الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل تدخل مارين لوبين قصر الإليزيه بفرنسا؟

يوسف لهلالي: هل تدخل مارين لوبين قصر الإليزيه بفرنسا؟ يوسف لهلالي

فرضية دخول مارين لوبين إلى قصر الإليزيه أصبحت واردة جدا بفرنسا بعد الانتخابات الرئاسية في دورها الأول، وأصبحت إمكانية لا ترعب الفرنسيين في رؤية ممثلة اليمين المتطرف في قصر الإليزيه في اعلى منصب لرئاسة فرنسا. وذلك نظرا لتقارب الكبير في النفط بينها وبين رئيس الجمهورية المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون الذي رغم التقارب في النقط مازال يتصدر استطلاعات الرأي التي تعطيه الفوز في هذه الانتخابات بنسبة ضئيلة.

هذه الفرضية أصبحت جدية، وحسب المتتبعين لهذه الانتخابات فإن أحد أسباب تقدم لوبن هو نجاحها في رسم صورة أكثر اعتدالا لها وتقديم نفسها على أنها المرشحة الأكثر قدرة على التعامل مع مشاكل الفرنسيين من بينها ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية بفعل التضخم. كما ان منافسها يعاني من صورة سلبية باعتباره مرشح الأغنياء وممثلي الرأسمال.  وقد نجحت لوبين في إخفاء الوجه المرعب لليمين المتطرف وتاريخه بفرنسا وأوربا، وأصبحت اغلبية من الفرنسيين اليوم تعتبر هذا الحزب الذي لا يقتسم نفس القيم الجمهورية من مساواة وحرية واخاء مع باقي الأحزاب. وحزب لا تخفي زعيمته أن النموذج السياسي لفرنسا هو فلاديمير بوتين او فيكتور أوربان.

وقبل الدورة الأولى، قامت بحملة هادئة ركزت خلالها على موضوع القوة الشرائية، الشغل الشاغل للفرنسيين. وأعادت تركيز صورتها ايضا، مستفيدة من التجاوزات والخطاب المتطرف للمرشح اليميني المتطرف الآخر إريك زمور، الذي حصل على 7 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى واستبعد بذلك من الدورة الثانية. الملفت للانتباه، ان اليمين المتطرف حصل على تلث أصوات الناخبين الفرنسيين في الدور الأول تقريبا. (مرشح حزب "الاسترداد" إيريك زمور (7.1٪) ونيكولا ديبون إينيان "انهضي فرنسا" (2.1٪)،ومارين لوبين 23.15 في المائة)

مختلف الدراسات تشير ان المرشح ايمانييل ماكرون ليس له احتياطي من الناخبين مقارنة مع منافسته مرين لوبين، و اخر دراسة لدى ناخبي اليسار، الذين يعول عليهم، بين استطلاع  تم بحزب فرنسا الابية ان تلثي الناخبين الذي صوتوا على جون ليك ميلونشون والذي احتل المرتبة الثالثة بنسبة 22 في المائة من الأصوات، لن يصوتوا على ماكرون وسوف يمتنعون عن التصويت هذه المرة. وإذا اضفنا إليهم 26 في المائة في الدور الأول، فان الهامش جد ضعيف امام مرشح الجمهورية الى الامام. لهذا يطرح السؤال الكبير، عن مدى قدرته على اقناع هؤلاء المترددين من اليساروكذلك الممتنعين عن التصويت.

وحسب اخر استطلاع أجرته مؤسسة ايبسوس ونشرت نتائجه قبل يومين، من بين الفرنسيين الذين صوتوا لجون لوك ميلونشون خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يعتزم 33 بالمائة التصويت لصالح إيمانويل ماكرون في الجولة الثانية، و16 بالمائة لمارين لوبن، بينما لم يفصح 51 بالمائة  منهم عن نواياهم للتصويت. (امتناع، تصويت فارغ أو ملغى،).

