الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: من أسباب فشل المدرسة

أحمد الحطاب: من أسباب فشل المدرسة أحمد الحطاب
دور المدرسة المتعارف عليه كونيا هو تربية وتهذيب و تكوين و إعداد الأجيال الصاعدة لتحمُّل مسئولية الاندماج في الحياة الاجتماعية و العملية والمساهمة في تطوُّر البلاد و تقدمها اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا، صناعيا، تكنولوجيا… غير أن هذه المدرسة لم تستطع أن تؤدِّيَ هذا الدورَ كما هو مطلوب منها لأسباب مختلفة.
و أسباب فشل المدرسة المغربية في أداء مهامها على أحسن وجهٍ كثيرة و متنوِّعة. منها ما هو مرتبطٌ ببِنية المنظومة التربوية نفسها و منها ما هو مرتبطٌ بما يجري داخل الأقسام من أساليب بيداغوجية و تربوية و منها ما هو مرتبطٌ بجودة أداء المدرسين و منها ما هو مرتبطٌ بتكوينهم و منها ما هو مرتبطٌ بظروف و وسائل عملهم و منها ما هو مرتبطٌ بوضعهم  الاجتماعي و المادي و منها ما هو مرتبطٌ بنوعية المضامين و المقررات و منها ما هو مرتبطٌ بالوضع التَّربوي و النفسي للمتعلمين…
و تداخُل هذه الأسباب و عدم التَّصدي لها بكيفية شمولية و نَخرُها للمنظومة التَّربوية طيلةَ عقود، جعلوا الإصلاحات المتتالية غير قادرة على استئصالها من جذورها و بالتالي، مضاعفة الفشل الذي تُعاني منه المنظومة التربوية بكيفية مزمنة. و فيما يلي، هذه بعض الأسباب التي تُساهم في الفشل الذي يكاد يصبح بنيويا structurel :
1.الخلفية النَّظرية للمنظومة التربوية تجاوزها الزمان
بعد حصول المغرب على الاستقلال، كانت السياسة التَّعليمية ترتكز على أربعة مبادئ هي : التَّوحيد، التَّعميم، المَغربة و التَّعريب. و هذا شيء منطقي لأن البلادَ حديثة العهد باستقلالها و تريد أن تكونَ لها منظومة تربوية وطنية مترسخة و متجدِّرة في المجتمع المغربي الذي يريد أن تكونَ المدرسة رافعةً من روافع التنمية الاجتماعيةـ الاقتصادية و الثقافية. التوحيد كان يسعى إلى ترسيخ نمط واحد من التعليم العمومي يساوي بين المغاربة كيفما كان انتمائهم الاجتماعي. التعميم كان يسعى إلى إيصال المدرسة إلى جميع أنحاء البلاد ليستفيدَ منها كل الأطفال بدون استثناء. المَغربة كانت تسعى إلى تعويض المدرسين الفرنسيين بمدرسين مغاربة. التَّعريب كان يسعى إلى إحلال اللغة العربية مكانَ اللغة الفرنسية التي كانت تُدرَّس بها جلُّ المواد المدرسية. لا أريد أن أدخلَ في نقاش يُبيِّن هل نجحت المنظومة التربوية في ترسيخ هذه المبادئ على أرض الواقع لأنه ليس هذا هو موضوع هذه المقالة.
ما أريد إيثارةَ الانتباه إليه هو أن المعرفة التي كانت تنقلها المدرسة إلى المتعلِّمين كانت معرفةً ضروريةً لتكوين الأطر التي كانت البلادُ في حاجة ماسة إليهم. و خصوصا أنه في تلك الفترة، لا وجودَ لشبكات التواصل الاجتماعي و لا لتكنولوجيات التعليم و التَّعلُّم كما هو الشأن اليوم و التي تضع شتى أنواع المعارف رهن إشارة مَن يرغب في الاستفادة منها. و لهذا، إذا كانت المدرسة في الماضي هي الوحيدة التي تنقل المعرفةَ للوافدين عليها، فهذه المعرفة متوفِّرة اليوم في الشبكات المذكورة. إذن، ما الذي يجب أن يتغيَّرَ؟ الذي يجب أن يتغيَّرَ هو الهدف من تبليغ المعرفة للمتعلمين. تبليغ المعرفة، اليوم، لا يجب على الإطلاق أن يكونَ هدفُه هو شحن أدمغة المتعلمين بمعارف قد يُرهقهم حِفظُها. المعرفة، إن كانت ذات أهمية، يجب أن تكونَ دعامةً لبناء شخصية المتعلمين و تفتُّحهم و تحرُّرهم الفكري و الاجتماعي. ليس المهم هو حِفظُ هذه المعارف عن ظهر قلب. المهم هو تعلُّم البحث عنها و الوقوف على أهميتها فكريا، علميا، اجتماعيا، اقتصاديا، ثقافيا… و صوابُ اللجوء إليها كلما دعت الضرورة إلى ذلك. و كل هذه الاعتبارات تستدعي إعادةَ النظر في الخلفية النظرية للمنظومة التربوية!
2.مات التَّفاعلُ الذي كان قائما في الماضي بين المدرسة و المجتمع
انعزلت المدرسة عن المجتمع إلى درجة أنها أصبحت حاليا عبارةً عن جسم غريب يتحمله المجتمع غصبا عنه. عادةً، المدرسة هي التي تُنتِج المجتمعَ و المجتمع هو الذي يُنتِج المدرسةَ. أو بعبارة أخرى، المدرسة صورة لمجتمعها و المجتمع صورة لمدرسته. في غياب هذا التَّربط، تصبح المدرسة عبارةً عن معمل يُنتِج أشخاصا مُنمَّطين، و أكثر من هذا، غرباء عن محيطهم الاجتماعي و الاقتصادي. في غياب التًَّفاعل القائم عادةً بين المدرسة و المجتمع، يصيب هذه الأخيرةَ الجمودُ و الركودُ و الانزواء على نفسِها. و الغريب في الأمر، أن ما يُنفقُه المغاربة على المنظومة التربوية غير متوازن مع ما تُفرزُه المدرسة من نتائج هزيلة. إن لم تستجب المدرسة لتطلُّعات المجتمع، فهي غولٌ يلتهم الأموالَ ويُنتِج الأهوالَ.
3.المدرسة و البيت وسطان أساسيان للتنشئة الاجتماعية و لتحضير و بناء مستقبل المتعلِّمين
في الماضي، كانت المدرسةُ و الأسرةُ تتعاونان لضمان التَّنشئة الاجتماعية للمتعلمين. كان هذا التعاون ممكنا نظرا للمكانة التي كان يحظى بها المدرس في المجتمع. كان هذا الأخيرُ، إلى جانب دوره في التَّعليم و التَّعلُّم، مربِّيا بما للكلمة من معنى. كان له حضورٌ وازنٌ، بالطبع داخل القسم و المدرسة، لكن كذلك خارجَ المدرسة و خصوصا في علاقاته مع الأسر. اليوم، اضمحلَّ الجِسرُ الرابط بين المدرس و الأسر و تلاشت، بجكم اضمحلال هذا الجسر، التَّنشئة الاجتماعية للمتعلمين. لقد تخلَّت المدرسة عن هذا الدور و تركته للصدفة و الظروف تتجكَّم فيه. اليوم، المدرسة ركَّزت اهتمامَها على تبليغ المعرفة لكن على حساب بناء شخصية المتعلمين. التنشئة الاجتماعية ليست فقط إغناء الرصيد المعرفي للمتعلمين. إنها، أولا و قبل كل شيء، أخلاقٌ و سلوكٌ و فكرٌ و تكيُّف مع الظروف و الواقع و اندماج في الحياة الاجتماعية و العملية و تفتُّحٌ و تنويرٌ…
4.مدرسة التَّعلُّم قبل التعليم
يجب أن يُدركَ الجميع و بصفة نهائية أن المتعلِّمَ هو الذي يتعلَّم و المدرس ليس إلا وسيلة لتسهيلِ هذا التَّعلُّم. التَّعلُّم ينطلق من المتعلِّم. و لهذا، من المهم بمكان أن تتوفَّرَ لدى المتعلِّم الرغبةُ في التَّعلُّم. و هذه الرغبة، المدرس هو الذي يوفِّرها بنوعية تعامله المهني مع المتعلمين. و لهذا، يجب أن تُعتَبَرَ المدرسةُ وسطا يتعلم فيه المتعلِّم كيف يتعلم و ليس آلةً ميكانيكيةً لحشو رؤوس المتعلمين بمعارف غالبا ما تكون بعيدة عن ما يجري في محيطهم الاجتماعي، الاقتصادي و البيئي. و التعلُّم يعني أن تعتني المدرسة ببناء شخصية المتعلِّم (تربيته)، أي أن تكرِّس جهودها ليتعلم ما هي المواطنة و حب الوطن و ما هي المسئولية مند نعومة الأظافر و أن يستقل بذاته تدريجيا و أن تكون له القدرة على التكيف مع ما يجري في محيطه و أن يتعوَّدَ على الفكر النقدي و متفتِّحا و متحررا فكريا و مبدعا و متعودا على حل المشكلات، الخ. أي أن يتوفر على كل ما يجعل منه فعلا رافعةً مستقبليةً للتنمية و مُنْتِجا لقيمات مُضافة، الخ.
