الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: تمدد الإرهاب إفريقيا يفرض التعامل معه بجدية

سعيد الكحل: تمدد الإرهاب إفريقيا يفرض التعامل معه بجدية سعيد الكحل

تحل الذكرى التاسعة عشرة للعمليات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الاقتصادية ــ الدار البيضاء ــ ليلة 16 ماي 2003، ويتجدد معها الوعي بمخاطر الإرهاب على أمن واستقرار الوطن . لقد خفتت الأصوات التي كانت تتهم الدولة "بفبركة" ملفات الإرهاب بعد أن تيقّن الجميع من صحة المعلومات التي تقدمها الأجهزة الأمنية المختصة، خصوصا بعد إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية (BCIJ ) سنة 2015. خلال عقدين من الحرب الدولية على الإرهاب، يحق اليوم تقييم نتائج هذه الحرب، سواء على المستوى الوطني أو الدولي . ويمكن تسجيل الملاحظات التالية :

1 ــ تزايد خطورة التنظيمات الإرهابية بحيث لم تعد تلك التنظيمات تعتمد على الوسائل التقليدية في مهاجمة الأهداف (العبوات الناسفة )، بل صارت تمتلك من الأسلحة المتطورة ما لم تمتلكه جيوش الدول المستهدَفة (أسلحة ثقيلة، الطائرات المسيرة، صواريخ ..)، خاصة في إفريقيا. فبعد أن كان خطر التنظيمات الإرهابية على الدول محدودا في بداية الألفية الثالثة، صار اليوم أخطر، لدرجة أنه دمّر دولا وهجّر الملايين ، أما ضحاياه فبمئات الآلاف.

2 ــ تناسل التنظيمات الإرهابية:إذ لم يعد تنظيم القاعدة وحده ينشط في الساحة الدولية وينفذ عملياته ، بل تشكلت تنظيمات أخرى أشد خطورة ودموية (تنظيم داعش، جماعة بوكو حرام، حركة الشباب الصومالية، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ..) . لم يعد العالم يواجه تنظيما إرهابيا واحدا وإنما صار يواجه خطر تنظيمات أخرى أشد دموية وأشرس همجية، بحيث بلغ عدد هذه التنظيمات 27 تنظيما.  

3 ــ  تمدد رقعة الإرهاب، فبعد أن كان محصورا في أفغانستان زمن السيطرة الأولى لطالبان على الحكم، أدت إستراتيجية التحالف الدولي إلى عولمة الإرهاب من خلال عولمة الحرب عليه . هكذا تمدد الإرهاب في آسيا وإفريقيا ولا يزال يتمدد تحت أنظار دول التحالف وترددها في تجفيف منابعه . بل إن دول التحالف سهّلت سيطرة التنظيمات الإرهابية على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا ولازالت مناطق سورية تحت سيطرة الإرهابيين بدعم خارجي . وقد سبق للأمين العام للأمم المتحدة ،غوتيريش، أن حذر في تقرير له في نونبر 2019 من أن "الجماعات الإرهابية ثبّتت موطئ قدمها في جميع أنحاء منطقة الساحل، مما قوّض الاستقرار في مساحات شاسعة منها وأجّج العنف الإثني فيها، ولا سيما في بوركينا فاسو ومالي."

