الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

عزيز البازي يسقط أوراق التوت عن قرار الحكومة بمحاكمة الدكاترة والموظفين

عزيز البازي يسقط أوراق التوت عن قرار الحكومة بمحاكمة الدكاترة والموظفين   د. محمد عزيز البازي
تتناول هذه الدراسة موضوع محاكمة موظفينا الدكاترة بناءً على "مقترح قانون رقم 14-45-5 بإحداث النظام الأساسي الخاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة"[1]، الذي صدرت في حقه ثلاث قرارات على عهد الحكومة السابقة، نوردها بالنقد والتحليل كما يلي:
1. قرار الحكومة:
في الوقت الذي كنا ننتظر فيه الحكومة المغربية أن توفي هذا المقترح حقه من العناية والاهتمام، لما له من أهمية قصوى في تفعيل الجودة والحكامة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمردودية والنهوض بالبحث العلمي إلى المستوى المتوخى، عبر تجسير أواصره بين التعليم والإدارة أي بين مختلف قطاعات ومؤسسات الدولة، خاصة وأن إنجاز هذا المقترح هو ثمرة مجهود مضن وعمل ذؤوب استغرق سنين طويلة من الدراسة والتحليل والفحص والتدقيق والتمحيص والمقارنة والمناقشة والاستشارة بين مختلف فئات الدكاترة الموظفين بأسلاك الوظيفة العمومية، ما أعفاها من المشاق الجمة والتكاليف الباهظة لإعداد هذا المقترح الذي يروم إحداث نظام أساسي لهيئة هؤلاء الدكاترة، ينقذهم من الوضعية المزرية الهجينة التي يعيشون تحت نيرها، نفاجأ بذهول شديد، مقابل هذا، أن هذه الحكومة نفسها التي كانت تناصر قضية دكاترتنا أيام تحملها مسؤوليتها البرلمانية في شخص مختلف أعضائها كوزير العدل والحريات مصطفى الرميد، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر لحسن الداودي، قد انقلبت رأسا على عقب، مبدية اعتراضها لهذا المقترح بحجج متناقضة هشة جوفاء تبرهن على اضطراب وتناقض وتلكؤ وتعنت وعجزها في إيجاد حل لهذه الوضعية الشاذة المزمنة التي يعيشها الدكاترة، وذلك فيما سآتي على ذكره:
-اعتبار الحكومة أن مقترح القانون الرامي إلى إحداث نظام أساسي خاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة لا يندرج في مجال القانون، بمعنى لا يدخل في اختصاصات البرلمان، بناء على الفصل 79 من الدستور القائل: "للحكومة أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون"[2]، وزعمها أن الدستور لم يدرج من نصوص الوظيفة العمومية في نطاق القانون، إلا النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين (الفصل 71 من الدستور) والنظام الأساسي للقضاة (الفصل 112 من الدستور نفسه)[3]، في حين أن الدستور الجديد وسع من صلاحيات البرلمان واختصاصاته والتشريع في ميادين متنوعة حسبما ينص عليه الفصل 71 نفسه، من قبيل: "الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في التصدير وفي فصول أخرى من هذا الدستور"،  و"النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية"، و"الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين"، و"نظام الجماعات الترابية، ومبادئ تحديد دوائرها الترابية"، و"تحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني"[4]، الأمر الذي يبطل ادعاء الحكومة بعدم اندراج المقترح في مجال القانون، خاصة ما تعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين كالأجرة والترقية وغيرها من الأمور المرتبطة بالأنظمة الأساسية[5]. 
-لإن كان النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية يمنح الحكومة إصدار "مراسيم بمثابة أنظمة أساسية خاصة بهيئات الموظفين الممارسين لنفس المهام أو مهام مماثلة، أو عند الاقتضاء أنظمة أساسية تفرضها خصوصيات بعض القطاعات العمومية"، وفق ما ينص عليه الفصل الخامس[6] من هذا النظام، فإن القاعدة القانونية الأسمى المتمثلة في الدستور الذي يخول مهاما من اختصاص البرلمان في حقل الوظيفة العمومية كما سبق الإشارة إليها، تسمو عن نظيرتها الأدنى الواردة في الفصل الخامس من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ما يدعو إلى ملاءمة محتوى هذا النظام مع مضامين الدستور الجديد 2011.    
-تناقض الحكومة الصارخ المعيب الكامن في كيلها بمكيالين عندما لم تمانع عن تمرير مقترحات قوانين تقدم بها البرلمان كالمتعلقة بتحديد النظام الأساسي الخاص بموظفات وموظفي مجلس النواب[7]، والنظام الأساسي الخاص بموظفات وموظفي مجلس المستشارين[8]، والنظام الأساسي الخاص بكتاب الضبط[9]، مقابل اعتراضها على مقترح قانون لإحداث النظام الأساسي لهيئة الموظفين الدكاترة  !!! 
 -تصلب الحكومة اللامنطقي في اعتراضها الشامل على المقترح المذكور دون مبرر مقنع، رغم إمكانية التعديل والتغيير التي يمنحها الفصل 73 من الدستور للحكومة إذا ما كان مضمون النصوص التشريعية يدخل في اختصاصات سلطتها التنظيمية، حسبما ينص عليه هذا الفصل كما  يلي: "يمكن تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم بعد موافقة المحكمة الدستورية، إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها"[10]، فضلا عن حق التعديل الذي يخوله الفصل 83 من الدستور لأعضاء مجلس النواب والمستشارين والحكومة"[11].
لقد كان على الحكومة أن تكون المبادرة الأولى لحل معضلة الدكاترة الذين يئنون تحت وطأتها منذ ما يزيد عن عشرين سنة، والتي بسطت خطوطها الأفقية والعمودية في كتابي: وضعية الدكاترة في أسلاك الوظيفة العمومية ومعضلة إصلاح التعليم والإدارة بالمغرب[12]، إذ لم يعد من الممكن والمقبول أن تستمر هذه المعضلة المزمنة والمفتعلة في ظل الدستور الجديد 2011 الذي صادف ولاية الحكومة التي راوحت مكانها فيما يناط بحال ومآل هذه الشريحة العليا من الموظفين، مكتفية بحكمها العقيم الشاذ القائل بأن المقترح ليس من اختصاص السلطة التشريعية باعتبار أنه لا يدخل في مجال القانون، وإنما يندرج في اختصاصات السلطة الحكومية التنظيمية.
إذا سلمنا جدلا بهذا الحكم: ألم يكن من واجباتها الأساسية إيجاد حل لمطالب هذه الفئة المشروعة والعادلة بقوة الدستور والقانون؟ وذلك باستحضار مجموعة من النصوص الدستورية والقانونية، أذكر منها على سبيل المثال:
-ديباجة الدستور التي تنص على "بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون"، "مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة"[13].
-الفصل 35 الذي يختم مادته الأخيرة بما يلي: "تسهر الدولة على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا"[14].
-الفصل 22 الذي يفيد بأنه: "لا يجوز المس بالسلامة الجسدية والمعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة، كانت خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية، أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية"[15].
-الفصل 31 الذي يقر في تصديره ما يلي: "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: ...'ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق'..."[16]
-الفصل الخامس من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي يخول الحكومة إصدار "مراسيم بمثابة أنظمة أساسية خاصة بهيئات الموظفين الممارسين لنفس المهام أو مهام مماثلة، أو عند الاقتضاء أنظمة أساسية تفرضها خصوصيات بعض القطاعات العمومية"[17].
فضلا عن الظهير الشريف رقم 1.03.094 صادر في 14 من رجب 1424 (11 شتنبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل[18]، الذي يؤكد على ما يلي: "لكل شخص الحق في شغل يناسب حالته الصحية ومؤهلاته ومهاراته، كما يحق له أن يختار عمله بكل حرية وأن  يمارسه في مجموع التراب الوطني"[19]، "لا يجوز لأي شخص أن يمنع الغير من العمل أو يرغمه على العمل ضد مشيئته"[20].
-أي مساواة وتكافؤ الفرص وعدالة اجتماعية وكرامة واستحقاق وحرية لهذه الشريحة من الموظفين الحاصلة على أعلى شهادة علمية وأكاديمية، حينما استدرجت إلى مختلف أسلاك الوظيفة العمومية دون أي قانون أو نظام يحصنها وينصفها علميا ومهنيا وإداريا وماديا ومعنويا، حيث أدمجت طيلة ما يربو على عشرين سنة في أنظمة متنافرة هجينة، أفقدتها قيمتها الاعتبارية العلمية والعملية والمعنوية، حاملة صفات دخيلة وقدحية كمساعد طبي، بل تم خلط شهادتها الأكاديمية في كفة واحدة بتسويتها بالماستر ودبلوم الدراسات العليا المعمقة والمتخصصة، لقبول حامليها الدكاترة في أسلاك الوظائف العمومية، على كافة المستويات من سلم ودرجة ورتبة وتعويض وغيره، ناهيك عن تقزيمهم إزاء فئات الموظفين الأقل منهم شهادة كالمهندسين والأطباء على جميع الأصعدة، وكذا تخويلهم مهاما دونية لا تليق بمستواهم العلمي كمهام الإيداع والاستقبال والسكرتارية.
-أليس كل هذا قمة القساوة والمهانة والتبخيس والهدر والمصادرة والمحاربة والعبث والميز والحط بالكرامة الإنسانية تجاه هذه الشريحة، والمس العميق بسلامتهم المادية والمعنوية، وبحقوقهم وواجباتهم بصفة عامة؟
-أليس تشتيت الدكاترة في مختلف الأنظمة الأساسية التي لا تمت بصلة إلى مستواهم العلمي والمعرفي والوظيفي، يندرج في باب فرق تسد ونسف شملهم لإضعافهم، حتى لا تقوم لهم قائمة: لا مسار ولا نظام أو إطار؟
-ألا يعد هذا من كبائر الأمور وأخطرها، وعين الهدر والنحر في حق أسمى رأسمال بشري يفتقده وطننا كل يوم وحين، منذ العقد الأخير من القرن الماضي؟  
-ألا تعد قضيتهم أولوية الأوليات لإيقاف نزيف هذا الرأسمال وتدارك شأنه واستعجال تنفيذ مطالب موارده البشرية؟
-ألم تعلم الحكومة أن استدراج هذه الفئة إلى أسلاك الوظيفة العمومية كان بداية الأمر على أساس تسوية وضعيتهم فيما بعد، بتمكين الدكاترة من الالتحاق بمنابرهم العلمية البحثية، لينكشف الأمر مع مرور الوقت أن تسويفهم بالالتحاق ما كان إلا فخا للوقوع في أسلاكه!! ؟
-ألم تدر الحكومة أنه بعدما تبخر حلم التسويف مع حكومة عبد اللطيف الفيلالي وعبد الرحمان اليوسفي، بدأ المسؤولون الوزاريون للحكومات المتعاقبة يشهرون ورقة مباريات أساتذة التعليم العالي مساعدين كحل لكل من فاتحهم من الدكاترة الموظفين وغيرهم، في شأن ملفهم المطلبي ووضعهم الحالك الذي يعانونه، تهربا وتملصا من مسؤولية الحكومة فيما آلت إليه وضعيتهم، دون أن تبادر ببذل أدنى جهد لفتح تحقيق فعلي في الموضوع، ودراسة ملفهم قصد إنصافهم ومحاسبة ماكريهم الأوائل ومواليهم الذين أنهوا عهودهم بمتم ولاياتهم التشريعية، علما أنه تبين بالدامغ والملموس فقدان هذه المباريات لمشروعيتها ومصداقيتها بسبب ضآلتها واختلال معايير إجرائها وخروقاتها المطردة وفئويتها السافرة، بل إنها ساهمت ولا زالت تساهم نتيجة لهذه الأسباب في هدر ونحر مؤهلات وكفاءات هيئة موظفينا الدكاترة، واستفحال ظاهرة اكتظاظ الطلبة الجامعيين والخصاص في الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، وبالتالي تعميق ضحالته التي من نتائجها ضعف التكوين والتأطير وقرصنة البحوث[21] من طرف الطالب والمطلوب، والزبونية والمحسوبية والغش والفساد والارتشاء في عملية التسجيل بسلك الماستر والدكتوراه واجتياز مبارياته بشكل لم يسبق له مثيل[22]. 
-أليست أقوال وتصريحات محمد مبديع الوزير السابق المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بوزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، الرامية إلى تبرئة الحكومة المغربية من مسؤولية ما آلت إليه وضعية دكاترتنا، عين المكر والجحود والنكران، وقلب التمويه والتضليل والبهتان، حينما قال ردا على سؤال شفوي حول الوضعية الإدارية والمالية للدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، تقدم به رئيس التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين السيد العربي خربوش باسم حزب التقدم والاشتراكية، ما يلي: 
"تم توظيف هؤلاء الدكاترة ليس بناء على احتياجات الإدارة، ولكن لاستيعاب المعطلين وخلق مناصب الشغل"...."إن الإدارة العمومية لا تفسح المجال للتوظيف لحاملي الدكتوراه، بل تطلب فقط الإجازة أو الماستر، ما عدا في مجال الصحة والتعليم العالي، والذين أعطيت لهم الإمكانية في سنة 2013 لتسوية وضعيتهم عن طريق اجتياز المباراة"[23] !!!
-أليس من صميم البهتان والخداع والرياء أن يقول هذا المسؤول نفسه بعدم فسح الإدارة العمومية المجال لتوظيف حاملي الدكتوراه إلا لحاملي الإجازة والماستر، وقطاع الصحة والتعليم العالي، المشار إليهم آنفا، علما أننا نجد مجموعة من قرارات الترشيح للمناصب وغيرها، تأتي على ذكر شهادة الدكتوراه كباقي الشهادات الجامعية الأخرى ضمن الشروط لشغل الوظائف المتبارى في شأنها[24]، كما أن مختلف قرارات الإعلان عن إجراء مباريات التوظيف بالعديد من القطاعات لم تحظر حاملي الدكتوراه من اجتيازها حينما تشير إليها ضمنيا في الإعلان عن إجراء المباراة أو فتح باب الترشيح لشغل المناصب العليا لحاملي: الشهادتين الإجازة والماستر فما فوق، أو شهادة عليا / جامعية لا تقل عن الإجازة أو ما يعادلها، أو دبلوم أو شهادة عليا تسمح بالترتيب في السلم 11 أو ما يعادله أو على إحدى الشهادات المعادلة لها طبقا للمقتضيات الجاري بها العمل[25]. 
-إذا كانت "الإدارة العمومية لا تفسح المجال للتوظيف لحاملي الدكتوراه"، حسب قول الوزير المذكور، لماذا يتم مطالبتهم بالإدلاء بمعادلة هذه الشهادة العليا حتى يتسنى لهم الولوج إلى مختلف قطاعاتها ؟!! أليست هذه الازدواجية عين التناقض والاضطراب والتمويه والخطل في حق هؤلاء الدكاترة ؟!!
-ألم يعلم مستوزرونا أنهم يستنجدون بفئة دكاترتنا لسد فراغ محوري في مجال التدبير والتسيير الإداري والبحث والتأطير والتكوين، بل والقيام بأدوار استثنائية مصيرية وطنية تفوق المهام المنوطة بها، وأذكر في هذا المجال على سبيل المثال: الدكتور المخضرم عبد الرحيم الهاروس رئيس قسم الإعلاميات بقطاع التواصل، المكلف بتنظيم وتوزيع حصص استعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية من طرف أكثر من 30 حزبا سياسيا وطنيا، وإجراء عملية القرعة لتدخلاتها بمنهجية علمية محكمة، خلال فترات حملاتها الانتخابية التشريعية لانتخاب أعضاء مجلس النواب منذ سنة 2002 [26].
-ألا تعد الاستعانة بمكاتب الدراسات والاستشارات الأجنبية وإغداقها بأموال طائلة دون جدوى، لدراسة قضايا ومشاريع وزارية وحكومية مختلفة، مدى احتياج الإدارة المغربية إلى دكاترتنا لسد هذا الخصاص، وحجم الهدر المزمن لمواردنا البشرية والمالية، وتمويه سافر خطير للرأي العام الداخلي والخارجي.   
-ألا تشكل هذه الاستعانة خطرا بينا على الأمن المعلوماتي للدولة والحكومة على حد سواء ؟ 
-ألا يعد إهانة لحرمة الوطن وثرواته اللامادية ورأسماله البشري وسيادة مؤسساته الدستورية، إيجاد مواقع لمؤسسات أجنبية بريطانية وأمريكية وأوروبية داخل قبة البرلمان لتقوم على سبيل المثال بتمويل الكثير من الندوات والأيام الدراسية وتنظيم دورات تكوينية للنواب والفرق البرلمانية، ودعم تفعيل الخطة الاستراتيجية لتأهيل مجلس النواب، وتعبئة مجال التشريع والمراقبة للعمل الحكومي[27] !!!
-ألم تدرك الحكومة آنئذ، أن حوالي 40 في المائة من الأساتذة الجامعيين مقبلون على التقاعد خلال السنوات الجامعية الأخيرة، حيث سيرتفع عدد الطلبة الجامعيين إلى مليون طالب وطالبة، حسب بيان النقابة الوطنية للتعليم العالي[28]، وأن الجامعة المغربية ستحتاج إلى 15 ألف أستاذ باحث في أفق 2030، وفق ما أعلن عنه أعضاء بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي[29]، كما أن عوز جامعاتنا إلى هذه الأطر يفوق بكثير عدد دكاترتنا الموظفين بالإدارات العمومية الذي لا يتجاوز 4000 دكتور.
-ألم تع الحكومة أن الدولة ستربح من عملية توظيفهم في جامعاتنا المغربية ما قدره 480.000.00 درهما، مقابل توظيف 4000 دكتور جديد الذي سيكلف 624.000.00، في حين أن دكاترتنا لن يكلفها إلا 144.000.00 حسب الدراسة التي أنجزتها النقابة الوطنية المستقلة للدكاترة بالمغرب[30].
-ألم يخبرها وزيرها المسؤول عن قطاع التعليم والبحث العلمي وتكوين الأطر لحسن الداودي أن التعليم العالي الجامعي يعرف خصاصا مهولا وانخفاضا كبيرا في عدد أساتذته الباحثين الذي وصل إلى 12.080 أستاذا بداية سنة 2014، آخذا على التوالي منحى تراجعي حسبما أعرب عنه في حوار صحفي منشور في موقع حزبه، أجراه خالد فاتيحي معه[31].
كل هذا يؤشر إلى أن لجوء بعض الأطراف إلى الفصل 77 من الدستور، كذريعة لرفض مقترحنا المطلبي القانوني، يدخل في خانة در الرماد في العيون، وليس له أي مسوغ أو مبرر، لأنه كما يتبين من الأرقام المذكورة، أن قبوله لن يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى "تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود"، حسبما يشترطه الفصل 77 في قبول المقترحات والتعديلات المقدمة من طرف أعضاء البرلمان[32]، بل ستفضي إلى ربح مضاعف مادي وعلمي، وسد خصاص مهول في بنية التأطير لجامعاتنا المغربية، وإنقاذها من مهاوي العقم والهدر والهزال وآفة الاكتظاظ.
كما واصلت حكومة الحزب الأغلبي تطبيق سياسة در الرماد في عيون الرأي العام منذ رفضها سنة 2015 مقترح دكاترتنا الآنف الذكر إلى نهاية ولايتها، وذلك من خلال ادعاءاتها الباطلة في نصوص القوانين المالية السنوية[33] بإحداث مجموعة من المناصب المالية قصد "تسوية" وضعية الموظفين الحاملين لشهادة الدكتوراه عن طريق المباراة الخاصة بإطار أستاذ التعليم العالي مساعد، علما أنها ليست مناصب جديدة وإنما مناصب تحويلية لدكاترتنا الموظفين المتبارين الناجحين في هذه المباراة، بمعنى أنها مناصب محولة من الوظيفة التي كانوا يشغلونها في مؤسساتهم الأصلية إلى إطار أستاذ التعليم العالي مساعد بقطاع التعليم العالي، وبالتالي فهي غنيمة سائغة للاستغلال تحاول الحكومة عبرها تسوية عجزها المطرد عن خلق المناصب البيداغوجية الجامعية التي يفتقر إليها سنويا تعليمنا العالي بشكل فضيع. إن الإسم الحقيقي الذي ينبغي أن يحل  محل هذه "التسوية" في واقع الأمر، هو 'تكوية' وضعية الموظفين حاملي شهادة الدكتوراه، خاصة إذا علمنا ما يلي:
-1) أن المتبارين في شأن هذه المناصب الناجحين من الدكاترة الموظفين، أغلبهم أساتذة عرضيين بمؤسسات التعليم العالي، بمعنى أنهم محظوظون للفوز بها عبر تحويل مناصبهم إلى إطار أستاذ التعليم العالي مساعد. 
-2) أن كافة الدكاترة غير المؤجرين من الذين لا يتوفرون على رقم التأجير، مقصيون و محظورون من التباري في شأن هذه المناصب.
-3) أن أغلب هذه المباريات من نسيج الزبونية والمحسوبية، مفتقرة إلى الشفافية والنزاهة العلمية، الأمر الذي استنكرته ونبهت إليه العديد من الفعاليات والمنابر الإعلامية الورقية والإلكترونية ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
-4) أن هذه "التسوية" المزعومة تعكس مدى العشوائية والطريقة التلفيقية التي تنهجها الحكومة المغربية لمعالجة الملف المطلبي لدكاترتنا بمختلف فئاتهم بصفة خاصة، وقضايا التعليم والإدارة بصفة عامة.   
-5) أن جميع الدكاترة الموظفين المتبارين الناجحين في مباريات هذه المناصب المحولة، يتم حذف مناصبهم أصلا من القطاعات التي وظفوا بها، ما يشي ويؤكد أن هذه النخبة العلمية العليا في هرم البلاد هي فضلة وعبء على الوظيفة العمومية، نظرا لانعدام قيمتها الاعتبارية لدى حكومتنا المغربية منذ توظيفها، إلى حد وصل بها الأمر إلى الاستثمار في أزمات قضية دكاترتنا لحل أزمتها المصطنعة المتعلقة بالخصاص المروع الذي يعاني منه قطاع التعليم العالي فيما يناط بالأطر التعليمية، مستغلة وضعيتهم المزرية دون أن تخلق ما يكفي من المناصب لسد العوز  الكبير المطرد في الموارد البشرية البيداغوجية، أو ترفع من ميزانية البحث العلمي الهزيلة، أو تخلق إطارا جديدا مناسبا لمستوى كافة دكاترتنا في حضن وظائفهم الأصلية قصد الرفع من مستوى أداء جميع القطاعات التي يعملون بها.
من هنا نعي السبب الذي أريد به الإبقاء على وضعية دكاترتنا الموظفين وفق ما يكابدونه من تهميش وتبعية وهدر وتبخيس طيلة ما يربو على عقدين من الزمان، حتى تتم استمرارية استفادة الحكومة المغربية من أزمات دكاترتنا التي توفر لها سنويا مناصب مالية هامة، باعتبارها غنائمها المسترجعة، تحاول بها تخفيف ما يثقل كاهلها من نفقات مالية سنوية لسد عجزها المزمن إزاء الخصاص المتنامي في الأطر البيداغوجية العليا مع إحالة أفواج عديدة من أساتذة التعليم العالي على التقاعد سنويا، وازدياد أعداد الطلبة الجدد في كل المواسم الجامعية.
وعليه يصح القول في هذا المقام الدرامي، ما أنشده الشاعر الكبير المتنبي من حكمه المأثورة البليغة، بيته الذائع الصيت: 
بِذا قَضَتِ الأَيّامُ ما بَينَ أَهلِها  مَصائِبُ قَومٍ عِندَ قَومٍ فَوائِدُ
 2- قرار المجلس الدستوري:
لقد ذهلنا برفض الحكومة في شخص وزيرها المنتدب المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، تمرير مقترح القانون المذكور، عبر دفوعاتها الشكلية الهشة المتعنتة المستندة إلى الفصل 79 من الدستور، سواء في اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، الخاص بتقديم المقترح من طرف النائبة البرلمانية فوزية البيض عن فريق الاتحاد الدستوري، تحت رئاسة رئيس اللجنة السيد محمد زردالي، بتاريخ 12 يناير 2015[34]، أو في اجتماع مجلس النواب يوم 9 فبراير 2015، رغم تبني أغلب الفرق النيابية معارضة وأغلبية لهذا المقترح[35]، ليتقرر فيما بعد إحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية للبت في هذا الخلاف وفق ما ينص عليه الفصل 79 نفسه. كما ازددنا ذهولا واستغرابا عندما نحا قرار المجلس الدستوري بتاريخ 24 فبراير 2015، إلى تأييد حكم الحكومة بزعمها المقترح لا يندرج في مجال القانون، وإنما يصب في صميم سلطتها التنظيمية وليست التشريعية المخولة للبرلمان، ساقطا في الأخطاء والعوائق المنهجية والمعرفية والإيديولوجية نفسها التي بصمت حكم الحكومة، ما جعله يدور في المدار نفسه دون استقراء روح ومادة الدستور بصفة عامة، والإحاطة بمقترح القانون خاصة، سواء على المستوى العمودي أو الأفقي، و دون الاستفادة من إمكانية الاجتهاد التي يخولها الفصل 73 من الدستور بموافقة المحكمة الدستورية نفسها، قصد "تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم"، وفق ما ينص عليه هذا الفصل[36].
لقد كان على المجلس الدستوري أن يرفع لنا التناقض الذي سقطت فيه الحكومة، لا أن يعيد ويساهم في إنتاجه، رغم إقراره في الحيثية ما قبل الأخيرة لحكمه، باندراج فحوى المقترح في مجال القانون، كما كان عليه تبديد اللبس الحاصل بين ما هو قانوني و بين ما هو تنظيمي حتى تستقيم القراءة ويبرأ الحكم في الموضوع المتناول، لا إطلاق المصطلحات والأحكام على عواهنها، عملا بالمثل السائر: "شرح الموضحات من المفضحات"، وبالنتيجة لم يخل أسلوب القرار من اضطراب ولف ودوران ومد وجزر، ما يعكس ارتباكا في التصور والحكم[37]، بل إن الحيثية الثامنة من قرار الحكم التالية: "وحيث إن كلا من الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة تشكل أشخاصا معنوية متمايزة مستقل بعضها عن بعض، الأمر الذي لا يجوز معه قانونا إخضاع العاملين فيها لنظام أساسي خاص موحد"[38]، يعارض ويناقض الفصل 31 من الدستور الذي ينص على وحدة هذه المؤسسات ومجال مهامها القانوني فيما يلي: 
"تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة، من الحق في:...ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق..."[39]. 
وكذا الفصل 154 من الدستور نفسه، الذي ينص على ما يلي: 
-"يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرار في أداء الخدمات.
تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور"[40].
فضلا عن كونها تخالف واقع الأمر، لأن فئة المهندسين والتقنيين والمتصرفين على سبيل المثال، يعملون في مختلف المؤسسات المذكورة، ويجمع كل فئة منهم نظام أساسي خاص وموحد. إن التسليم والإقرار بعدم جواز إخضاع العاملين في الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة لنظام أساسي خاص وموحد، باعتبار أن كل طرف منهم يمثل أشخاصا معنوية متمايزة في استقلال بعضها عن بعض، هو استبلاد واستحمار لرأي المغاربة، يروم قسرا ظلما وعدوانا منع هذه الفئة أي هيئة الموظفين الدكاترة، من نظام أساسي مقابل عدم حظره على باقي فئات الموظفين العاملين في أسلاك الوظيفة العمومية، وذلك لغاية في نفس يعقوب، تعكس الخطة الحقيقية لإسلاخ وتشتيت قانون الوظيفة العمومية لا إصلاحه، بتسليمها باختلاف واستقلالية المؤسسات المذكورة بعضها عن بعض كأطراف معنوية!! وكأننا في جزر ودويلات لا في دولة واحدة قائمة بذاتها.    
فأي قانون هذا الذي لا يجوز إخضاع العاملين في الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة لنظام أساسي خاص وموحد ؟!!
لقد كان على المجلس الدستوري إثبات مصدر هذا القانون ولو على سبيل الإحالة. إن عدم الجواز المذكور ينبغي النظر إليه سلبا لا إيجابا؛ لأنه كان ولا يزال سببا في تشتيت وتنافر وتفاوت وتكاثر الأنظمة الأساسية في أسلاك الوظيفة العمومية والشبه العمومية والجماعات المحلية، وتفريخ الفئوية والاختلاف وعدم الانسجام واللامساواة بينها في الأجر والتعويض أو نسق الترقي في الرتبة والدرجة والإطار، ما أفضى إلى زرع وحصاد اللاتكافؤ واللاستحقاق بين هذه الأنظمة، وبالتالي اتسام قانون الوظيفة العمومية بطابع التناقض والبيروقراطية، وهي الأرضية التي تم فيها تشتيت وهدر ونفي موظفينا الدكاترة العاملين في مختلف أسلاكها. إن هذا عين الشتات والتنافر واللامساواة وقلب الفوارق والتفاوت والفئوية، فما جدوى الإتيان بالفصل 31 من القانون رقم 50.05 الخاص بتغيير وتتميم الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الذي ينص على مراعاة مبدأ الانسجام بين الأنظمة الأساسية الخاصة بهيئات الموظفين الممارسين لنفس المهام أو مهام مماثلة فيما يخص أنماط الترقي في الرتبة والدرجة أو الإطار[41] ؟!!!
والجدير بالذكر والتنويه أن مقترح قانون النظام الأساسي خاص بهيئة الموظفين الدكاترة لم ينسلخ قط عن الرهان الأساسي لإصلاح الوظيفة العمومية، ومناهضة تحدياتها الكبيرة القائمة على تشتت وتنافر وتعدد الأنظمة الأساسية للموظفين، بمعنى أنه يدخل في صميم إصلاح وتحديث قانون الوظيفة العمومية الذي انطلق مشروعه مع حكومة عباس الفاسي، ونادت به نظيرتها الموالية دون جدوى، رغم تعديلات هذا القانون المختلفة التي تفوق 15 تعديلا، بل إن هذا المقترح يقدم بالمقابل نموذجا جديرا بالاعتبار والاحتذاء لإصلاح منظومة الوظيفة العمومية.
إذا كان من مآخذ على "الفئوية" التي وصم بها بعض المسؤولين مقترحنا جورا وعدوانا وقلبا وتمويها للحقائق، لن نجد أبلغ مثال وأكبر دليل على هذه الفئوية المعنوية التي جوبه بها هذا المقترح المفترى عليه، والسلوك الفئوي الذي طبع مختلف القرارات الحكومية في حق الدكاترة الموظفين والعاطلين على حد سواء، من قبيل تسوية ملف دكاترة وزارة الثقافة سنة 2000 بناء على مرسوم رقم 2.00.372 (05 يوليوز 2000) المنوط بإدماج موظفي البحث بوزارة الشؤون الثقافية، الحاصلين على الدكتوراه ضمن هيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر العليا[42]، ومرسوم رقم 2.15.293 (08 دجنبر 2015) المنوط بتتميم المرسوم رقم 2.96.804 (19 فبراير 1997) في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر العليا[43]؛ ومنشور رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران حول "إجراء مباريات ولوج هيئة أساتذة التعليم العالي المساعدين لفائدة الموظفين الحاصلين على شهادة الدكتوراه"[44]؛ و نظيره المنوط ب "توظيف 500 أستاذ للتعليم العالي مساعد من بين حاملي شهادة الدكتوراه العاملين بالإدارات العمومية"[45]؛ وكذا حصر المترشحين لمباريات أساتذة التعليم العالي مساعدين في كل فئة على حدة من الفئات عبر تحويل المناصب المالية للناجحين إلى إطار أستاذ التعليم العالي مساعد، وهي: دكاترة التربية الوطنية ودكاترة التعليم العالي ودكاترة الوظيفة العمومية، ما يناقض القرارات والمراسيم المنوطة بتحديد إجراءات تنظيم المباراة الخاصة بتوظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين التي تفتح باب ترشيحها دون تفييئ، لحملة الدكتوراه أو أية شهادة أخرى معترف بمعادلتها لها في التخصص أو المادة المعنية[46]، كما يناقض منشور رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران في موضوع: تدبير مباريات التوظيف في المناصب العمومية، القائم على الكفاءة والاستحقاق والشفافية وتكافؤ الفرص والمساواة بين كل المترشحين لولوجها، الموجه إلى السيد وزير الدولة والسادة الوزراء والمندوبين السامين والمندوب العام[47]، وكذا المراسيم المتعلقة بتحديد شروط وكيفيات تنظيم مباريات التوظيف في المناصب العمومية[48]. ومن عجائب هذا التفييئ أن تمخضت عنه تفييئات أخرى  متناسلة، حيث أنجب لنا فئتين من الدكاترة الموظفين: فئة يرخص لها للمشاركة في مباريات أساتذة التعليم العالي مساعدين، وفئة محظورة من هذا الترخيص كدكاترة الغرف المهنية: غرف الصناعة التقليدية، والصيد البحري، والتجارة والصناعة والخدمات، والفلاحة، بدعوى جائرة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، لكونهم حسب زعمها غير مشمولين بنظام مباريات أساتذة التعليم العالي مساعدين[49] !!!؛ ناهيك عن وجود فئة من الدكاترة يخول لها المشاركة في هذه المباريات بحكم انتماء مناصبها المالية إلى الميزانية العامة، فهي مؤهلة بعد النجاح في تلكم المباريات عن طريق تحويل مناصبها الإدارية إلى أستاذ التعليم العالي مساعد، مقابل فئة لا منتمية إلى الميزانية العامة، كدكاترة المؤسسات العمومية والجماعات الترابية[50] وإدارة الدفاع الوطني، و بالتالي فهي محظورة كذلك من اجتيازها في إطار عملية تحويل مناصب دكاترة الوظيفة العمومية إلى إطار أستاذ التعليم العالي مساعدين. 
إذا أضفنا إلى هذا التفييء الخروقات الجمة المطردة والمتفاقمة في أجرأة هذه المباريات منذ بداياتها إلى الآن، التي يمكن إدراجها في مجلدات أو ربائد عديدة، نظرا لكثرتها واطرادها وتنوعها وتطورها بشكل مذهل ومنقطع النظير[51]، أدركنا مدى العبث والجور والهراء التي تستبطنه هذه المباريات التي يحق تسميتها بالمناورات، لكون مصيرها غدا كمصير الاستفتاء في الصحراء المغربية الذي لم يعد له أي مشروعية في إجرائه، لانتفاء شروطه وسياقه.
إن ما سردناه وما سنأتي على ذكره لاحقا من هنات وخروقات مسؤولينا في موضوعنا المتناول هو صورة جلية بليغة الدلالة، دامغة البرهان على مدى خطورة هدر وتهميش وإقصاء كفاءاتنا العليا من منابرهم المناسبة ومختلف مناصب المسؤولية المصيرية للبلاد من جهة، ومصادرة البحث العلمي والإصلاح والتحديث من جهة أخرى، ولم نكن نتوقع أن تساهم  مؤسسة دستورية عليا في القضاء من حجم المجلس الدستوري في نواكب هذا الوضع، ولم يجانب الصواب أحد عمداء القانون الدستوري المغربي الدكتور مصطفى قلوش عندما رصد مجموعة هامة من الهفوات الفظيعة المرتكبة من طرف المجلس الدستوري في دراسته القيمة: "شرح المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمسطرة التشريعية"[52]، نتيجة ضحالة عدد من أعضائه في مجال القانون الدستوري بصفة خاصة، ما يناقض الفصل 130 من دستور 2011 الذي يقتضي في فقرته الأخيرة التوفر في كل شخصياته "على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة، والمشهود لهم بالتجرد والكفاءة"[53].
