيا وتنمويا وسياسيا بمؤشرات وحدوية أمام العالم، توجه المجهود المنفتح للدبلوماسية الملكية بفتح  عشرات الدول  المساندة  للوحدة الترابية للمغرب  لقنصليات  موزعة بين مدينتي العيون و الداخلة .
الواضح بان اي مفاوضات تتأثر اكثر مما تؤثر على ارض الواقع، كما أن الأجرأة الفعلية للدور المحوري للوساطة رهين بالمدى الذي يصله دعم مجلس الأمن في قابلية فرض حل واقعي قابل للتطبيق، وهو امر غير ممكن لحد الساعة يقابله مضي في إدامة هذه الازمة، والذي بدأ يأخذ ابعادا إقليمية تصعيدية. 
يبدو ان اطراف الازمة الأخرى، والتي كانت في السابق تملك القدر الكافي من هامش المناورة ، في مقدمة ذلك الجزائر  التي ترفض علنيا استمرار مشاركتها في الموائد المستديرة ، في ظل علاقات دبلوماسية محكومة بالقطيعة غير المسبوقة مع الجار والغريم المغربي، كما أن جبهة البوليساريو فاقدة لزمام المبادرة بعد تنصلها من عهدة وقف إطلاق النار ،كل هذا ينبا بإفراغ العملية السياسية من اي زخم متوقع، رغم البيانات السياسية التي لا تعدو مجرد مجاراة لقرار مجلس الأمن ليس إلا. الزيارة المحتملة لدي ميستورا للمنطقة قبيل انعقاد الجلسة القادمة لمجلس الأمن، قد يستشف منها في الأفق ما مدى استيعاب هذا الأخير لوضع إقليمي بلغ من القتامة ما يدعو للتشاؤم،  و مستوى النجاعة المطلوبة والتي افتقدتها جولات التفاوض التي باشر أسلافه إدارتها في مانهاست وجنيف وغيرها ، أكانت رسمية ام غير رسمية، مباشرة أو على شكل موائد مستديرة، وما تراكم في الكواليس  الذي كانت دائما تنسج خيوطه بعيدة عن دائرة القرار الإقليمي. 
إلى ذلك الحين .. يبقى  من المؤكد ان مهمة الوساطة تبدأ هذه المرة عسيرة وشبه مستحيلة
إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية