الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك: البيئة حق إنساني للاستمرار في الوجود ضمن مجموعة حقوق الجيل الجديد

وحيد مبارك: البيئة حق إنساني للاستمرار في الوجود ضمن مجموعة حقوق الجيل الجديد وحيد مبارك

الحق في بيئة صحية، أي في مناخ سليم، وفي وسط خالّ من التلوث، هو أحد حقوق الجيل الجديد أو الجيل الثالث من حقوق الإنسان، إذ لم يعد اهتمام الفاعلين الحقوقيين مقتصرا على الدعوة لتعزيز واحترام الحقوق المدنية والسياسية في مرحلة أولى ثم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لاحقا، بل أصبح رهان تفعيل واحترام الجيل الثالث من الحقوق رهانا أساسيا، ويتطوّر النقاش بشأنها يوما عن يوم، سواء تعلق الأمر بالحق في المعلومة أو التنمية والاستدامة أو البيئة السليمة، خاصة وأن هذا الحق الأخير يعتبر العمود الفقري لحياة اليوم والغد، التي باتت تعترض سبيلها تحديات أكثر وأكبر، تقوّض من جودة العيش وتهدد الكينونة والاستمرار في الحياة.

الجيل الجديد من حقوق الإنسان، التي وردت في إعلان ستوكهولم للبيئة ثم إعلان ريو المتعلق بالبيئة والتنمية وغيرهما، يعود اليوم في حاضرنا بقوة، للتأكيد على راهنيتها وأهميتها، خاصة في ظل الأزمات المتعددة، مناخية، سياسية، اقتصادية واجتماعية، والتي للعنصر البشري فيها دور سلبي، آثاره وتبعاته يمكن للجميع الوقوف عليها، وتبدو تداعياتها ظاهرة للعيان، على مستوى تردّي المنظومة البيئية، في ظل استمرار استهلاك وهدر كبيرين للطاقة، واتساع رقعة التلوث وتمدد الاحتباس الحراري، وتراجع مستويات المياه ومنسوب الغذاء، وتقلّص المساحات المزروعة، وتهديد التنوع البيولوجي وانقراض العديد من الكائنات التي تساهم في تحقيق التوازن الطبيعي، مما يتطلب الحاجة إلى تضامن عالمي فعلي لتقليص الفجوات وردم الهوّة فيما بين الدول، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تكتّل الجهود للتقليص من المدّ التصاعدي للمخاطر التي تتربّص بالبيئة المهددة لوجود الإنسان.

حقوق تمت دسترتها في دستور 2011 وعلى رأسها الفصل 19 الذي عمل على تجميع حقوق الأجيال الثلاثة، ثم على مستوى الفصل 27 بالنسبة للحق في المعلومة، فالفصل 31 الذي أكّد على الحق في الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة وعلى التنمية المستدامة. حضور دستوري يرافق أشواطا كبيرة ومهمة قطعتها بلادنا في هذا المسار، البيئي والتنموي، والذي يتجسّد من خلال مجموعة من المشاريع، التي وإن أبانت عن نجاحها إلا أن هذا لا يلغي ضرورة وحتمية الاستمرار في تطويرها والارتقاء بها، وضمان التقائية السياسات العمومية المختلفة فيها، مع إرفاقها بالجانب التثقيفي لتغيير الكثير من الممارسات السلبية ذات الآثار الوخيمة على البيئة والمناخ.

إن هذه الحقوق وإلى جانب أخرى، شكّلت وستظل على الدوام محور اهتمام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي أفرد لها حيّزا هاما في مقرراته ونقاشاته، سواء خلال مؤتمراته التنظيمية أو عبر برامجه الانتخابية ومختلف اللقاءات التي نظّمها، وتعتبر استضافة الشبيبة الاتحادية  للملتقى الدولي حول التضامن المناخي لشبكة مينا لاتينا، الذي يعرف مشاركة شباب الأحزاب السياسية التقدمية الديمقراطية من دول أمريكا اللاتينية والعالم العربي، المؤمن بقيم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، حدثا يجسّد هذا الاهتمام الذي يخصصه حزب القوات الشعبية وتنظيماته الموازية للبيئة والمناخ والتنمية في أبعادها الشمولية، وهو ما أكدته كلمة الكاتب الأول للحزب التي شدّد خلالها على أن الاقتصاد الأخضر هو أحد الروافع الأساسية التي يمكن أن تؤسس عليها البشرية نموذجها التنموي الجديد، مبرزا كيف أن حزب الاتحاد الاشتراكي اقترح أن يكون المدخل للاقتصاد الأخضر عبر قطاع الفلاحة من خلال تشجيع الزراعات العضوية ودعم الفلاحين الصغار بتمليك الأراضي وتوفير التمويل والمواكبة التقنية، وغيرها من المقترحات والأفكار التي استعرضها الكاتب الأول في الكلمة الافتتاحية لأشغال هذا الملتقى الدولي.