4 ــ تزايد وتيرة العمليات الإرهابية، إذ مكّن التمدد وامتلاك السلاح والمال من استقطاب آلاف المتطرفين، من مختلف القارات والدول، وتجنيدهم لمهاجمة الدول التي تعاني الهشاشة وضعف التسليح، خاصة في إفريقيا . الأمر الذي جعل التنظيمات الإرهابية تكثف من هجماتها الدموية مستهدفة المدنيين والجنود على حد سواء. فحسب الأرقام التي كشف عنها المكتب الأمريكي لمكافحة الإرهاب، فإن عدد  الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل ارتفع بنسبة 43٪ بين عامي 2018 و 2021. وباعتبار هشاشة دول الساحل والصحراء، فإن ضحايا الإرهاب بهذه المنطقة يمثلون 48٪ من الوفيات العالمية المرتبطة بالإرهاب. وطبقاً لتقرير «عدسة الإرهاب» الصادر في القاهرة الأسبوع الثاني من ماي 2022، فإن قارة أفريقيا شهدت خلال أبريل سقوط 726 قتيلاً، بسبب العمليات الإرهابية، فضلاً عن مئات الإصابات. وذكر التقرير أن "الجماعات الإرهابية صارت أكثر نفوذاً ونشاطاً في القارة الأفريقية". وهذا ما يؤكده تقرير مؤسسة "ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان" في القاهرة  من أن "الجماعات الإرهابية نفذت ونُسب لها زهاء 904 عملية إرهابية في عام 2021، راح ضحيتها 1799 فيما أصيب 1912". لهذا حذرت فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الدولة الأمريكي المكلفة بالشؤون السياسية، خلال مشاركتها في مؤتمر مراكش الذي عقده التحالف الدولي ضد داعش ،من أن "التهديدات الإرهابية ظلت تحدق بالقارة الإفريقية في السنوات الأخيرة بفعل تنامي خطر تنظيم "داعش" الإرهابي بالمنطقة".

5 ــ تحالف الانفصال مع الإرهاب؛ ذلك أن التنظيمات الإرهابية تموّل الحركات الانفصالية بالمال والسلاح مقابل تنفيذ عمليات اختطاف المواطنين والأجانب أو مهاجمة القوات العسكرية، فضلا عن عمليات التنسيق بين التنظيمات (الانفصالية، الإرهابية والجريمة المنظمة ) التي تضمن اجتناب التصادم المسلح بينها. إن هذا التحالف والارتباط بين التنظيمات يتجسد في عدة نماذج منها:

أ ــ جماعة "القوات الديمقراطية المتحالفة" نشأت على يد مجموعة من الضباط الأوغنديين المنشقين وتنشط في أوغندا والكونغو الديمقراطية ، والتي أعلن زعيمها  موسى سيكا بالوكو ،في سبتمبر 2020، موالاته لداعش "لم يعد هناك شيء اسمه القوات الديمقراطية المتحالفة بعد الآن.. نحن ولاية، ولاية إفريقيا الوسطى وهي ولاية واحدة من بين الولايات العديدة التي تتكون منها الدولة الإسلامية".

ب ــ جماعة "بوكو حرام" التي بايعت تنظيم داعش  في  مارس 2015  وصارت أحد الجناحين لولاية إفريقيا الوسطى.

ج ــ "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في مالي التي تشكلت من عدة فصائل انفصالية وأخرى إرهابية ، وأعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة في مارس 2017.

د ــ "جبهة البوليساريو" التي تثبت الأدلة المادية ارتباطها بتنظيم القاعدة بحيث ينشط أزيد من 100 عنصر من الجبهة في صفوف تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، حسب تأكيدات حبوب الشرقاوي، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية. وجدير بالذكر أن الإرهابي عدنان أبو الوليد الصحراوي كان أحد عناصر البوليساريو الذي انضم إلى القاعدة ثم داعش حافظ على التنسيق والارتباط بين البوليساريو والتنظيمات الإرهابية، إلى أن قتلته القوات الفرنسية في غشت 2021 .

رسالة المغرب إلى المنتظم الدولي حول العلاقة بين الانفصال والإرهاب وخطرها على الأمن الإقليمي، رغم وصولها متأخرة إلى دول التحالف ، إلا أنها صار لها وقع قوي عكَسَه البيان الختامي  للمشاركين في المؤتمر العالمي لدول التحالف ضد الإرهاب الذين “أعربوا عن قلقهم إزاء انتشار الحركات الانفصالية في إفريقيا، التي تقف وراء زعزعة الاستقرار وتعميق الهشاشة في الدول الأفريقية، ما يشجع في نهاية المطاف داعش وباقي التنظيمات الإرهابية والمتطرفة العنيفة”. فالأصوات الإفريقية المحذرة من خطر الانفصال والإرهاب لم تكن تلق التجاوب المطلوب من دول التحالف، مما ساعد على تمدد الإرهاب . إذ سبق لرئيس المفوضية الإفريقية، موسى فقي، أن أثار  خلال اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإيثيوبية أديس أبابا، فبراير 2022، أن التهديدات الخطيرة التي تواجهها إفريقيا "تتجلى في عدة أوجه، ومن ضمنها، النزاعات داخل الدول، وتمدد الإرهاب الدامي في منطقة الساحل، وفي القرن الإفريقي، وفي مناطق البحيرات الكبرى وجنوب القارة، مع وجود رغبة قوية لزعزعة الاستقرار على نطاق واسع في دول تشكو ضعفا في مجال الحكامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