5.أكبر إنزلاق في المنظومة التربوية : الفشل المدرسي
مفهوم الفشل المدرسي يجب أن يختفي نهائيا من قاموس المنظومة التربوية، على الأقل في مرحلة التعليم الأساسي. لأنه في الوقت الراهن، المدرسة متناقضة مع دستور البلاد الذي كرس مفهوم تكافؤ الفرص، أي أن المدرسة خُلقت من أجل نجاح الجميع و ليس من أجل تكريس مفهوم الانتقائية. أكثر من هذا، الفشل المدرسي أصبح سِلعةً يُتاجِر بها بعض المدرسين سامحهم الله. و ما يُسميه البعضُ فشلا مدرسيا لحاجات في نفس يعقوب، هو في الحقيقة تفاوتٌ في القدرة على التَّعلُّم. و اسبابُ تفاوت القدرة على التَّعلُّم كثيرة أخصُّ منها بالذكر الظروف الاجتماعية و الاقتصادية للمتعلمين. للتَّصدي لهذا التَّفاوت، كان و يكون من المفروض أن تقومَ المدرسة بتذويبه من خلال ما يجب أن يبدلَه المدرسون من جُهدٍ داخل الأقسام. لكن لا أحد يبدل هذا الجهد. ما يحدث هو استغلالُ هذا التَّفاوت من طرف بعض المدرسين لحثِّ المتعلمين على الخضوع لدروس خصوصية مؤدى عنها.
6.تكوين المدرسين هو حجرُ الزاوية في أداء المنظومة التربوية مهامها بجودةٍ عالية
يجب أن يُعاد النظر في تكوين المدرسين بكيفية جذرية. و في هذا الصدد، يجب أن لا يبقى المدرس عبارةً عن واسطة تنقل المعرفة من الكتب المدرسية إلى المتعلمين. و أن لا يُعتبرَ المدرسُ كمالك للمعرفة لأنه بكل بساطة ليس هو الذي أنتجها. بل يجب أن يُعتَبَرَ كمتعامل مع هذه المعرفة بطريقة تجعل نقلَها إلى المتعلمين سهلا و مفيدا. بالطبع و مما لا شك فيه، يجب أن يكون متمكنا من مادة تدريسه لكن ليس لتراكمها لدى المتعلم و لكن لتساهم في بناء شخصيته و مستقبله. و لهذا، فعلى المدرس أن يعتني أولا و قبل كل شيء بهذا البناء. و في هذا الصدد، فلن يكفيه أن يكون متمكنا من مادة تدريسه. فعليه أن يكون مسهِّلاً، مرشدا، موجها، منشطا، مربيا، مساعدا، مصاحِبا، محفِّزا، مُآخّيا، منظِّما، الخ. فتكوينه يجب أن يكون من مستوى عالي تأخذ فيه علوم التربية حيزا مهما : بيداغوجيا، ديداكتيك، فلسفة و سوسيولوجيا التربية، تاريخ العلوم، إبيستيمولوجيا، علم النفس التربوي، اقتصاد التربية، الخ. إضافة إلى الإلمام بالسياسات التربوية و القوانين المنظمة لها و علم التواصل و لغة التدريس، الخ. إلى حد الآن، تكوين المدرسين لا يحظى بما يستحقه من اهتمام.
