الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الله بوشطارت: لماذا تراجع الكتاب الأمازيغي؟

عبد الله بوشطارت: لماذا تراجع الكتاب الأمازيغي؟ عبد الله بوشطارت
غاب الكتاب الأمازيغي هذه السنة عن أروقة المعرض الدولي للكتاب بالرباط، وحده المعهد الملكي للثقافة الامازيغية الذي يعتبر مؤسسة تابعة للدولة ويرسم توجهاتها في الأمازيغية، هو الذي دأب على الحضور خلال كل المواسم السابقة نظرا لإمكانياته المادية واللوجيستيكية الكبيرة، ثم رواق مجلة أدليس التي فتحت فسحة للكتاب الأمازيغي والتي يدير نشرها المثقف والدكتور أحمد الخنبوبي، وهو من منظري الحزب الديموقراطي الأمازيغي المغربي وأحد كوادره. ولابد أن نشيد بالمجهود الجبار الذي يبذله الأستاذ أحمد الخنبوبي في استدامة الحضور بالمعرض الدولي للكتاب كل سنة، وكذلك في ضمان استمرارية صدور مجلة "أدليس" بالرغم من قلة الإمكانيات المادية وانعدام الدعم المالي والمؤسساتي للمجلة. 
إن غياب رواق الكتاب الأمازيغي في النسخة الأولى للمعرض بمدينة الرباط العاصمة هذه السنة له ما يبرره، وينم عن الأزمة البنيوية التي تعاني منها الحركة الأمازيغية مرحليا، أو ما يمكن تسميته ب"المنعرج" الذي تسير فيه الحركة على الأقل منذ وفاة المرحوم أحمد الدغرني، وما تلاه من عملية الابتلاع السياسي التي شنها طرف حزبي-مالي له نفوذ اقتصادي كبير على الحركة الأمازيغية قبيل وبعيد الانتخابات الماضية.  
وقبل الخوض في  حيثيات وسياقات هكذا منعرج الحركة الأمازيغية الذي يقودها نحو المنحدر، لابد من الإشارة إلى أن المعرض الدولي كان يعرف حضور رواق الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي "لامريك" منذ سنوات قبل تأسيس "ليركام". وحسب ما عاينته في السنوات الماضية، فقط كان الأستاذ الأنيق "مبارك الأرضي" مؤلف المعجم الأمازيغي الوظيفي هو من كان يتكلف بتنظيم وتدبير رواق "لامريك" في المعرض الدولي بالدارالبيضاء لعدة سنوات، إضافة إلى كوادر الجمعية الآخرين خاصة منهم الرئيس المرحوم  إبراهيم أخياط، صاحب كتاب "النهضة الأمازيغية". ثم رواق منظمة "تاماينوت" كانت تحضر هي الأخرى برواق خاص بها في المعرض، ومؤخرا بعد تأسيس رابطة "تيرا" بمدينة أگادير المتخصصة في نشر وتأليف الكتب الناطقة بالأمازيغية بحرف تيفيناغ والحرف اللاتيني، وهي الرابطة التي ساهمت بشكل كبير في ظهور مبدعين شعراء وأدباء بالأمازيغية أغلبهم شباب خريجي الجامعات.. للأسف هذه المنظمات والجمعيات لم تشارك في العرض هذه السنة داخل المعرض الدولي للكتاب بالرباط الذي يعد منصة ثقافية دولية يمكن الترويج عبرها للفكر الأمازيغي وللحضارة واللغة الأمازيغية، وكذلك عن القضية الأمازيغية، ويمكن للكتاب الأمازيغي أن يظهر بين الملايين من الكتب المكتوبة بالعربية والفرنسية والانجليزية... 
