الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (6)؟

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (6)؟ الباحث حسن الزرهوني رفقة الزميل أحمد فردوس و لوحة فنية تعبيرية

بساحل "الكاب" بشاطئ البدوزة، ومن فضاء محرابه الفني الذي يعكس مدى عشقه للثقافة والفن والموروث التراثي المتعدد والمتنوع، استقبل الموسيقي والفنان التشكيلي حسن الزرهوني جريدة "أنفاس بريس" بابتسامته العريضة التي تحكي عن مسار رجل طيب وإنساني، مواظب على خلق الحركة والنشاط والحيوية داخل مرسمه الفني.

حسن الزرهوني الذي خبر ركوب البحر وأمواجه، وامتطى صهوة الريشة والألوان الزاهية، ليترجم أحاسيسه إلى أنغام بأوتار تروي سيرة الإنسان والمجال في علاقة مع أحداث ووقائع التاريخ المحلي والوطني، التي كتبت بطولاتها وملاحمها فرسان أرض الحصبة في زمن الظاهرة القايدية.

في هذا السياق نقدم للقراء سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة الذي سيجيب من خلالها عن أسئلة تروم تصحيح الخلط الذي وقعت فيه المنابر الإعلامية وامتد إلى الإنتاج الدرامي والمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي كتبت نصوصها وتم إنتاجها وتسويقها ارتباطا بشخصية وعيطة "خَرْبُوشَة"؟

لقد تحدثت منابر الإعلام السمعي والبصري والمكتوب عن "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ والمغنّية بإطناب، وتناولت علاقتها بالقائد الكبير عيسى بن عمر العبدي التمري البحتري، وانتفاضة أولاد زيد ضد نفس القائد، حيث تم إسقاط قصيدة بأكملها على أن الشِّيخَةْ "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبتها، وامتد هذا الخلط والإسقاط إلى بعض المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي تناولت الموضوع، حتى أصبح المتلقي يؤمن بأن "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبة هذا الكلام. وقبل تصحيح هذا الخلط والإسقاط لابد أن نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية ذات الصلة:

هل فعلا "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ وهل عيطة "خَرْبُوشَةْ" هي من إنتاج الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ؟ وهل الأبيات الشعرية التي ألّفتها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ هي نفسها المذكورة في عيطة "خَرْبُوشَةْ"؟ وكيف تم تأليف عيطة خَرْبُوشَةْ؟ ومن هي حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ ومن هي خَرْبُوشَةْ اَلشِّيخَةْ أو اَلْعِيَّاطَةْ أو اَلْمُغَنِّيَةْ؟

يقول مطلع قصيدة عيطة خربوشة: "خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ أَعَبْدَةْ جِيبُوا الزِّينْ يَا سِيدِي".

في وصف اسم الشِّيخَةْ "لَكْرَيْدَةْ":

يَذْكُرُ المتن العيطي اسم "لَكْرَيْدَةْ"، وهو وصف تنعت به المرأة ذات الشعر الأجعد، الفاقد للنعومة والذي يصعب تسريحه، ونقول في لغتنا الدارجة "شَعْرْ كْرَدْ ـ حْرَشْ"، وهو شعر مجعد يصعب تسريحه وتمرير أسنان المشط بين خصلاته المتشنجة والمنفوشة.

بالنسبة للمرأة ذات الشعر الأجعد، فقد أشار إليها الخبير في قراءة الوجه وهو مُؤَلِّف كتاب "حكمة وجهك"، الذي أبرز أهم صفات المرأة حسب نوع الشّعر، حيث أوضح بأنها "تتمتع بشخصية محبوبة، وتتميز بالسّخاء، وتميل إلى إنجاز كل المهام الصعبة، وحسن البصيرة والعدوانية، والحدس، والتعبير، واحتمال أن تكون أميرة درامية".