7.جودة المنظومة التربوية لها علاقة وطيدة بالعناية بالمدرسين 
و هذه العناية يجب أن تشملَ على الخصوص وضعَهم الاجتماعي و المادي. ما نلاحظه اليوم، هو أن المدرسَ لم تعد له تلك المكانة التي كان يحظى بها في المجتمع من حيث الاحترام و التقدير و التثمين. و هذا الاحترام و التقدير ناتجان عن كونه كان يُساهم فعليا، كما سبق الذكرُ، في التَّنشئة الاجتماعية للمتعلمين. و لعل خير وسيلة لاسترداد هذا الاعتبار تكمن في إعادة النظر في وضعه المادي. يجب أن يكون مرتب المدرس من أعلى مُرتَّبات الدولة لأن العديد من الدراسات بينتْ بوضوح أن البلدان التي يتقاضى مدرسوها مرتَّبات عالية، تكون منظوماتها التربوية ذات جودة عالية و تحصل على أعلى النتائج في البرنامج الدولي لتقييم مكتسبات التلاميذ PISA. فرنسا التي مُرتَّبات مدرسيها ضعيفة بالمقارنة مع دول أوروبية أخرى، مرتبة وراء الدول الاسكندنافية و ألمانيا و لكسمبورغ و المملكة المتحدة، الخ.
8.ما هو مهمٌّ في أداء المنظومة التربوية لمهامها : بناء مستقبل المتعلمين أو استعلاء بعض المفتشين و بعض رؤساء المؤسسات التعليمية؟
بعض المفتشين و بعض رؤساء المؤسسات التعليمية، سامحهم الله، يتعاملون مع المدرسين و المتعلمين باستعلاءٍ و كبرياء و يعتبرون أنفسَهم ،أسيادَ العارفين. أنا شخصيا، حينما أسمع هذه الكلمة "مفتش" و حتى باللغة الفرنسية inspecteur، أحس بنوع من الاشمئزاز لأنها ليست في محلها عندما يتعلق الأمر بالتعليم. فبمجرد ما تُسْمَعُ، تذكِّر "بتَبوليسيتْ و الحضيان". و هذا هو ما يحدث فعلا عندما يدخل مفتش إلى قسمٍ من الأقسام. يدخل بفكرة أنه الشرطي المتعالي على المعلم أو الأستاذ و أن هذا الأخير متهم حتى تثبت براءتُه، بمعنى إنه هو العارف و المعلم أقل منه عرفانا. و لهذا، ترى أغلبية المفتشين يحضرون الدروس و يغادرون القسم دون أن يتناقشوا مع المعني بالأمر. لأنهم يعتبرون النقاش مع هذا المعني بالأمر تنقيص و حط من قيمتهم. بينما الغاية من التفتيش ليس هو القمع و الاستبداد بل النصح و المساعدة و التنوير و الإضافة في جو يجعل مَن خضع للتفتيش مطمئنا و متقبلا للملاحظات. و لهذا، بُلاحظُ أن تقاريرَ بعض المفتشين ليست محاضرَ لمجريات الدرس و لكن انتقاما من المعلم الذي أبان عن كفاءته أمام مفتش أبان عن جهله. و لهذا أصبحت التقارير عبارة عن إنشاء للحط من قيمة المدرسين عوضَ أن تكونَ نُصحا و تكميلا للنقائص التي لا ينجو منها أمهر المدرسين. أما بعض رؤساء المؤسسات التعليمية، فعوض أن يكونوا من الداعمين لإنجاح المهام السامية لمؤسساتهم، فإنهم يتصرفون مع المدرسين و المتعلمين بعجرفة و جبروت يجعلونهم يحسون بأن هناك رئيسا و مرؤوسا.
9.المتعلِّم هو المُسخَّر للتَّعليم و ليس العكس
عادةً، التَّعليم هو الذي يجب أن يتكيَّفَ مع الوضع النفسي و الاجتماعي للمتعلِّم و ليس العكس. لأن الطفلَ، عندما يذهب إلى لمدرسة، فإن هدفَه الأول و الأخير هو أن يتعلَّمَ ليفهمَ. و كي يتعلَّم و يفهم، يجب أن يجدَ مُتعةً فيما هو بصدد تعلُّمِه. و كي يجد مُتعةً فيما هو بصدد تعلُّمِه، يجب أن تُعطى قيمةٌ لشخصِه نفسيا و اجتماعيا. و هنا بيتُ القصيد.