وقد تكون لهذه الجمعيات أسبابها الخاصة والقاهرة التي حالت دون استمراريتها في عرض الكتاب الامازيغي، ولكن؛ هذا لا يعني أنها لم تتأثر بالسياق العام الذي تعيش فيه الحركة الامازيغية، وهو سياق جعلها تعيش أزمة فكر وأزمة إنتاج وأزمة إبداع وأزمة تأليف وأزمة كتاب. هنا نستحضر المقدمة الشهيرة التي كتبها المرحوم أحمد الدغرني في كتابه "البديل الأمازيغي" حين تساءل فيها " لكل أمة كتاب، فما هو كتابنا؟". أجل كان المرحوم الدغرني يستفسر عن المشروع ويتساءل هل للأمازيغ مشروع سياسي مكتوب وواضح؟
 إن من مظاهر الأزمة التي جعلت الحركة الأمازيغية لم تعد تهتم بالكتاب والتأليف والتنظير والسؤال الفكري والثقافي هي ما حصل لها بعد الانحصار والانكسار الذي تعرض له المشروع السياسي والثقافي والفكري الكبير الذي كان طرحه أمغار الدغرني في أطروحة البديل الأمازيغي الذي كان قد اقترحه كأفق للتفكير وللتنظيم للحركة الأمازيغية، بعد أن تدخلت الدولة في ملف الأمازيغية سنة 2001 وتجاوزا لفكرة البيان التي كانت تهيمن على العقل الأمازيغي منذ بيان أگادير 1991 وبيان شفيق 2001. فقد بدأت الحركة بالفعل المدني والترافعي والمطلبي، تقديم مطالب، وبيانات ومذكرات ومقترحات وتعديلات، إما للأحزاب أو للحكومات أو للقصر الملكي خاصة في سنة 1996 حين تقدمت الحركة بتعديلات دستورية. ومع ظهور انفراج سياسي بالمغرب سنة 1999، وانفتاح سياسي باعتلاء الملك محمد السادس العرش، بدأت الدولة تطرح مقاربات خاصة لحلحلة القضية الأمازيغية، التي قال عنها المؤرخ أزايكو سنة 1981 أنها مشكلة سياسية قبل أن تكون ثقافية ليجد نفسه يقضي سنة كاملة في سجن العلو بالرباط وهو آنذاك أستاذ جامعي يدرس التاريخ بجامعة محمد الخامس. بحلول سياق 1999 وما تلاه سنة 2001 من هيمنة الدولة على الملف الامازيغي بانشاء معهد خاص لها واستتقطاب جل النخب الثقافية والمدنية التي كانت تنشط في الحقل الامازيغي منذ عقود، انتقل احمد الدغرني إلى مستوى آخر، وهو طرح بديل سياسي أمازيغي يدمج الثقافة والحضارة والاقتصاد واسئلة الديموقراطية والحريات والحقوق وقضايا المجتمع بشكل عام، في مشروع مجتمعي شامل ومتكامل، كانت تلك المبادرة بمثابة مرحلة انتقالية من فترة البيانات الثقافية والجمعوية، إلى مرحلة إرساء المشروع السياسي ليكون في مواجهة الرهانات التي تطرحها السلطة من الفوق، وكان المشروع السياسي يراهن على أن يكون بناءه من الأسفل أي من الشعب، وهذه هي نقطة الخلاف بين أحمد الدغرني ومحمد شفيق التي انفجرت بينهما قبيل تأسيس المعهد.
حينما نقول بناء المشروع السياسي الأمازيغي، فإننا نقصد بذلك المجهود الفكري الكبير الذي يجب بذله من اجل تحقيق تراكم أدبي وفكري وسياسي واقتصادي وتاريخي واجتماعي وقانوني ... لوضع المشروع على بنيات متينة، لأن البديل الأمازيغي هو مشروع ضخم يحتاج إلى مجهود تنظيري وإلى تمرين فكري وفلسفي واجتهاد عقلاني مستمر، في التحليل والتركيب والفهم والاستنتاج، وإعادة طرح الأسئلة من جديد، لأن البديل الأمازيغي لا يعطي إجابات سياسية فقط، وإنما هو مشروع تغيير وإصلاح جدري ينطلق من المشروع الثقافي بالدرجة الأولى، والثقافة هنا في مفهومها الشمولي. وبالتالي فطرح البديل السياسي الأمازيغي سنة 2005 كان قد خلق قلقل فكري وسياسي كبير في بنية الدولة، وعلى هرمها، آنذاك تبلورت مشاريع سياسية سريعة لإيقاف المد الأمازيغي... لأن الدغرني كان ينظر إلى المستقبل وكان يعول كثيرا على النخب الامازيغية الشابة خاصة خريجي الجامعات، وكان يدفع الشباب إلى الكتابة والتأليف والتنظير، وفعلا قد ظهرت في تلك الفترة أوراق سياسية وأفكار جديدة وتنظيرات في مختلف القضايا وظهر مثقفون أمازيغ شباب قبل أن يتم قرصنة البعض منهم بسرعة وتوظيفهم في مجالات أخرى بعيدة عن الفكر السياسي الأمازيغي.   
ومع مرور الوقت، لم يعد مشروع البديل الأمازيغي مقرونا بالشخص وبصاحب الفكرة، منذ 2005 حيث تأسس حزب سياسي كأداة تنظيمية لقيادة التغيير في الدولة والمجتمع على حد سواء، وكان من المفروض أن يقود هذا المشروع ثورة ثقافية وفكرية أمازيغية تساهم في خلق تراكم علمي وفكري وثقافي واقتصادي وسياسي، لأن الأمازيغية هي منظومة حضارية شاملة تلتقي فيها كل أبعاد وأشكال الإنتاج الحضاري في مختلف المجالات والحقول المعرفية، وذلك ما نسميه بالمرجعية الأمازيغية.