في سياق متصل فقد أُطْلِقَ وصف "لَكْرَيْدَةْ" كإسم شخصي لدى بعض العائلات في أوساط فَخْذَةْ أَوْلَادْ زِيدْ بالخصوص، وكانت الشِّيخَةْ "لَكْرَيْدَةْ" تتميز بصوتها القوي، وإيقاعها المتميز على آلة الدّف، وإتقانها وحفظها لمتون العيطة الحصباوية، وكذلك العيطة الحوزية، بحكم علاقات الجوار بين منطقة عبدة والحوز ونخص بالذكر هنا شمال قبيلة الرْبِيعَةْ و ومجال منطقة لَبْخَاتِي و الشْهَالِي و اسْحَيْمْ.

وقد ورد اسم الشِّيخَةْ "لَكْرَيْدَةْ" في متن عيطة "هَنِّينِي هَنِّينِي"، والذي يقول: "إِلَا مَا جِيتِي نْحَاسْبَكْ بِذْنُوبِي آلَكْرَيْدَةْ. ولَبَاسْ أُو لَبَاسْ آآآهْيَا رَاسِي فْرِيدْ".

في وصف اسم الشِّيخَةْ "زَرْوَالَةْ":

أما بخصوص إسم "زَرْوَالَةْ"، فهو وصف للمرأة الشّقراء التي تتميز بلون سمرتها الخفيفة، وهو وصف أمازيغي، حيث نجد في الثقافة الأمازيغية كلمة "أَزَرْوَالْ"، أي الأشقر. في حين ذهب أغلب الباحثين والفنانين المهتمين بفن العيطة الحصباوية بأن "زَرْوَالَةْ" هي المرأة التي تمتلك عينان يغلب عليهما اللون الأخضر، أو اللون الأزرق. وهذا الوصف غير صحيح لأننا إذا استنطقنا المتن العيطي الحصباوي القائل: "خُرْجُوا يَا لَحْمَادَاتْ. رُجَّالَةْ وَعْيَالَاتْ. بَيْضَاتْ وُمُوشُومَاتْ. حَمْرَاتْ وُزَرْوَالَاتْ". وانطلاقا من هذا التحليل، يتضح أن الشاعر يروم الحديث عن النساء اللواتي تتميزن بسمرتهن القوية (اَلْحَمْرَاتْ) ثم (الشَّقْرَاوَاتْ) ذات السّمرة الخفيفة، أي (الزَّرْوَالَاتْ).

في نفس السياق، نجد متنا آخر أيضا في عيطة "هَنِّينِي هَنِّينِي"، والذي يقول: "دِيرِي صَلَاةْ فُوقْ صَلَاةْ يَا زَرْوَالَةْ"، والمقصود من هذا الكلام أن الشِّيخَةْ "زَرْوَالَةْ" كانت امرأة متدينة، تؤدي واجباتها الدينية.

وحسب الرواية الشفوية لرواد العيطة الحصباوية في فترة السبعينات، يحكى أن الشِّيخَةْ "زَرْوَالَةْ" رفقة مجموعتها (رْبَاعَةْ الشِّيخَاتْ) كان يتهافت عليهن رجال المخزن من القياد وخلفائهم، وكذلك أعيان القبائل، والعائلات الميسورة، من أجل تقديم عروضهن خلال إقامة الجلسات الفنية، وكانت الشِّيخَةْ "زَرْوَالَةْ" قد تأخرت عن رفيقاتها، أي (خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ ولَكْرَيْدَةْ) لقيامها الصّلوات التي راكمتها لاعتبارات ظرفية، فطلبت منها "الطَّبَّاعَةْ" الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ أن تسرع في القيام بالصّلوات، حيث ورد في المتن العيطي ما يفيد ذلك: "دِيرِي صَلَاةْ فُوقْ صَلَاةْ يَا زَرْوَالَةْ". بمعنى "إسرعي في أداء صلاتك، فهناك من ينتظرنا". ونجد متن آخر ذكر فيه اسم الشِّيخَةْ "زَرْوَالَةْ" في عيطة "هَنِّينِي هَنِّينِي"، وهو القائل: "هَزِّي اَلْحَسْكَةْ وْطَلْعِي لِلصَّالَةْ يَا زَرْوَالَةْ. لَبَاسْ أُو لَبَاسْ أُو لَبَاسْ. آهْيَا مَالِي رَكْبُوا وَيْلِي".