ومؤشر على تحول اليمين المتطرف الى حزب كباقي الأحزاب،  ففي نهاية الأسبوع نظمت العديد من المظاهرات أسبوع على  الاستحقاق الرئاسي حضرها  مئات الأشخاص في باريس وفي حوالى ثلاثين مدينة فرنسية أخرى ضد اليمين المتطرف الذي لم يبد يوما قريبا بهذه الدرجة من الظفر بالرئاسة، بالرغم من اتساع الفارق بين لوبن وماكرون في الاستطلاعات الأخيرة التي توقعت فوز الرئيس المنتهية ولايته بنسبة  55 في المائة تقريبا.
هذه التظاهرات التي تمت في مختلف انحاء فرنسا و بدعوة من عدة منظمات ونقابات، من أجل قول كلمة "لا" لليمين المتطرف،

والمشاركة الضعيفة بها، بينت التحول وسط الراي العام الفرنسي الذي لم تعد ترعبه إمكانية وصول اليمين المتطرف العنصري الى السلطة. بل هذا الخوف لم يعد يمس حتى الفرنسيين من أصول مهاجرة خاصة العرب والافارقة، التي اخذت مارين تقنع عددا مهما منهم بالتصويت عليها. ويبقى حضر الحجاب التي تدعو اليه في الأماكن العامة والحريات الدينية هو نقطة ضعفها وهو موضوع بدأت تطور موقفها منه كذلك بقولها انها لا تستهدف المسنات بل الذين يستعملونه كرمز أيديولوجي.

كانت ولاية ماكرون الأولى صاخبة عمد خلالها الى اتقان فن التكيف الى جانب ممارسة منفردة للسلطة. وتعرض لازمة اجتماعية خطيرة، دفعته الى التراجع عن العديد من تصورته، وهي الأزمة الاجتماعية لسترات الصفراء، وبعدها كان عليه تدبير تداعيات جائحة كورنا على الخصوص التي نجح فيها رغم تعدد الصعوبات.
ويعتبر أصغر رئيس عرفته فرنسا على الإطلاق، صعد وزير الاقتصاد السابق في عهد الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند إلى القمة عام 2017 وهو في سن 39 عاما فقط، مستخدما ببراعة صورته كسياسي لا ينتمي الى اليمين ولا الى اليسار مستفيدا من تفكك الأحزاب التقليدية.

طبع تفكك الأحزاب التقليدية، والمشهد السياسي بظهور عبارة "لا يمين ولا يسار " مند 2017 هو الذي يفسر التحول في المشهد السياسي الفرنسي والازمة التي يعيشها، والتعامل مع حزب اليمين المتطرف، كأنه حزب تقليدي، فغياب الأحزاب السياسية من اليمين الكلاسيكي ومن اليساروالتي لها تاريخ في مكافحة التطرف هو الذي سهل مهمة هذا الحزب المتطرف اليوم.

سنة 2002، عندما وصل ممثل اليمين المتطرف جون ماري لوبين لأول مرة الى الدورة الثاني لمواجهة ممثل اليمين والوسط جاك شيراك، تشكلت جبهة جمهورية مكنت الراحل شيراك بالفوز برقم قياسي من الاصوات، وهي نفس الجبهة التي نجحت سنة 2017 في تمكين ماكرون من النجاح ضد مارين لوبين، لكن اليوم التساؤل الكبير، هل سوف تنجح الجبهة الجمهورية في التشكل من اجل هزم مارين لوبين؟ الأمر أصبح مستبعدا اليوم في تشكل هذه الجبهة من جديد، ورأينا كيف ان التظاهرات التي قامت بها النقابات والجمعيات في نهاية الأسبوع بمختلف المدن الفرنسية كانت ضعيفة، وكيف غاب الفنانون والمثقفون عن هذه التعبئة كما حدث في السابق، وكذا النقابة القوية بفرنسا لرجال الأعمال، التي لم يعد يقلقها هذا التحول الجذري بفرنسا وهو فتح قصر الإليزيه في وجه ممثلة اليمين المتطرف بما يرمز ذلك  له تاريخيا في  فرنسا أو أوربا.