ملتقى، وإلى جانب النقاشات العريضة والواسعة بين المشاركين في مختلف المحاور المطروحة للتداول، سطّر ضمن برنامجه القيام بزيارة ميدانية إلى محطة نور في ورزازات، وهنا يجب الوقوف عند نقطة أساسية مرتبطة بإشكالية تفادي الأزمات والحدّ من تبعاتها، والتي كانت موضوع توجيه ملكي خلال خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة، والمتعلقة بالمخزون الاستراتيجي، كآلية لتعزيز القدرة على مواجهة الاختلالات في التموين التي قد تنتجها الأزمات العالمية والتهديدات الإقليمية. فالمغرب، وفقا للأرقام المتوفرة، يتوفر على موارد استثنائية من الطاقة الريحية والشمسية على اليابسة تقدّر بـ 500 تيراواط ساعة سنويا، موزعة ما بين الطاقة الريحية 350 تيراواط ساعة مع معدّل حدّ أدنى من التخزين يبلغ 5 آلاف ساعة، والطاقة الشمسية الكهروضوئية 150 تيراواط ساعة، بمعدّل حدّ أدنى للتخزين يبلغ 2500 ساعة، فضلا عن أن مجال الطاقة الريحية المستمدة من المحطات المقامة فوق سطح البحر تزخر بنفس الإمكانيات إن لم يكن أكثر.

إن المغرب اليوم يزخر بستّ أنظمة رياح مختلفة ومتكاملة ويتعلق الأمر بنظام طنجة وحوض الصويرة وأسفي وممر تازة والأطلس المتوسط وحوض الصحراء، أما فيما يخص الطاقة الشمسية فالمغرب يتعرض لضوء الشمس ما بين 2500 و3 آلاف ساعة في السنة، مما يجعل من التكامل ما بين الرياح والشمس عاملا لتحقيق استدامة الإنتاج وتفادي التغيرات المفاجئة والحادة في الصبيب، وبالتالي المحافظة على سير منظومة الطاقات المتجددة، كما أن من شأن استخدام الشبكات الذكية، كما أشار إلى ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في موضوع تسريع الانتقال الطاقي لوضع المغرب على مسار النمو الأخضر، وتفعيل حلول التخزين المعتمدة وتوظيف التطورات التكنولوجية المستقبلية، أن يعزز التحكم في إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة، حيث سيمكّن استغلال هذا المخزون من ارتقاء المغرب إلى مصافّ البلدان الرائدة في مجال الانتقال الطاقي وتقليص نسبة التبعية الطاقية ومن فاتورتها.

لقد سنّ المغرب عددا من التشريعات للحفاظ على البيئة وسطّر مجموعة من السياسات العمومية، التي تحتاج إلى تقييم ناجع، للوقوف على ما الذي تأتّى تحقيقه وما الذي ينبغي القيام به، مع التأكيد على ضمان وتوفير عنصر أساسي وهو الالتقائية فيما بين كل السياسات، لتفادي هدر الزمن والميزانيات والوصول إلى الأهداف المسطّرة، واستثمار وتطوير التراكمات الإيجابية، وأن يعرف السعي لتكريس وتطوير حقوق الإنسان المتعلقة بالجيل الثالث أو الجيل الجديد تعبئة مجتمعية قوية، وأن يرافق ذلك نقاش مجتمعي واسع ومستمر، مدنيا سياسيا وإعلاميا... لقد قطعت الشبيبة الاتحادية خطوة كبيرة في هذا الباب وهي تستضيف حدثا دوليا يشّرف بكل تأكيد بلادنا، ويعتبر لحظة للنقاش الموسع ولتبادل التجارب وفتح آفاق التعاون في هذا الباب، وهو نقاش يجب أن يستمر ليس فقط خارجيا بل كذلك داخليا بين كل المكونات الحكومية وغير الحكومية، وكل المهتمين بالشأن البيئي والغيورين عليه، فترسيخ هذا الحق هو ترسيخ للحياة وحفاظ على استمراريتها وتمنيعها لمواجهة كل الجائحات والتحديات الحالية والمستقبلية.

وحيد مبارك صحفي، باحث في السياسات العمومية