الجمعة 7 فبراير 2025
فن وثقافة

"طَازُوطَا"...هندسة ومعمار و بناء خرافي يحكي سيرة إنسان دكالة

"طَازُوطَا"...هندسة ومعمار و بناء خرافي  يحكي سيرة إنسان دكالة طَازُوطَا

حين يسمع شباب اليوم ببعض مفردات معجمنا الدّارجي، والتي كانت متداولة في عالمنا القروي منذ زمان، ينتابه نوع من الاستغراب المقرون بالدهشة، ليس لأنه يجهل تراث موروثه الثقافي الشعبي بكل خصوصياته وروافده المتعددة بسبب عدم برمجته في المقررات الدراسية كتراث لامادي. لكن مَرَدُّ تلك الدهشة يتعلق بالحمولة والقيمة الحضارية والتاريخية والإنسانية التي يعكسها قاموس الكثير من المفردات والكلمات والأسماء الجميلة بدلالتها وعمق رمزيتها بالعديد من المناطق المغربية.

هل يعرف شباب اليوم كيف عاش أجدادهم في عمق البادية المغربية على مستوى المعمار والتعمير والبناء قبل عصر هندسة المنعشين العقاريين والإسمنت المسلح؟ وكيف وظفوا ذكائهم واخترعوا مساكن تأويهم وتحميهم رفقة بهائمهم ودوابهم من شدة الحر والقر صيفا وشتاء؟ وأين كانوا يخزنون محاصيلهم الزراعية وكيف كانوا يجمعون مياه الأمطار؟

هل يعرف شباب اليوم معنى "اَلنّْوَالَةْ" و "اَلزْرِيبَةْ" و "اَلْمَطْفِيَّةْ" و "اَلْـﯕَاعَةْ"... والعديد من المفردات ذات الصلة بمعجم حضارة الإنسان المغربي منذ قرون؟

في هذا السياق تقدم جريدة "أنفاس بريس" للقراء ورقة الكاتب والمسرحي خالد الخضري (نورس الجديدة) الذي وثق من خلالها معنى كلمة "اَلطَّازُوطَا" التي ترتبط بمجال و تاريخ منطقة دكالة كبنايات خرافية، حيث نبش في أسرارها وحكاياتها و أصل ومعنى تسميتها و كم عمرت من سنين بمنطقة دكالة (حد أولاد فرج)، وما هي أهداف تشييدها؟

 

على بعد حوالي 20 كلم من مدينة الجديدة جنوبا في اتجاه قبيلة حد أولاد فرج، تسترعي الانتباه مجموعة من البنايات الحجرية الغرائبية، متناثرة على امتداد الطريق، ذات شكل هرمي أسطواني. وما يبدو منها على جنبات الطريق غيض من فيض ليس إلا، لأنه كلما توغلنا في قرى ودواوير تلك المنطقة، تتناسل هذه البنايات التي بعضها يبدو مصانا مستعملا داخل مجمعات سكنية بينما البعض الآخر يتراءى مهجورا. لكن أغلبه ما زال قائما وإن تهدمت وتناثرت بعض أحجاره هنا وهناك.

تلكم هي "اَلطَّازُوطَا" أو "طَازُوطَةْ" والتي لا توجد إلا في منطقة دكالة وبالضبط في مدار تقدر مساحته بحوالي 25 كيلومتر مربعة، ابتداء من أزمور مرورا بالشْعَيْباتْ، أولاد سالم، أولاد حمدان إلى حد أولاد عيسى، حيث يحصي بعض المالكين المهتمين بهذه البنايات التي تبدو فعلا "خرافية" نظرا لشكلها وتعدد استعمالاتها، ما بين 300 إلى 400 "طَازُوطَا"، وإن بدأ بعضها في الإندثار والتهاوي (بفعل الإنسان بالدرجة الأولى)، نظرا لصلابتها وقدرتها على الصمود أمام صروف الزمن ومنذ عهد سحيق، إذ تجمع أغلب الدراسات على أن عمر الواحدة منها لا يقل عن 300 سنة أي ثلاثة قرون فما فوق، بل إن هناك من يرجع بنائها إلى عهد الرومانيين أو الفينيقيين الذين مروا بالمنطقة.

الأهداف التي بنيت من أجلها "اَلطَّازُوطَا" متعددة لكن من خلال معاينة شخصية لمواقعها من الداخل والخارج كما الجلوس والقيلولة ثم المبيت بها، تبين، أن الهدف الأشد رجاحة الذي أنشئت من أجله هو السَّكَن..

وتقول دراسات إن هذه النوعية من البنايات الحجرية الضخمة و "الشّاهقة" في عصرها، كان لا ينشئها ويسكن بها إلا الميسورين، في الوقت الذي كان معظم المغاربة يقيمون في خِيَّامْ شَعْرْ اَلْمَاعِزْ، أو خِيَّامْ وَبَرْ اَلْإِبِلْ، أو في أكواخ من القش والقصب، أي ما كان يسمي ب "اَلنّْوَايَلْ" جمع "نْوَالَةْ".

كانت "اَلطَّازُوطَا" بأحجامها وعلوها، أعلى وأشد راحة، نظرا لمتانتها وتأقلمها مع أحوال الطقس، إذ هي باردة في الصيف ودافئة في عز البرد !! وهذا شيء لمسته بنفسي ويمكن لأي كان، التأكد منه حاليا بالانتقال إلى عين المكان.

هناك أهداف أخرى أُنشئت من أجلها "الطازوطا" لا زالت تُحقَّق حتى الآن، كاستعمالها كمطبخ أو لتجميع القش وكلأ البهائم والأغنام، حيث يحافظ على طراوته لمدة طويلة وأكثر من "الكوري" نظرا لامتياز "الطازوطا" بالتهوية الطبيعية لما بها من نوافذ. ولتخزين الحبوب أيضا وإيواء بعض المواشي والدواجن في الحر كما في القر.

قديما كانت لـ "الطَّازُوطَا" وظيفة استراتيجية حربية إذ كانت تستعمل كبرج للمراقبة في زمن السيبة و"حَرْكَاتْ" القبائل على بعضها البعض.

أما اسم "طازوطا" فأصله بربري ويعني إناء حساء الحريرة "الزّْلَافَةْ" مقلوبة. ثم اَلْمَرْوَدْ الذي به تُكَحَّل العيون وأيضا الأحجار المنسوجة... وترتبط "الطَّازُوطَا" بالوفير من الأحداث والحكايات المدهشة والغرائبية بعضها واقعي ملموس...ولحد الآن تجد نفسك مفتونا ومنبهرا به حتى ولو صعب عليك تصديقه.