 
  .3قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر ووزير الاقتصاد والمالية:
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الحكومة سرعان ما تبجحت بإنجاز ذلكم الرفض، محتفلةً بفتوحاتها بنشر مقال[54] في موقعها يخبر بصفع المجلس الدستوري للمعارضة بناء على رفضها مقترح إحداث نظام أساسي خاص بهيئة الدكاترة للأسباب الواهية السابقة الذكر، وكأن هذا المقترح يندرج في باب الجنايات والغالب والمغلوب. أما مستوزرها المسؤول المباشر عن التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر لحسن الداودي، فقد كان احتفاله بقرار هذا الحدث يوم 24 مارس 2015 بعد مرور شهر على صدوره، أن زف بمعية وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد قرارا وزاريا تعاقديا[55] إلى الذين لا زالوا في طور التكوين والتحصيل، من طلبة سلك الدكتوراه المسجلين في السنة الثانية فما فوق، يمنحهم فرص التدريس بالجامعة المغربية مدة 15 ساعة أسبوعيا، ضعف ما يدرسه أساتذة التعليم العالي، وغيرها من المهام البيداغوجية، طيلة مدة لا تفوق ثلاث سنوات، استنادا على ثلاث ظهائر شريفة[56] أقحمت في قرار التعاقد المشترك بين الوزيرين[57]، لإضفاء طابع المصداقية على هذه الهدية، رغم عريضة الاستنكار التي وقعتها المائات من طلبة سلك الدكتوراه، الموجهة إلى الوزير لحسن الداودي في شأن هذا التعاقد الذي أثار كذلك استياء كبيرا في صفوف دكاترة الوظيفة العمومية وأساتذة التعليم العالي وغيرهم[58]، إلا أن الوزير اكتفى بإصدار بيان حقيقة[59] تجاه هذه الردود يوم ثالث غشت 2015، فارضا عليهم منته الملغومة، بحجج واهمة واهية قبل أن يختم بيانه بتحديد 300 منصب تعاقدي لطلبة السنة الثانية من الدكتوراه، و 500 منصب مالي جديد للتوظيف و 500 منصب مالي في إطار التحويل للدكاترة الموظفين عن طريق التباري في شأنها، حتى يتم  تبديد وتفرقة هذه الحملة من الاستنكار والاستياء كسابق حملات المطالبة بتوظيف المعطلين من حاملي الشواهد العليا.
لا نبالغ في القول أن هذا القرار المشترك هو من أجرم  وأغرب العقود في تاريخ  التعليم الجامعي المغربي التي أبرمت في حق ومصير طلبة الدكتوراه ومستقبل التعليم العالي بالبلاد، ضدا على كفاءاتنا الأكاديمية العليا الحاملة لأعلى الشواهد والمؤهلات في شتى التخصصات، دكاترتنا سواء منهم الموظفون في أسلاك الوظيفة العمومية أو المعطلون والمهاجرون، وذلك لعدة أسباب أجملها فيما يلي:
-إن مهام التعاقد الموكولة للطلبة قصد "إعطاء دروس في شكل أعمال موجهة أو أعمال تطبيقية مدة 15 ساعة أسبوعيا بالمؤسسات الجامعية، والمشاركة في تقييم واختبار معارف ومؤهلات الطلبة، ومراقبة الامتحانات والمباريات، وذلك تحت إمرة ومسؤولية أساتذة التعليم العالي والأساتذة المؤهلين وفق مخطط محدد للمؤسسة الجامعية"[60]، مقابل 5000 درهم شهريا، هو استغلال مهين، ونسف مكين، وإضعاف وعرقلة وتفقير خطير لمسار بحث وتكوين وتأطير وتحصيل هؤلاء الطلبة المتعاقدين الذين يجب عليهم فضلا عن أعباء المهام المذكورة، القيام بإنجاز البحوث ونشر بعضها في مجلات علمية محكمة، وأداء التكوينات التكميلية الإجبارية المحددة في 200 ساعة، وفي الوقت نفسه إنجاز أطاريح دكتوراتهم في مدة ثلاث سنوات[61] !!! بالإضافة إلى ضرورة إتقان اللغة الإنجليزية قصد الاستجابة للمعايير التي استحدثها الوزير لحسن الداودي كشرط لقبول أطروحات الدكتوراه ابتداءً من فاتح شتنبر 2017، وهي كالتالي:
"نشر مقالة واحدة على الأقل باللغة الإنجليزية؛ تضمين الأطروحة مراجع باللغة الإنجليزية؛ تضمين الأطروحة ملخصا باللغة الإنجليزية (Abstract)؛ إشراك، ضمن أعضاء لجنة المناقشة، عضوا ملما باللغة الإنجليزية، على أن يستثنى من هذه الإجراءات الأطروحات الخاصة باللغات"[62]. 
-إن هذا التعاقد جاء ليخدم أساتذة التعليم العالي والأساتذة المؤهلين، فجعل الطلبة المتعاقدين مجرد مستخدمين أعوان، لتخفيف عبء الاكتظاظ عنهم، وسد الخصاص في الموارد البشرية الإدارية والتعليمية على حد سواء، لأن المهام التي اشترطها هذا التعاقد عليهم تندرج ضمن الأدوار الموكولة للأساتذة الباحثين، حسبما تنص عليه المادتان الرابعة والخامسة من مرسوم الأحكام النظامية المطبقة على هيئة الباحثين الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي وتكوين الأطر العليا[63].
-إن هذا التعويض هو في واقع الأمر تغريض سافر جائر في حق هؤلاء الطلبة المتعاقدين المتميزين المنتخبين بعد إجراء مباراة على غرار مباريات أساتذة التعليم العالي مساعدين، لأنه حقهم المشروع دون اشتراط أي مهام أو إجراء، إلا التفرغ الكامل لتحضير وإنجاز أعمال البحث والتكوينات التكميلية الإجبارية وأطاريح الدكتوراه.
-إن مضمون التعاقد يخالف ميثاق الدكتوراه بالجامعات المغربية[64]، وحقوق وواجبات طلبة التعليم العالي المنصوص عليها في القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي[65]، كما يشكل نشازا واستثناء شاذا ليس له نظير، يوعز مهام التدريس والتقييم إلى طلبة الدكتوراه في مجمل النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالتعليم العالي وتكوين الأطر.