 فعندما يذهب الطفلُ إلى المدرسة، فإنه لا يذهب إليها بدماغٍ فارغة أو بدماغٍ بِكر مستعد لتلقِّي كل أنواع المعارف المدرسية. إن هذا الطفل، عندما يتردَّدُ على المدرسة، فإنه يكون قد كوَّن مسبقا نظرةً عن العالم المحيط به، أو بعبارة أخرى، هذا الطفلُ يدرك العالمَ المحيطَ به بطريقة تخصُّه هو. و في غالب الأحيان، تكون هذه النظرةُ مقترْنةً باللعب أو بكل ما له علاقة يهدا اللعب.
بكل أسف، المدرسة لا تُعيرُ أي اهتمام لهذه النظرة التي كوَّنها الطفلُ عن العالم المحيط به أثناء طفولته. بل المدرسةُ تعتبر الطفلَ ناضجا لتلقِّي معارفها بدون عناء. في الحقيقة، المدرسة لا تقوم بأي شيءٍ سوى أنها تضع معارفَها فوق معارف الطفل التي هي تلقائية و لكن، في نفس الوقت، عنيدة. معارف الطفل التلقائية هي التي يعتمد عليها هذا الطفلُ للتَّعامل مع العالم المحيط به. و المدرسة، عوضَ أن تسعى لتعويض معارف الطفل التلقائية بمعارفها المنظمة، من خلال أساليب بيداغوجية و نفسية ملائمة، فإنها تُحدِثُ عند هذا الطفل صراعا بين هذين النوعين من المعارف. و في آخِرِ المطاف، ليست المدرسة هي المتضرٍّرة من هذا الصراع، لكن الطفل الذي قد يجرُّ وراءه معارفَه التلقائية على امتداد مدة طويلة.
فهل المتعلِّم هو الذي يجب أن يكونَ مسخَّراً للتَّعليم أم التَّعليم هو الذي يجب أن يكونَ مسخَّراً للمتعلِّم؟ المدرسة اختارت البديلَ الأول!
10.الحِفظ و ما أدراك ما الحِفظ!
غريب أمر منظومتنا التَّربوبة التي تُنفَق الأموالُ الطائلةَ من أجل تحويل المتعلمين إلى آلات للحفظ و الاستظهار. و كأن القائمين على هذه المنظومة التَّربوية  ليسوا على علمٍ بأن الحفظَ وحده لا فائدة منه. بل إنه يكبح الطاقات الفكرية و النقدية. فما هو مهمٌّ و مفيد بالنسبة للطفل الذي يتردَّدُ على المدرسة؟ هل اعتمادُه فقط و حصريا على ملكة الحفظ ليتعلَّم أم على ملكات التفكير و النقد و الاستقراء و الاستنتاج و المقارنة و البَرهنة و التَّجريب… ليتعلَّمَ كيف يتعلَّم؟ و ما هو كذلك مهمٌّ بالنسبة للطفل الذي يتردَّد على المدرسة؟ هل حِفظُه للدروس عن ظهر قلبٍ تحت الضغط و الإكراه ثم نسيانُها بمجرد زوال هذين الضغط و الإكراه؟ أم فَهمُ هذه الدروس و استبطان ما تنقله من مفاهيم و معارف و القدرة على الربط فيما بينها فكريا كلما دعت الضرورة إلى ذلك؟ ثم ما هو مفيد بالنسبة للطفل الذي يتردَّد على المدرسة؟ هل الحفظ و الاستظهارُ سيساعدان الطفلَ على بناء شخصيته؟ أم بناء شخصيته يحتاج إلى إعمال ملكاته الفكرية ليجعلَه هذا البناءُ قادرا على الربط بين ما يتلقاه من معارف و ما يجري في حياته اليومية الاجتماعية من أحداثٍ و ظواهر؟ المدرسة اختارت ما يُبرِّرُ و يرسِّخ وجودَها : شحنُ دماغ الطفل بالمعارف الجافة و إرغامُه على حِفظها، في غالب الأحيان، تحت الإكراه و الضغط..