الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

رشيد يحياوي: أزمة أكرانيا.. أعطني فمك لآكل به الشوك

رشيد يحياوي: أزمة أكرانيا.. أعطني فمك لآكل به الشوك رشيد يحياوي
كل الحسابات و التحليلات لا تستقيم مع منطق الأمريكان، فرغم دعمهم السخي لأشرف غني في أفغانستان، لم يستطعوا التغلب على طالبان، بل بالأمس القريب عندما تحركت عساكر الروس  نحو جورجيا و من بعد إلى شبه جزيرة القرم لم يتدخل الغرب، بل اكتفى بالتفرج و بالتنديد المحتشم، وكفى الحلفاء أنفسهم القتال، وحافظوا على برودة أعصابهم رغم انغماسهم في حرب باردة غير معلنة مع الروس.

الغرب بدا منسجما مع طبيعته و علاقته مع الجار الروسي وحافظ على عدم تهور ذرعه العسكري "الناتو " في مواجهة روسيا.
لكن لماذا تصرف بمنطق مخالف حينما تعلق الأمر بأزمة أكرانيا؟ بدء بإعطاء وعود بالدفاع عنها  و ليس انتهاء برفض انضمامها لحلف الناتو؟

لماذا لم يجنب الغرب هذا البلد الجميل بشعبه المحبوب مواجهة مع الجار الروسي؟ و لماذا لم تتحركت قوافل الدبلوماسيين الغربيين المحنكين و الأمريكان المدججين بالإغرائات و التهديدات الاقتصادية و المادية و المعنوية بجميع أنواعها لثني الروس عن تدخلهم العسكري؟

لماذا لم يحركوا سيناريوهاتهم المحبكة سلفا كعادتهم قبل تدخل الروس في أكرانيا؟
الأجوبة تبدو واضحة أمام ما تأكد  من تحركات الغرب المتسارعة من خلال النفخ في نار الحرب والدق بحرارة في طبول المواجهة و  الدفع للساسة الأكرانيين نحو فم الدب الروسي الخائف من تهديدات الناتو له على مر السنين .
 
المعلوم أن الأمريكي يعي جيدا أنه بدعمه لأكرانيا، دون التدخل المباشر من طرف جيشه المسترخي داخل قواعده بالبلدان المجاورة، لن يحقق انتصارا البتة على جيش روسيا العنيد، بل إنه يسعى لتمديد أمد المواجهة العسكرية ليحقق بذلك استنزافا لقوى البلدين المادية و البشرية، بل و لتنخرط دول أوربا في حمى التسلح و ليركبها هوس المواجهة مع الروس و ترصد بذلك ميزانيات للتسلح  تنتعش عبرها تجارة شركاتها المصنعة للأسلحة و الطائرات الحربية بشتى أنواعها.

العالم شهد كيف  واجهت الروس الجماعات الإرهابية في الشيشان حيث دمروا مدينة كروزني عن بكرة أبيها على رؤوس أولائك المقاتلين الذين تحصنوا بداخلها و بعد ذلك عمروها  على طريقتهم. و لنا أن نتصور مصير الأكرانيين الذين يتحصنون بمدن ماريوبل و خاركييف و كييف ...
هكذا يريد الغرب  أن يفعل بمدن أكرانيا.
إن الشعب الأكراني ضحية  لسياسات لها مصالح شتى، فالأمريكي يقول للأكراني أعطني فمك لآكل به الشوك، بمعنى أنه يدفع الأكراني لمواجهة الروسي دون أن يتورط شخصيا  والأوربي يمد الأكراني بالسلاح والعتاد و يزج به في نار الروسي و يطبل لساسة الأكراني ويصفق لهم  عن بعد ...

لقد ورط الامريكان  اكرانيا و أوربا في أزمة غير مسبوقة. فالغرب ارتكب حماقة بصب الزيت في نار الأزمة الأكرانية ولم يتجنب حربا ليس له فيها لا ناقة و لا جمل، بل وجد نفسه هذه المرة أمام دب جريح أصيب في عهد الاتحاد السوفياتي و لم يبرأجرحه و لم  يستسغ منذ ذلك الحين تحامل  أمريكا و الغرب ضده حين انهارت قواه حينذاك و تفككت أوصاله.
 
لكن حالة هذا الدب  اليوم مختلفة تماما عما كانت عليه بالأمس. فروسيا في حالة صعود اقتصادي و وثوق  سياسي و تفوق عسكري و تقدم علمي، ولها حلفاء أقوياء من أمثال كوريا الشمالية التي لها صواريخ أسرع من الصوت و قادرة للوصول إلى عمق أمريكا، و الصين  التي أصبحت الرائد المستقبلي للعالم  اقتصاديا و عسكريا، زيادة على الهند و إيران.
و المتتبع لتفاعلات الدول الغربية يتسائل بحيرة:

ماذا ستضيف أكرانيا لحلف الناتو حتى يخلقوا لها و للعالم كل هذه الأزمة؟
كيف تتلاعب هذه الدول بمصير أكرانيا و مصيرها هي  حين شجعت المرتزقة للقتال في أكرانيا و زودتهم بأسلحة خطيرة؟
لو كان عند ساسة هذه الدول الغربية حكماء لاتخذوا تجربة فلنندا مثالا حين احترمت خصوصية روسيا و اختارت الحياد وتجنبت الاصطدام.
لقد خدع ساسة أكرانيا بوعود المؤازرة و الدفاع عنهم و الدخول في حلف الناتو
نحن لا نؤيد القتال في أكرانيا و لكن ندعو للحكمة من أجل وقف إراقة الدماء.

نحن نشهد اليوم بزوغ فجر حقبة جديدة  يسجل الغرب فيها  و أمريكا  تراجعا نظرا لهرمهما أمام  روسيا التي هي في أوج قوتها في ظل قيادة سياسية محنكة و عنيدة و مدججة بحلفاء مصممون على اقتسام أدوار ريادية في العالم المعاصر في ظل هرم اللاعب الأمريكي الأساسي و ذهول اللاعبين الغربيين  الكومبارس الجدد و القدامى الذين فوجئوا بخطة بوتين المحبوكة و تقنياته العجيبة عسكريا التي اكتسبها في حرب سوريا ضد الجماعات الإرهابية، و اقتصاديا في تأقلمه مع ما يسمى بالعقوبات الاقتصادية الغربية و ما فرضه على الشركات الغير صديقة بالتعامل بالروبل إلا جزء من مهارات المقاومة و الدفاع و الاعتماد على الذات.

بالمقابل فإن الأزمة الروسية الأكرانية قد عرت هشاشة الأمن الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي بالدول الأوربية حين اهتزت و ستهتز أكثر جراء ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة حيث أنها كانت إلى أمد قريب تتكئ على موارد أكرانيا الغذائية و روسيا أساسا في مجال الطاقة خصوصا النفط والغاز، فمن سيسخن عظام الفرنسي والألماني عندما ينقص الدعم الروسي .