نستخلص من خلال هذا التحليل والتفكيك لمطلع قصيدة نفس العيطة (خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ أَعَبْدَةْ جِيبُوا الزِّينْ يَا سِيدِي) يتبين أن هذه الفرقة الموسيقية النسوية قد وردت أسمائهن بصفتهن شيخات "عِيَّاطَاتْ" في بعض مُتُنْ عيطة "خربوشة"، و عيطة "هَنِّينِي هَنِّينِي"، و عيطة "رْجَانَا فِي اَلْعَالِي"، بالإضافة إلى ورود أسماء نسوية أخرى يتم ذكرها في هذا الثلاثي العيطي المذكور أعلاه.

نماذج أسماء نسوية ذكرت في العيطة الحصباوية

في سياق متصل يمكن استحضار بعض الأسماء النسوية التي وردت في متن العيطة الحصباوية مثل:

ـ (عْبُوشْ اَلْحَمْقَى وَاشْ لَبْكَى يْبَرَّدْ نَارُو)

ـ (مَزِّينُو عَاوْدْ رَاكْبُو مَحْبُوبِي أَمَصَبَّرْنِي. لَبَاسْ أُو لَبَاسْ أُو لَبَاسْ. أهْيَا مِيلُودَةْ هَا اَلْخَيْلْ جَاتْ)

ـ (هِيَ عَايْشَةْ وُفَاطْنَةْ وُرْقِيَّةْ هُمَا الزِّينْ سْلَالَةْ. اَلْوَعْدْ يْلَاقِي. اَلْعَدَاكْ اَلْعَدَاكْ حُوزْهَا تْحُوزَكْ يَا وَعْدْ اللهْ)

ـ (شَامَةْ لَبْرِيـﯕِيَةْ النَّاكْرَةْ بُوهَا فِي حْيَاتُو)

ـ (وَاهْيَا مَالِي تْوِيكَةْ سَارَتْ سَارَتْ إِلَا مْشِيتِي اللهْ يْعَرْضَكْ خَيْلْ)

ـ (اَلْخَادَمْ يَا اَلْخَادَمْ شَرْعِي الدْفَفْ اَنْتِيَا لَعْنَيْبَرْ)

ـ (عَايْشَةْ وُخَدُّوجْ هُمَا بْجُوجْ كِيفْ اَلْخَيْلْ بْلَا سْرُوجْ)

ـ (بْنَاتْ حْمِيمَادِي لَبْسُوا السْلَاهَمْ حَنْتُوا لَمْشَاوْرِيَّةْ)

ـ (مِينَةْ وُحْلِيمَةْ هُمَا بْجُوجْ كِيفْ اَلِّليمُونْ فِي اَلْوِيدَانْ).

وقد استعمل الشاعر هذا الوصف ليربط لون خذ المرأة بلون الليمون (البرتقالي) على اعتبار أن مجال الوديان هو منطقة توجد ناحية مراكش ويلتقي فيها ثلاثة وديان، واد تانسيفت، و واد بُورْوَايْحْ، و واد عْبِيدْ، وكانت هذه المنطقة تتميز بالخصوبة والخضرة وتنتشر فيها أغراس كثيرة خصوصا أشجار الليمون.

إن استحضار هذه النماذج من متن العيطة الحصباوية يوضح بجلاء ورود أسماء نسائية بقوة نظرا لتأثير شعر الغزل العذري أو الغزل البدوي أو الغزل العفيف على أغلب متونها العيطية، على غرار فن الملحون الذي كان منتشرا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بمدينة أسفي، حيث نجد الشاعر يعبر من خلال فن الغزل على أحاسيسه اتجاه محبوبته واصفا محاسنها متغنّيا بجمالها، مشتاقا لرؤيتها، حزينا على فراقها، مع تركيزه على وصف مواطن التميز و الجمال.