-إن هذا التعاقد استغلال جشع لوضعهم المادي المزري مقابل 5000 درهما، الذي لن يمنحهم أي حظوة أو مكانة بعد انتهاء مدته والحصول على شهادة الدكتوراه، إلا انتظار قطار المباريات الحلزوني البطيء والمليء بالألغام، ومصير الموظفين الدكاترة في منافي أسلاك الوظيفة العمومية، كما أنه استعباد مشين بتكليفهم ما لا يمكن تحمله فوق ما يقتضيه سلك الدكتوراه من واجبات وإمكانيات وصبر وتفان ومثابرة وتضحيات وتفرغ تام للحصول على الدكتوراه، و بالتالي فهو يروم، عكس ما صرح به مستوزرنا لحسن الداودي في بيان حقيقته، إضعاف مردودية الطلبة والحط من مستوى وشهادة الدكتوراه، خاصة وأنهم يمثلون نخبة الطلبة المتميزين المنتخبين المتعاقدين، بمعنى هدر ونحر طاقاتهم قبل تخرجهم واستدراجهم بتأشيرة المباريات إلى تلكم المنافي، وهي هندسة جديدة ومبادرة عجيبة متطورة واستعجالية في سحق واغتيال وإقبار أطرنا العليا، عوض جلب متخصصين مؤهلين أكفاء للحفاظ على قيمتها الجلى والرقي بمستواهم تأطيرا وتكوينا و إنتاجا، وتعبئتهم ماديا سواء في مرحلة الدكتوراه أو ما بعدها، كما هو صنيع الدول المتقدمة في سلك الدكتوراه.
-استناد الوزيرين في تعاقدهما على ثلاثة ظهائر شريفة مقحمة لإضفاء طابع المشروعية والمصداقية عليه تمويها للرأي العام والخاص لقبوله واستحسانه، دون أن تكون لها أي رابط أو مسوغ لتبرير ودعم موضوع هذا التعاقد، بل إن الظهير رقم 1.00.199 الصادر في 19 ماي 2000 بتنفيذ القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، ينافي ويناقض في بابه الثالث المتعلق بحقوق وواجبات الطلبة والخدمات الاجتماعية الخاصة بهم، مضمون هذا التعاقد[66].
-فساد وبطلان استدلالهما بنصوص منسوخة بالجريدة الرسمية، عوض الاعتماد على نواسخها التي تضفي عليها تغييرات وإضافات مختلفة، من قبيل: "ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.75.398 بتاريخ 10 شوال 1395 (16 أكتوبر 1975) يتعلق بإحداث الجامعات"[67]، الذي نسخته جملة من الظهائر التالية: 
-"ظهير شريف رقم 1.78.884 بتاريخ 20 من ربيع الآخـر 1399 ( 19مارس 1979) يتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 5.78 المتمم بموجبه الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.398 بتاريخ 10 شوال 1395 (16 أكتوبر 1975) المتعلق بإحداث الجامعات"[68].
-"ظهير شريف رقم 1.89.144 صادر في 22 من ربيع الأول 1410 (23 أكتوبر1989) بتنفيذ القانون رقم 16.88 المتعلق بتغيير وتتميم الظهير الشريف رقم 1.75.398 بتاريخ 10 شوال 1395 (16 أكتوبر 1975) المعتبر بمثابة قانون يتعلق بإحداث الجامعات"[69].
-"ظهير شريف رقم  1.93.163صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر1993) معتبر بمثابة قانون يغير ويتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1.75.398 بتاريخ 10 شوال 1395 (16 أكتوبر 1975) المعتبر بمثابة قانون يتعلق بإحداث الجامعات"[70].
-"ظهير شريف رقم 1.97.164 صادر في 27 من ربيع الأول 1418 (2 أغسطس 1997) بتنفيذ القانون رقم 8.97 القاضي بتتميم الظهير الشريف رقم 1.75.398 بتاريخ 10 شوال 1395 (16 أكتوبر 1975) المعتبر بمثابة قانون يتعلق بإحداث الجامعات"[71].
فضلا عن "ظهير شريف رقم 1.03.195 صادر في 16 من رمضان 1424 (11 نوفمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى"[72]، الذي نسخه الظهير التالي:
-"ظهير شريف رقم 1.11.146 صادر في 16 من رمضان 1432 (17 أغسطس 2011) بتنفيذ القانون رقم 21.10 بتغيير وتتميم القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى"[73].
 
-عدم استشارة تمثيلية طلبة الجامعات المغربية في أمر هذا التعاقد الذي يخصهم قبل أي جهة معينة، وذلك باستغلال تغييب انتخاب ممثليهم في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي[74]، منذ أن تم اختيار أعضائه المقترحين من طرف رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وتعيينهم من قبل الملك[75]، الأمر الذي يخالف الظهير الشريف رقم 1.14.100 الصادر في 16 من رجب 1435 (16 ماي 2014) بتنفيذ القانون رقم 105.12 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي[76]، الذي ينص في الباب الثالث الخاص بأعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، على عضوية: "ثلاثة طلبة ينتخبون من قبل نظرائهم في مجالس الجامعات، يعينهم وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر كأعضاء مشاركين في المجلس"[77]، كما يناقض الدستور الجديد الذي أكد في فصله 168 على أن:"المجلس هيأة استشارية، مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وسيرها، كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال"[78].
ولم يقف تذليل واسترخاص طلبة سلك الدكتوراه وشهادتها العليا والحاصلين عليها، عند هذا الحد من التعسف والاستعباد والتمويه والتغريض وخرق الأنظمة والقوانين، بل تعداه مستوزرنا في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر السابق الذكر، إلى تمديد مدة تحضير الطلبة للدكتوراه سنة ثالثة وأخيرة، بعد مضي ثلاث سنوات رسمية بسلك الدكتوراه، مقابل بيت القصيد: الترخيص لفائدة الأساتذة الباحثين المؤهلين غير الحاصلين على الدكتوراه أو دكتوراه الدولة، مناقشة أطروحتهم أو أعمال بحثهم فقط !! لنيل شهادة الدكتوراه في أجل لا يتعدى سنتين !!، بدءا من تاريخ صدور مرسوم هذا الترخيص الذي صادق مجلس الحكومة على مشروعه[79] دون حرج أو اعتراض أو حسيب ورقيب، بتاريخ 09 يوليوز 2015!!! 
وهكذا يجوز تسليم شهادة الدكتوراه لفئة الأساتذة المؤهلين غير الحاصلين على الدكتوراه أو دكتوراه الدولة قبل 09 يوليوز 2017 تاريخ نهاية الأجل المحدد في سنتين لنيل الدكتوراه،  خاصة بالنسبة للذين لم يستطيعوا تحضير أطروحاتهم منذ سنة 1997 حتى تاريخ 9 يوليوز 2015، وذلك كمن يسلم شهادة الازدياد أو الممات بدعوى واهية خارقة للقانون والمنطق، تحل مناقشة أعمال البحث الخاصة بهؤلاء الأساتذة بدل تهيئة أطاريح الدكتوراه حسب ما ينص عليه القانون المنظم للتعليم العالي، كتكريم ومكافأة لهم على ما بذلوه من جهد مدة تدريسهم وتأطيرهم الجامعي التي تفوق العقدين من الزمان ومساهمتهم في تخريج أفوج من الطلبة والأساتذة الباحثين !!! وغيرها من الاعتبارات المتخمة بالزبونية والمحسوبية وسلطة الأقدمية. وهذا الترخيص المغرض المهين يعكس مدى الخسة والدونية والعشوائية التي وصلت إليها شهادة الدكتوراه في واقعنا المعيش ونظرة مسؤولينا القيمين على التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ التعليم العالي على الإطلاق.