وللأسف الشديد، انتصرت فكرة القوة، على قوة الفكرة، وتمكنت السلطة من منع المشروع السياسي الأمازيغي فكرا وتنظيما وخطابا، برفع دعوى قضائية ضد الحزب الامازيغي سنة 2007، ثم تفكيك الحركة الأمازيغية من الداخل عبر اختراق العمل الجمعوي واحتواءه بآلية الدعم العمومي وتوجيه الترافع الامازيغي وفق مشاريع وأنشطة ممولة، لكن العمل الكبير الذي تم القيام به، هو الالتفاف حول المشروع السياسي الأمازيغي منذ سنة 2009 لكن ظهر أن المحاولة الأولى التي امتدت ما بين 2009 إلى 2016 لم تنجح لعدة أسباب، أهمها صمود الفكرة والمشروع رغم المنع. وبعد سنة 2016 إلى سنة 2021 لم تغير السلطة منهجها تجاه المشروع السياسي والمجتمعي الامازيغي، بل قامت بتقويته ودعمه ماديا أكثر فأكثر، ولكن غيرت من التكتيك، فقامت بالاختراق المباشر للحركة الأمازيغية، وغيرت حزب بآخر. فتعرضت الحركة الأمازيغية ونخبها وشبابها وامتدادها السياسي والاجتماعي داخل المجتمع لأكبر عملية ابتلاع سياسي وفتحت فوهة الاستقطاب المباشر تجاه الأمازيغيين في مختلف الجهات وتم خلق تنظيمات صورية وتمويلها بأموال طائلة هدفها الأساس هو الاختراق واستقطاب الامازيغ إلى حزب سياسي معين ليكونوا أداة انتخابية تحت تصرف الحزب الاداري. 
هذا الاختراق الذي ساهم فيه بعض النشطاء الأمازيغ خاصة محور الرباط وأگادير والدارالبيضاء وجيوب أخرى في بعض الجهات، مع التركيز على جهة سوس التي تم استهدافها بشكل مباشر، خلق ارتباكا واضحا في صفوف الحركة، وحول النخب الامازيغية من نخب فكرية تطرح مقاربات وتصورات سياسية وثقافية كانت تجتهد في انتاج أفكار سياسية، حولها الحزب المعلوم إلى كائنات انتخابية تنتظر "الاحسان الحزبي" و"الاطعام السياسي" إما بشكل مباشر عن طريق منح وتحفيزات مالية أو عن طريق تعيين في مناصب تم احداثها أو في مناصب مرتقبة تنتظر التعيين.
لم تعد ما يسمى بالنخبة الامازيغية تجاوزا، تفكر في التنظيم والتنظير وإنتاج المواقف وتحقيق تراكم معرفي وأكاديمي وسياسي الذي سيجعل الخطاب الأمازيغي قادر على مقارعات فكرية وإيديولوجية مع الخصوم السياسيين داخل المجتمع ومع السلطة التي تتوجس دائما من الفكر والكتابة والتأليف...
كيف لحركة أمازيغية أن تنتج كتابات ومؤلفات وتحقق تراكم علمي وثقافي، في وقت أصبحت فيه هذه الحركة لا تفكر، لا تحمل هما فكريا وثقافيا وسياسيا، كيف للكتاب الأمازيغي أن يواصل الحضور والصراع مع الخصوم وهو فاقد للبنيات الثقافية التي تعتبر منبع الأفكار والنظريات...
الحركة الأمازيغية كانت حركة منتجة للفكر والخطاب لأنها كانت تحمل قضية سياسية كبيرة ومعقدة، أما اليوم حين أصبحت االأمازيغية ملفا عاديا يضمه  رئيس حزب إداري لا هوية اديولوجية له، يستعمله انتخابيا وسياسويا دون أن يفهمه ويستوعبه... لم تعد الحركة الأمازيغية تنتج الأفكار والنظريات والمواقف...لأن الأمازيغية تم سجنها داخل صندوق مالي كبير يوجد به مليار درهم، أغلبية من كان يفترض فيه التفكير والتنظير أصبح يحوم حول صندوق الأمازيغية متى سيتم فتحه... وهو الصندوق المملوء بالمال لكن لن يفتح إلا بعد خمس سنوات... 
إذن من بين أسباب غياب الكتاب الأمازيغي أو المكتوب حول الأمازيغية، وتراجع التفكير والتنظير في شأن القضية الأمازيغية، هي ما نسميه ظاهرة الافتراس السياسي التي استهدفت الحركة الأمازيغية، وتحول الفاعل الأمازيغي من كائن يفكر ويكتب ويؤلف إلى كائن حزبي غير واضح المعالم يتزلف ويتملق ويهنئ الأخ الأكبر "السيد الرئيس"...
السؤال الحقيقي هو هل ستبقى الحركة الامازيغية هكذا تعاني من حالة الاحتباس الفكري أم أنها قادرة على تجاوز هذه الأزمة وتتخلص من تبعات هذا الاختراق الحزبي وإنتاج نخب فكرية وسياسية تساهم في إعادة السؤال الفكري إلى الحركة لخدمة القضية...