6 ــ غياب الجدية لدى الدول الغربية في محاربة الإرهاب بإفريقيا. فمنذ سقوط الخلافة المزعومة لداعش بسوريا والعراق، اتخذت التنظيمات الإرهابية من منطقة الساحل والصحراء معقلها الرئيسي حيث أعلن داعش عن تأسيس ما يسميه بالولايات: "ولاية غرب إفريقيا"، "ولاية وسط إفريقيا" تمهيدا لإعلان "دولة الخلافة" من جديد بالقارة الإفريقية. وتساعده في توسعه عوامل كثيرة أهمها :

ــ تضارب المصالح الغربية مما ينعكس على جهود محاربة الإرهاب وعدم التزام دول التحالف بتعهداتها المالية والعسكرية ( عام 2017-2018، وقَّعت روسيا اتفاقيات تعاون مع أكثر من (تسع عشر دولة) إفريقية جُلُّها في غرب إفريقيا(نيجيريا، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، وبوركينا فاسو، والسودان). وجدير بالتذكير أن تحالف دعم بلدان الساحل الأفريقية، سبق وأعلن من موريتانيا في فبراير 2020، العمل على جمع 12 مليار يورو (أكثر من 13 مليار دولار)، لتمويل خطط مكافحة الإرهاب ودعم التنمية. إلا أنه لم يف بتعهده.

ــ تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تستغلها التنظيمات الإرهابية لاستقطاب الشباب المتذمر من أوضاع التهميش . ففي عام 2017، كشف تقرير  صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نتائج المقابلات التي أجريت مع أكثر من 700 عضو سابق في الجماعات المتطرفة، عن كون معظمهم منحدرون من الأراضي الحدودية أو المناطق النائية التي تم تهميشها لأجيال. وما يزيد من تعقيد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، أن العنف والعمليات الإرهابية تكبدان إفريقيا خسائر اقتصادية هائلة قدرت بأكثر من 170 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة ،حسب الدراسات الأمنية الحديثة.

ــ هشاشة دول الساحل التي تفتقر إلى الإمكانات المادية والعسكرية لمواجهة الإرهاب في منطقة صحراوية شاسعة تتجاوز مساحتها 12 مليون كلم مربع .

ــ الصراعات القبلية والإثنية الموروثة عن فترة الاستعمار ، والتي يزيد من تأجيجها رجال الدين (مسلمين ومسيحيين) .

إن المغرب يتميز باعتماد إستراتيجية واضحة في محاربة الإرهاب جعلت الكثير من دول العالم تطلب الاستفادة من خبراته . كما يتميز المغرب بالتزامه بتعهداته الدولية، سواء داخل التحالفات الإقليمية أو الدولية ؛ الأمر الذي أشادت به تقارير الخارجية الأمريكية حول مكافحة الإرهاب حيث اعتبرت أن "المغرب شريك مستقر في تصدير الأمن في شمال إفريقيا، والدولة الإفريقية الوحيدة المساهمة في الحملة العسكرية لمحاربة داعش في العراق وسوريا”. فالمغرب واع بأن الحرب على الإرهاب في إفريقيا ينبغي أن تكون متعددة المستويات تشمل، بالإضافة إلى الدعم العسكري واللوجيستيكي والاستخباراتي للدول التي تواجه خطر الإرهاب، وضع إستراتيجية لتنمية المناطق التي تعاني الفقر والجفاف، وكذا حل النزاعات الإثنية والصراعات السياسية على السلطة. لهذا على دول التحالف أن تكثف جهودها لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية التي باتت تهدد الأمن العالمي ، خصوصا وأن منطقة الساحل والصحراء تحولت إلى ملاذات آمنة للإرهابيين .كما على الدول العربية إغلاق كل المواقع الإلكترونية التي تحرض على الكراهية وتنشر التطرف وتسليم المطلوبين إلى عدالة دولهم على خلفية الإرهاب.