لا نستوعب كيف تجرأ هؤلاء المسؤولون للمصادقة على مشروع مرسوم هذا الترخيص الذي يطعن في صميم البحث العلمي وروح شهادة الدكتوراه، كما لا ندري إلى أي فصيلة من الباحثين ينتمون هؤلاء الأساتذة الجامعيون الذين ظلوا يدرسون ويؤطرون المائات من طلبتهم، ويشرفون على بحوثهم، ويسخرونهم لتحضير البحوث في مختلف المواضيع طيلة أكثر من عشرين سنة، دون أن يتمكنوا من إعداد أطروحة واحدة، وهو أمر يدعو للرثاء وإعلان صلاة الغائب على الطالب والمطلوب والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر وشواهده الأكاديمية العليا.  
والملفت للنظر أنه في الوقت الذي ننتظر من مؤسسات رسمية نقابية وجامعية وأكاديمية وغيرها، أن تصطف للذود عن الملف المطلبي لدكاترتنا، لما يرجع عليها بالنفع العميم في النهوض بالبحث العلمي إلى المستوى المنشود، خدمةَ للتنمية والرقي بالبلاد في العديد من المجالات، بناءً على ما اكتسبوه من مؤهلات وكفاءات ثرة في شتى المعارف والعلوم من مختلف الجامعات الدولية والوطنية، نفاجأ أنها تدير ظهرها لهذه الفئة، مؤثرةً من هم في طور التكوين والتـأطير في سلك الدكتوراه من الطلبة الباحثين، من قبيل أكاديمية المملكة المغربية التي أعدت مشروعا خاصا بهم يحمل اسم مشروع "دكاترة الأكاديمية"، قدمته في متم ولاية الحكومة السابقة، بتنسيق مع إدريس اعويشة الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي ورؤساء الجامعات المغربية، قصد الإسهام في تنمية البحث العلمي وتطويره والارتقاء به وإعداد أجيال صاعدة من الشباب، حسب ما أعرب عنه المشرف على هذا المشروع محمد الساوري[80]، وكأن دكاترتنا  في خبر كان عفا عليهم الزمكان !!! 
-أي تنمية وتطوير وارتقاء وإعداد يرام من هذا المشروع، إذا كان مصير المعنيين به من الطلبة الباحثين "الدكاترة" هو مآل دكاترتنا الموظفين والعاطلين على حد سواء؟ 
-أليس هذا الصنيع ميزا وتفييئا مخلا باسم "دكاترة الأكاديمية"، بينما هو مشروع منوط بالطلبة الباحثين المتابعين دراستهم الجامعية بسلك الدكتوراه !
-ألا يندرج هذا في باب التظاهر بإيلاء الرعاية والاهتمام للدكاترة بصورة استعارية بلاغية ؟!
-ألا يومئ هذا الأمر إلى إحداث تفيئة عقيمة وقطيعة مغرضة بين دكاترة الماضي من الجيل الغابر ودكاترة الحاضر والمستقبل من جيل الشباب ؟!
ألا يساهم هذا الاصطفاء في إرجاع عداد البحث العلمي من جديد إلى نقطة الصفر، بتجاهله لرأسمالنا البشري في شخص دكاترتنا الموظفين والعاطلين والمهاجرين؟!
مما لا شك فيه أن هذه المفارقات الصارخة والمتناقضات السافرة التي أتينا على ذكرها، لن تضيف إلى البلاد إلا مزيدا من القهقرى وضياع الفرص الثمينة والأسباب الجوهرية للنماء والتقدم والازدهار، بهدرها لأهم ثرواته وهي رأسمالنا البشري الوطني من قبيل فئة دكاترتنا الموظفين، ما لم يتم استدراك أمرها عاجلا قبل نفاذها آجلا.
من كل ما سبق ذكره نخلص إلى القول أن طبيعة محاكمة موظفينا الدكاترة صورية متحاملة، تعمد أصحابها عدم ملامسة صلب الموضوع لمقترح قانون دكاترتنا السابق الذكر، تخفيا عن جوهر قضيته الذي أربكهم وأعجزهم لتقبله والإتيان بنظيره من معين اختصاصاتهم التنظيمية. فكان مصيره الرفض تلو الرفض، وهو مسلك المتعنتين الدغمائيين الرافضين للحوار سبيلا للتواصل والنقاش والتوضيح والتفاهم لتسوية وضعية دكاترتنا الشاذة المزمنة والمهينة، وهكذا تمادت الحكومة السابقة في رفض مقترح قانون دكاترتنا الثاني الذي يقضي بتتميم الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية[1]، قبل عرضه للمناقشة العامة التي تم إرجاؤها لأجل غير مسمى بالبرلمان، حيث تمت إحالة هذا المقترح إلى ثلاجة المقترحات القوانين في متم الولاية الأولى للحكومة السابقة على عهد ابن كيران، ورغم إعادة تسجيله بالبرلمان من طرف فريق حزب الاستقلال[2] في الولاية الثانية والأخيرة للحكومة البيجيدية على عهد سعد الدين العثماني، إلا أن هذا التسجيل ظل طيلة مدتها، حبرا على ورق توهيمًا لتسوية الملف المطلبي لدكاترتنا الموظفين، وكأنه وثيقة هدنة مبرمة بين الأطراف المعنية الحكومة والبرلمان والدكاترة!! .
هكذا انتهى سيناريو هذه التمثيلية الدرامية الهزلية على عهد الحكومة السابقة التي أبدعت أول محاكمة للدكاترة الموظفين في تاريخ المغرب!!  وبناءً على ما سبق ذكره وتوضيحه بالنقد والتحليل في هذه الدراسة لموضوعنا المتناول، ندعو الحكومة الجديدة من هذا المنبر أن تضع حدا لهذه المهزلة المغرضة والخطيرة التي تسيء إلى المغرب وتعرقل مساره التنموي، وذلك بتسوية وضعية كافة دكاترتنا الموظفين والاستجابة إلى مطالبهم العادلة والمشروعة دون تجزيئ أو تفييء أو تسويف. 
 
[1] البرلمان، مجلس النواب "مقترح قانون يقضي بتتميم الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية"، تاريخ التسجيل: 01/04/2015، رقم التسجيل: 179، 3 ص. قدم من طرف فرق المعارضة بإسم كل من نور الدين مضيان وعبد القادر الكيحل عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، وميلودة حازب ومحمد حجوجي عن فريق الأصالة والمعاصرة، وإدريس لشكر ومحمد عمر عن الفريق الإشتراكي، والشاوي بلعسال وفوزية البيض عن الفريق الدستوري.
 
[2] البرلمان، مجلس النواب، "مقترح قانون يقضي بتتميم المادة 4 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية"، تمت إعادة          تسجيله بتاريخ : 08/06/2017، تحت رقم: 16، من طرف الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية المكون من السيدات والسادة النواب: نور الدين مضيان، عبد الواحد الأنصاري، سعيد أيت بوعلي، محمد إد موسى، عبلة بوزكري، عمر العباسي، لحسن الحداد، رفيعة المنصوري، أحمد التومي، هشام سعنان، عبد المجيد الفاسي الفهري، إيمان بن ربيعة، ياسين دغو. وانظر نسخته في:
http://www.chambredesrepresentants.ma/ar/النصوص-التشريعية/مقترح-قانون-يقضي-بتتميم-المادة-4-من-الظهير-الشريف-رقم-158008-الصادر-في-4-شعبان-1377